موسكو في مواجهة وارسو
لم يكن صدفة، بل إمعاناً بالانحياز لمنظمة التحرير وسلطتها الوطنية وخياراتها الكفاحية، ودعم حق الشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه، وإدراكاً منها لأهمية الوحدة الوطنية المجربة لدى الفلسطينيين وكل شعوب الأرض التي ناضلت وحققت أهدافها بالحرية والاستقلال، والانعتاق من الظلم والاحتلال والعنصرية، لم يكن صدفة اختيار موسكو أيام 10 و 11 و 12 شباط لدعوة عشرة فصائل فلسطينية أساسية وفاعلة وخاصة فتح وحماس والشعبية والديمقراطية والجهاد، لجلسات عمل وحوار ونقاش منهجي مقصود في موسكو بالتوازي والتوقيت مع عقد مؤتمر الشرق الأوسط في مدينة وارسو بدعوة وترتيب أميركي لسبعين دولة بما فيهم حكومة المستعمرة الإسرائيلية، في محاولة لتوجيه النقاش والاهتمام وحرفه عن دور المستعمرة الإسرائيلية في خلق الإرهاب من طرفها، وفي ولادة أحد دوافع الإرهاب بسبب ما تفعله المستعمرة الإسرائيلية من أفعال وجرائم تشكل ذرائع لدى ممارسة الإرهاب كخيار متطرف لمعالجة التحديات السياسية، مع أن جزءاً من هذا الإرهاب تم تغذيته من قبل الولايات المتحدة وحلفائها وفي طليعتهم المستعمرة الإسرائيلية كما حصل في أفغانستان والعراق وسوريا وغيرها من بلدان المعاناة من الإرهاب والاحتلال والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة .
حلفاء أميركا يلتقون في وارسو، وأصدقاء موسكو يلتقون على أرضها لعل قادة العمل السياسي والكفاحي الفلسطيني يستجيبون لنصائح صديقتهم العاصمة الروسية في التوصل إلى ما يمكن إنهاء الانقسام ووضع أرضية مشتركة للعمل باتجاه : 1 – صياغة برنامج سياسي مشترك يُوحد جهدهم ونضالهم، 2 – المشاركة في المؤسسة التمثيلية الواحدة وهي منظمة التحرير وسلطتها الوطنية، 3 – اختيار الأدوات الكفاحية المناسبة لمواجهة الاحتلال واستنزافه وهزيمته .
لقاء موسكو يهدف إلى التركيز إلى أن عدو الشعب الفلسطيني هو عدو واحد الذي يحتل أرضهم ويُصادر حقوقهم وينتهك كرامتهم، ولا سبيل أمام الفلسطينيين سوى مواصلة النضال من أجل انتزاع كامل حقوقهم على أرض وطنهم فلسطين : حقهم في العودة وفق القرار 194، وحقهم في الاستقلال والدولة والقدس وفق القرار 181، بما يُلبي طرفي الشعب الفلسطيني الطرف المقيم بحق الاستقلال، والمشرد المنفي واللاجئ بحق العودة، فهل تشكل موسكو المحطة الأهم بعد سلسلة المحطات التي وفرتها مصر ولكنها لم تُثمر بالنتائج، فتعمل موسكو على تتويج ما تحقق بالقاهرة من اتفاقات لتفعيل فعلها وتنتج الولادة المطلوبة بعد المخاض العسير، كما سبق وأنجزت في مفاوضات عدن الجزائر في الثمانينات التي أثمرت في حينها عن استعادة الوحدة الفلسطينية .
ليس صدفة أن تختار العاصمة الروسية التوقيت مع انعقاد مؤتمر وارسو، وليس صدفة أن تدعو الأطراف الفلسطينية لتشاهد عن قرب ما سوف يجري في العاصمة البولندية الهادف لشطب قضيتهم بشكل تدريجي متعدد المحطات، فهل تعي الفصائل والأحزاب الفلسطينية ما هو المطلوب منها والترفع عن مصالحها الحزبية الضيقة وتنتهي من صيغ الاستئثار والأحادية والتفرد كما هو سائد لدى رام الله وغزة .