الإصلاح يبدأ من داخلك
الدكتورة حمدة سميح البيايضة
أصبح الإصلاح ومكافحة الفساد هاجس المواطن الأردني والمطلب الأول في كل مظاهراته ومطالباته، وما على الحكومة بالطبع إلا الرضوخ لمطالب المواطن، وفك حكومات وتشكيل حكومات أُخرى لا تختلف عمَّا سبقتها بشيء إلا في الأسماء أو بتفعيل نشاط هيئة مكافحة الفساد ومتابعة قضايا الفساد والفاسدين. كل هذا لن يجدي نفعاً وليس حلاً جذرياً لنزيف الفساد وهدر الموارد التي يعاني منها الأردن؛ فما تقوم به دائرة مكافحة الفساد إلاَّ كمن يحاول تجفيف الماء بدلا من رتق الخرق الذي في أنبوب المياه؛ فالإصلاح الحقيقي لا يتحقَّق إلا بترسيخ منظومة القيم والأخلاق الفردية والمجتمعية وتعزيز الوعي والرقابة الذاتية لدى الفرد، وهذا ما ذكره رب العالمين في كتابه العظيم حيث يقول: { إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ }الرعد11، وقال تعالى أيضاً: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً }الأحزاب52. وبالآية الأخيرة أراد الله أن يخلق روح الرقابة الذاتية لدى الفرد من خلال استشعاره للرقابة الإلهية في كل تصرفاته وخطواته . وبهذا يكون العلم والمنطق والدين اتفقوا والتقوا على خط واحد وهو أن سبيل الإصلاح والتغيير للأفضل هو تغير ما بالداخل أولا لينعكس هذا التغيير على المجتمع بشكل عام من خلال تغيير نهج التفكير والأخلاق لدى الفرد، إذ أن المخرجات من جنس المدخلات، فمن الغباء المطالبة بمخرجات صالحة و المدخلات فاسدة، وحيث إن الجزء من الكلِّ، وصفة الكلِّ تشمل الجزء فإنَّ الحكومة جزء من الشعب، وإذا فسد الشعب فسدت الحكومة، وإذا صلح الشعب صلحت الحكومة، فالحكومة من الشعب والشعب من الحكومة؛ فبالتالي لن يتم الإصلاح المنشود إلا بعد أن نسعى لغرس منظومة أخلاق وقيم فردية ومجتمعية صالحة في أذهان وسلوك أطفالنا وأبنائنا الذين هم المدخلات التي تتحكم بنوعية وجودة المخرجات. فأبناءنا هم الأمل بمدخلات مستقبلية واعده بالخير والإصلاح. ولتحقيق هذا الشيء يستوجب ربط القيم الأخلاقيَّة والفكرية بالمناهج التعليميَّة، لما لذلك أهمية في تشكيل شخصية جيل كامل بأخلاق وقيم صالحة وزيادة مستوى الوعي الفردي بمدى النفع العائد على الفرد بتحقيق الإصلاح بشكل كلي وليس خاص أو جزئي. ولا ننسى الدور المحوري الذي تقوم به إذاعات التلفاز والبرامج والأفلام والأغاني ، فكلنا مدركون لما لأبطال الأفلام والمسلسلات والألعاب والبرامج التي يشاهدها أبناؤنا من أثر في صقل شخصية وفكر الأجيال .فإذا نهضنا بالمناهج الدراسية، وصدّرنا للجيل القادم رسالة ذات مضمون أخلاقي وفكري صالح عن طريق الأفلام والمسلسلات والألعاب والبرامج أو أي محتوى قد يصل لأبنائنا عن طريق الأقمار الصناعية والشبكة العنكبوتية، و تكاتفت جميع هذه العناصر في غرس الأفكار والقيم الجيدة التي نريد، عندها سنخرج بجيل صالح وواعد ورائع بإذن الله وسندثر الفساد. وسنكون قادرين حينها على تطبيق شعار الأردن أولاً، الذي لم يفهم مغزاه الكثيرون، أو بالأحرى لم يكن بالمقدور تطبيق الشعار بشكل فعَّال، بسبب غياب منظومة الأخلاق والوعي التي ذكرتها سابقاً. إذن فلتوفر الحكومات جهودها في الإطاحة بالحكومات المتلاحقة ومحاسبة و ملاحقة الفاسدين، كل هذا لن يكون حلا جذريا للمشكلة ، فما بُني على خطأ سيستمر على خطأ؛ ولنبدأ بالإصلاح الجذري، بدءاً بالفرد وانتهاءَ بالسلطة، وإن كان ما أتحدث عنه هو نهج ذو خطة طويلة المدى ، لكنه السبيل الأوحد لتحقيق وتطبيق شعار الأردن أولاً بشكله الفاعل ، وبناء أردن أفضل وواعد، بأخلاق ووعي شعبه وحكومته الواعية والفاعلة والخلوقة.//