ملاحظات على مشروع قانون العفو العام كما اقره مجلس النواب / ١
ملاحظات على مشروع قانون العفو العام كما اقره مجلس النواب / ١
يلاحظ ان مجلس النواب قد شمل العديد من المخالفات والجنح والجنايات في قانون العفو العام . ومما لا شك فيه ان المجلس كان محقاً في بعضها وانها تحقق الغاية المقصودة من العفو العام مراعاة للظروف الحالية التي تمر بها البلاد ويعاني منها المواطنين . ومما لا شك فيه ايضاً ان العفو قد تجاوز الحد المعقول والمقبول في بعض الجرائم التي شملها بأحكامة وفيها الكثير مما يلحق الضرر ببقية المواطنين وبالمجتمع ومما يجعلها تخرج عن مضمون ما هدف اليه جلالة الملك عندما طلب من الحكومة اعداد قانون للعفو العام يخفف على المواطنين وعلى شرط ان لا يلحق ذلك الضرر بألآخرين .
وقد تم شمول بعض القوانين بالعفو دون اشتراط اسقاط الحق الشخصي فيما تم وضع هذا الشرط لشمول بعض الجرائم بهذا القانون ، ولكنه وفي كلتا الحالتين ومن وجهه نظري لم يحالفه التوفيق في ذلك في بعض الحالات . وسوف اضرب بعض الامثلة على هذا النوع من الجرائم ابتداءً بتلك التي لم يشترط فيها القانون التنازل عن الحق الشخصي
١ - لقد شمل هذا القانون بالعفو الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة العامة المنصوص عليها في المواد من ١٧٠ الى ١٧٦ من قانون العقوبات الاردني رقم ١٦ لعام ١٩٦٠ . وهذه الجرائم تتعلق بالاخلال بالقيام بواجبات الوظيفة سواء اكانت في القطاع العام او في القطاع الخاص وذلك عن طريق الامتناع عن القيام بعمل حق يجب عليه القيام به بحكم وظيفته او القيام بعمل غير حق بكم هذه الوظيفة او القيام به مقابل حصوله على منفعة شخصية له ، وكذلك جرائم الرشوة والاختلاس والتزوير والغش . وقسم من هذة الجرائم هي جنح وقسم منها جنايات وقد شملها القانون جميعهاً بالعفو العام مباشرة بالرغم من خطورة هذه الجرائم وتأثيرها على العمل الوظيفي وانها تعتبر من اعمال الفساد . وقد جرت العادة انه في حال تم توجيه تهمة من هذه التهم الى موظف على رأس عمله ان يتم كف يده عن العمل مع الاحتفاظ بشاغره الى حين انتهاء قضيته وصدور قرار قطعي اما بالادانة وبالتالي فصله نهائياً من وظيفته او بالبرائة او عدم المسؤولية وفي هذه الحالة يعود الى وظيفته والى شاغره وتحسب فترة انقطاعه عن العمل له . اما بعد شمول هذه التهم بالعفو العام من غير شرط ولا قيد فأن هذا يعني اعتبار هذه الجرائم وكانها لم تكن وبالتالي يحق لمن هم مدانون ومحكومون بالسجن او هم قيد المحاكمة والتحقيق ان يعودوا الى اعمالهم فوراً وان تحسب فترة انقطاعهم عن العمل لصالحهم . وكأن قيامهم بهذه الجرائم المخلة بشرف المهنة تحولت الى مكافئة لهم على جرائمهم هذه ليعودوا لممارسة فسادهم من جديد وليشجعوا غيرهم من الموظفين على القيام بذلك ، ثم بعد ذلك نتحدث عن الفساد في دوائرنا ومؤسساتنا.
٢ - ومن الجرائم التي شملها هذا القانون بالعفو العام المباشر الجرائم المرتكبته خلافاً لاحكام قانون سلطة المياة رقم ١٨لسنة ١٩٨٨ ولاحكام المادتين ٤٥٥ و٤٥٦ من قانون العقوبات الاردني والتي تتعلق بسرقة المياة باي طريقة كانت والأعتداء عليها ، والقيام باعمال التنقيب عن المياة من غير ترخيص او الاعتداء على المياة الجاري او السدود او البرك والينابيع والمستنقعات والاغادير . ويشمل ذلك كل الآبار الغير شرعية والخطوط الغير شرعية والتي كانت تسحب من الخطوط الرئيسية لسقاية المزارع الخاصة وفي بعض الحالات القيام ببيع هذه المياه الى مزارع اخرى او عن طريق الصهاريج كمياه للشرب على اعتبار ان مصدرها آباراً خاصة بهم وتحقيق ارباحاً مالية طائلة من وراء ذلك ، وهي العمليات التي كان يقوم بها بعضاً من كبار المتنفذين والتي تم ظبط الكثير منها في الفترة الاخيرة . علما بان كمية المياة المنهوبة بكافه الطرق ومن مختلف المصادر تبلغ مائة وثمانون مليون متراً مكعباً سنوياً ، اي ضعف كمية مياه الزارة التي كلفتنا مئات الملايين لاحضارها الى عمان . و تقدر قيمة هذه المياه المسروقة بعشرات الملايين من الدنانير سنوياً ومن مياه الشعب الذي لا يجد مياهاً تسد حاجته . وقد برر البعض شمول هذه المادة بالعفو من اجل اطلاق سراح المحبوسين على ذمة هذه القضايا ووقف ملاحقة المطلوبين وبأن قيمة هذه المياه لا تسقط عن كاهلهم باعتبارها اموالاً عامة مع عدم صحة ذلك اما جهلاً بالقانون اوتعمداً لخداع المواطنين . حيث ان المطالبات المالية على مرتكبي هذه الجرائم هي غرامات بدل مياة منهوبة وليس اثمان مياة غير مدفوعة . وهذه الغرامات هي عقوبات على فعل الاعتداء على خطوط المياه ومصادرها ، وطالما شمل العفو العام هذا الاعتداء فهو سيشمل الغرامات المترتبة علية وقد ورد نص صريح على ذلك بقانون عفو مجلس النواب بهذا الاعفاء مما يعني حرمان خزينة الدولة من عشرات الملايين من الدنانير سنوياً . وليس ذلك فحسب وحيث ان قانون العفو للفعل الجرمي فأن هذا العفو سوف يمتد ليشمل كل عمليات الاعتداء على خطوط المياة ومصادر المياة على اختلافها والتي وقعت قبل تاريخ تنفيذ العفو سواء ما تم كشفه منها وما لم يتم كشفه حتى الآن .
٣ - كما شمل العفو ايضاً الجرائم المرتكبة خلافاً لاحكام قانون الكهرباء العام المؤقت رقم ٦٤ لسنة ٢٠٠٢ والمادة ٣٧٩ من قانون العقوبات والتي تدين اي اعتداء على خطوط الكهرباء والشبكات الكهربائية وعلى قطع الاتصالات السلكية واللاسلكية او خطوط اذاعات الراديو ومحطات التلفزيون سواء بألحاق الضرر بألالات او ألأسلاك او بأي طريقة اخرى . كما نص قانون الكهرباء على منع القيام بأي عملية توليد للكهرباء دون موافقة هيئة تنظيم قطاع الكهرباء ورآسة الوزراء . ومن شأن شمول هذة الجريمة بالعفو العام اعتبار من سرق المولدات الكهربائية واخذ يولد الكهرباء لمزرعتة ومصانعه ويسرق من خطوط الكهرباء مشمولا بهذا العفو بالاضافة الى كل من اعتدى على شبكة الكهرباء او الاتصالات بالرغم من اهمية هذا القطاع لحياة المواطنين اجمعين .
٤ - كما شمل الاعفاء الجرائم المنصوص عليها في المواد ١٨٥ / ١٨٦المتعلة بمقاومة الموظفين العامّين اثناء ادائهم لعملهم ودون اسقاط الحق الشخصي ودون الاخذ بالأعتبار تأثير ذلك على الموظفين الذين تعرضوا للاعتداء اثناء ادائم لعملهم الرسمي ثم يجدون من اعتدوا عليهم قد شملهم العفو العام ودون اخذ الجهات الحكومية والرسمية التي يعمل لديها هؤلاء الموظفين بالإعتبار ، ودون تبيان كيف سيقومون بعملهم مستقبلا ولم تعد حمايتهم امراً مهماً .
٥ - كما شمل الاعفاء الجرائم الواردة في المواد ٧ و ٨ و ٩ والمادة ١٢ فقرة أ من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية والمتعلقة بمن تعاطى اوهرّب او استورد او انتج او صنع او حاز او اشترى او وزع أي من المواد المخدرة والمؤثرات العقلية او المستحضرات والنباتات التي ينتج عنها مواد مخدرة بقصد تعاطيها دون ان يعتبر الفعل سابقة جرمية اوقيداً بحق مرتكبة في المرة الاولى . وشمل الاعفاء من دس هذه المواد للآخرين من غير علمهم كما يشمل الاعفاء من قاوم رجال الظابطة العدلية اثناء القاء القبض علي المتعاطين
وهذا يعني ان العقوبة لا تطبق على المتعاطي من المرة الاولى التي يتم ظبطه فيها . وكما ان القانون يسمح بتحويلة لمراكز معالجة المدمنين قبل محاكمتة وتطبيق العقوبة علية . وهذا يعني من ناحية واقعية ان من يتم ادانتهم بموجب المادة ٩ من هذا القانون هم مدمنون حقيقيون سبق ان مارسوا هذا الفعل اكثر من مرة ، وان الافراح عنهم بعفوا عام سوف يسقط اسبقياتهم وسوف يجعلهم بلا سوابق اذا تم الامساك بهم وهم في حالة تعاطي .
٦ - كما شمل العفو قوانين العمل والاقامة بحيث يتم اعفاء العمالة الاجنبية عن دفع ما عليهم من قيمة تصاريح عمل واقامة واية غرامات على ذلك عن الفترة السابقة . واذا اخذنا بالاعتبار انه يوجد في الاردن ما لا يقل عن نصف مليون عامل وافد يعملون في مختلف المهن ومتخلفين عن عمل تصاريح عمل واقامات وبعضهم امضى عدة سنوات دون ان يفعل ذلك مع انهم يعملون عند مواطنين اردنيين بعضهم بصفة دائمة ولكنهم لا يعملون لهم اقامات ولا تصاريح عمل ، وبعضهم يعمل بصفة مؤقتة وبطريقة غير شرعية . وشمولهم جميعاً بهذا الاعفاء سيضيع على ميزانية الدولة مبالغ كبيرة جداً هي احوج ما تكون اليها . وكان الاجدى هو حث الحكومة على اتخاذ ما يلزم من اجراءات لتصويب اوطاع هذه العمالة
٧ - ونأتي اخيرا في هذا القسم الى مخالفات السير المترتبة على مخالفة احكام قانون السير رقم ٤٩ لسنة ٢٠٠٨ حيث قرر مجلس النواب شمول جميع موادة بالعفو العام باستثناء المادة ٢٧ منه وهي المتعلقة بالتسبب بألوفاة حيث اشترط لشمولها بالعفو اسقاط الحق الشخصي .
و ربما يكون هذا الاعفاء الاكثر مطالبة به من قبل المواطنين حتى يتخلصوا من المخالفات التي بذمتهم وخاصة واننا نعتبر ارتكاب مخالفات السير حق طبيعي لنا . ولكن هنا يطرح سؤال وهو ما ذنب من قاموا بدفع جميع المخالفات التي كانت عليهم خلال العام الماضي على الأقل، الا يحق لهم المطالبة باسترداد قيمتها من قبيل المساواة بين المواطنين ؟ ثم واذا كانت معظم مخالفات السير يمكن ان يقع بها الغالبية العظمى من المواطنين وفي الكثير من الاحيان يجدون انفسهم مضريين لارتكاب هذة المخالفات ، ولكن ماذا عن المخالفات الخطرة والتي تشمل تجاوز الاشارة المرورية والقيادة بسرعة هائلة تتجاوز السرعة المقررة بعشرات الكيلومترات والقيادة تحت تأثير المسكرات او المخدرات او القيادة بعكس اتجاه السير او القيادة الخطرة وممارسة التشحيط والتخميس في الشوارع والميادين والتي هي مخالفات اختيارية وليست اجبارية وتنم عن اسلوب منحرف وخطر في القيادة فما هو مبرر شمولها بالعفو او على الاقل ما هو مبرر اعفاء من عليهم مجموعة كبيرة من مخالفات هذه الفئة . ولماذا لا يتم وضع سقفاً معيناً للمخالفات يتم شطب ما دونها ويتم الزام المخالف بدفع ما زاد عن ذلك وبذلك يكون قد تحقق اكبر قدر من العدالة ما بين المواطنين
هذا عن الجرائم المشمولة بالعفو العام من غير شرط اسقاط الحق الشخصي والتي ستكون موضوع مقال آخر
مروان العمد