الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة

 

الأنباط – العقبة - د. نهاية القاسم

 

الاقتصاد الأخضر هو ناتج تحسن الوضع الأقتصادي مع الحد من المخاطر البيئية وندرة الحياة البيئية، والذي يؤدي إلى تحسين المساواة بين الإنسان ورفاهه الاجتماعي. الاقتصاد الأخضر هو نموذج للتنمية الاقتصادية على أساس التنمية المستدامة ومعرفة الاقتصاد البيئي. وهو نوع من الطرق المنظمة لإنشاء مجتمع وبيئة نظيفة ترفع من المستوى الاقتصادي وتدفع المجتمع نحو حياة أفضل, وتحافظ على موازنة البيئة من جميع أشكال التنوع البيئي.

 

استحدث برنامج الأمم المتحدة للبيئة تعريفاً عملياً، عرف به الاقتصاد الأخضر بأنه اقتصاد يؤدِّي إلى تحسين حالة الرفاه البشري والإنصاف الاجتماعي، مع العناية في الوقت نفسه بالحدّ على نحو ملحوظ من المخاطر البيئية. وأما على المستوى الميدانى، فيمكن تعريف الاقتصاد الأخضر بأنه اقتصاد يُوجَّه فيه النمو في الدخل والعمالة بواسطة استثمارات في القطاعين العام والخاص من شأنها أن تؤدي إلى تعزيز كفاءة استخدام الموارد، وتخفيض انبعاثات الكربون والنفايات والتلوّث ومنع خسارة التنوّع الأحيائي وتدهور النظام الإيكولوجي. وهذه الاستثمارات هي أيضاً تكون موجّهة بدوافع تنامي الطلب في الأسواق على السلع والخدمات الخضراء، والابتكارات التكنولوجية، بواسطة تصحيح السياسات العامة الضريبية فيما يضمن أن تكون الأسعار انعكاساً ملائماً للتكاليف البيئية.

 

مع تزايد الضغوط على البيئة نتيجة الالتزامات والنشاطات المختلفة التي تخدم الاقتصاد وخاصة في الدول الصناعية الكبرى … بدأ يظهر مفهوم الاقتصاد الأخضر وهو يعني تحقيق النمو والتنمية المستدامة دون الإخلال بالنظام البيئي وكذلك توفير المساعدات والمنح للدول الفقيرة من أجل النهوض بالتعليم والصحة والبنية الأساسية وبذلك تتحقق العدالة والمساواة في التنمية.

 

اليوم اكثر من مليار شخص يستخدمون ويستغلون البيئة ، الحكومات تعاني من الازمات المالية العالمية ، والفجوة بين الاغنياء والفقراء تزداد اكثر، واذا استمر اهدار الموارد سوف يعيش 4 مليار فرد في اماكن تعاني من النقص الشديد في المياه بحلول 2050 ، الصين والهند سوف تحتاج  80% اكثر من الطاقة التى تعتمد بشكل اساسي على الوقود الحفرى ، غازات الصوبة الخضراء سوف تظل ثابتة في دول منظمة التنمية و التعاون الدولى (OECD) وروسيا ، بينما تزداد اكثر من الضعف في مجموعة  البريكس،وتزداد في باقي دول العالم وعالميا بنسبة اكثر من 50% وهو مايزيد من درجة حرارة الارض من 3 الى  6 درجات مئوية بنهاية القرن .

 

الزراعة، التمدد العمراني ، قطع الاشجار , التغيرات المناخية , يمكن ان تقلل من نسبة تنوع الكائنات الحية بمقدار 10% ، تلوث الهواء والجسيمات العالقة والاوزون على الارض والهواء غير الصحي؛ سوف تصبح من اهم اسباب الوفاة المبكرة حول العالم ، كل هذه الاسباب والمظاهر جعلت دول العالم في حاجة ماسة لتغير مسار صناعتهم والاتجاه نحو اقتصاد نظيف واستخدامات طاقات جديدة نظيفة وهو ما يتمثل في الاقتصاد الاخضر .

 

بشكل اخر فان معدلات النمو الحالية ليست مستدامة فهناك طريقة واحدة الى الامام وهو الاتجاه الى الاخضر لتعزيز النمو الاقتصادي العالمى …منظمة التعاون والتنمية الاقتصاديةلديها العديد من الوسائل للمساعدة ؛ تشمل المؤشرات لقياس النمو ، تقييم الموارد الطبيعية وتقييم اضرار التلوث هو احد الحلول الرئيسية لتفادى الازمات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية ، كما ان فرض الضرائب على انبعاثات الكربون وتقنين الانبعاثات من قبل الحكومات يمكن ان يدر 250 مليار دولار سنويا بحلول عام 2020،  وازالة الدعم على انتاج الوقود الحفرى واستخدامه سوف يقلل الانبعاثات ويزيد من الدعم المادى للتعليم والصحة ، ومساعدات الدول المانحة اكثر من 5 مليار دولار سوف تذهب الى حماية البيئة و نقل التكنولوجيا والتجارة والاستثمار والدعم المالى الاكبر سوف يمنح جميع الدول فرصة اكبر للنمو الاخضر، وفي الاعمال الخاصة الاستثمارات الخضراء سوف تحسن من توازن الاوراق المالية والبيئة .

 

بدا الاهتمام والنظر نحو الاقتصاد الاخضر باعتباره نشاطا اقتصاديا صديقا للبيئة واحد سبل تحقيق التنمية المستدامة حيث كانت البداية من قمة الارض ( ريو دي جانيرو)عام1992 ، وبعد عشرين عاما في  ( ريو دى جانيرو) مرة اخرى في مؤتمر الامم المتحدة للتنمية المستدامة آفاق جديدة نحو تحقيق التنمية المستدامة ، ومؤتمر ريو +20 يلزم حكومات الدول بتطبيق وعودها في نمو اقتصادي عادل ومستدام .

 

من هذا المنطلق سوف تتجه دراساتنا حول امكانية المضي نحو الاقتصاد الاخضر والاعتماد في الصناعة والاستثمار على الطاقات الجديدة والمتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية من اجل تحقيق تنمية مستدامة تصاحبها اثار بيئية نظيفة غير ضارة واثار اجتماعية لاعادة التوازن البيئي وتقليل الفجوة بين الاغنياء والفقراء .

 

خصائص مشتركة ناشئة لمفهوم الاقتصاد الأخضر

 

- الاقتصاد الأخضر وسيلة لتحقيق التنمية المستدامة، ولا يعد بديلاً لها.

 

- الاقتصاد الأخضر ييسر تحقيق التكامل بين الأبعاد الأربعة للتنمية المستدامة وهى الأبعاد البيئية والاجتماعية والاقتصادية والتقنية أو الإدارية.

 

- ضرورة تطويع الاقتصاد الأخضر مع الأولويات والظروف الوطنية.

 

- ضرورة تطبيق مبدأ المسئوليات المشتركة بين الأجهزة المعنية للدولة للانتقال الطوعى صوب الاقتصاد الأخضر.

 

- ينبغي ألا يستخدم الاقتصاد الأخضر كوسيلة لفرض قيود تجارية أو شروط على المعونة أو على تخفيف الدين. وينبغي أن يعالج الاقتصاد الأخضر التشوهات التجارية، ومنها مثلاً الإعانات الضارة بيئياً.

 

- يجب أن يعترف الاقتصاد الأخضر بالسيادة الوطنية على الموارد الطبيعية.

 

- يجب أن يرتكز الاقتصاد الأخضر على كفاءة الموارد وعلى أنماط استهلاك وإنتاج مستدام.

 

أثار الركود المالي العالمي نقاشا جادا بين العديد من البلدان حول الكشف عن أسباب الفشل وابتكار حلول معقولة. لقد بات البحث عن نمو اقتصادي "تحولي" أمرا مألوفا جدا في الوقت الحاضر، حيث الطاقة النظيفة والاستثمارات الخضراء تتصدران الواجهة كحل لمستقبل أفضل. وفي البلدان التي توجد في قلب التغيير بالعالم العربي، جلب "الربيع" الشهير نكهة مختلفة إلى التغيير والإصلاح المنشودين. ففي الأردن، يشكل الاهتمام بقضية الاستدامة (سواء بيئية أو اجتماعية) حاجة وأيضا خيارا استراتيجيا. ولأن الموارد الطبيعية محدودة جدا والطلب متزايد، فإن استجابة الدولة لاحتياجات المواطنين والبيئة ليست مجرد التزام سياسي، بل علامة فارقة لم تستغل بعد من شأنها أن تجعل الأردن منصة إقليمية للتنمية الموجهة  بالمجتمعات المحلية وللاستثمارات المستدامة.

 

لذا، لا ينبغي أن نبقى حبيسي حجة "البيئة مقابل الاستثمار"، فكلاهما يلتقيان  لدعم أهداف التنمية، وخاصة في بيئة هشة مثل التي تتوفر في بلدنا. لقد أدت أزمة الطاقة الكبرى التي أصابت مؤخرا الشعب الأردني إلى حدوث نقلة نوعية في التصور والممارسة. فلم يحصل أن كنا أكثر وعيا بتكلفة الطاقة والقيود الصعبة المفروضة على الميزانية مثلما نحن عليه اليوم. كنت أتمنى لو أستطيع قول الشيء نفسه بالنسبة للمياه، وهي حقيقة أخرى مقبلة علينا بالكاد نحن مستعدون لمواجهتها في الأردن.

 

تعلمنا الدرس بالطريقة الصعبة، فقد أدرك الأردن بأن التنمية المستدامة والروابط الفعالة بين الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لا يمكن بلوغها بدون استهداف قطاعات التنمية وادراج الاستدامة ضمن الخطط والعمليات للقطاعات المختلفة. ذلك أن اعتماد النهج الأخضر لوحده في صنع القرار لم يعد قابلا للتطبيق، لأنه يختزل البيئة ويضعها بعيدا عن السياسات والإصلاحات التنموية الأخرى.

 

 

 

لقد فرضت مطالب الإصلاح الذي يضمن المنافع طويلة الأمد للمجتمعات المحلية اعتماد نهج التنمية المتكاملة. بات الأردنيون بحاجة إلى أن يكونوا على وعي بما يجري وبأن يتمركزوا في قلب عملية صنع القرار. وبينما يدعون لتوفير مزيد من فرص العمل والرعاية الاجتماعية؛ أصبح الاردنيون  أكثر وعيا بالضغوط التي تتعرض لها الموارد الطبيعية للبلاد بسبب النمو الاقتصادي. إن على بيئة الأعمال والمناخ الاستثماري أن يقدما قيمة مضافة للاقتصاد، فالأراضي والمياه والطاقة والبنية التحتية والحوكمة الرشيدة هي جميعها مدخلات في عملية التنمية، وبالتالي، إذا كان الأردن سيدخل غمار المنافسة في السوق، يتعين علينا أن نجد الوصفة الصحيحة.

 

وفي حين أصبح الأردن عارفا بموارده غير المستغلة، وجه اهتمامه إلى قطاعات جديدة للاستثمار في الطاقة النظيفة والخضراء لتعزيز التنمية الاقتصادية وتوفير فرص العمل الخضراء والحفاظ على الموارد الطبيعية. وباعتباره أول دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا (مينا) تجري دراسة وطنية استكشافية لتقييم نطاق الاقتصاد الأخضر، حدد الأردن عدة فرص لإطلاق القطاعات الخضراء، بما في ذلك الطاقة المتجددة وكفاءة استخدام الطاقة والمياه وإدارة المياه العادمة والنفايات الصلبة،والمباني الخضراء والسياحة البيئية والنقل إلخ. ومع ذلك، لا يزال ادراج إمكانيات الاقتصاد الأخضر في تلك القطاعات محدودا.

 

لقد بلغت تكلفة الطاقة المستوردة ما يقارب 20٪ من الناتج المحلي الإجمالي عام 2006. وبلغ إجمالي الطاقة المستوردة 96٪ من إجمالي احتياجات الأردن من الطاقة. ويقدر حجم الاستثمار المطلوب في قطاع الطاقة المتجددة بحلول عام 2020 حوالي 2.1 مليار دولار، وفي قطاع كفاءة وحفظ الطاقة  بنحو 152 مليون دولار.

 

ويأمل الأردن بتوليد ما يقرب من 1200 ميغاواط من الكهرباء من مشاريع طاقة الرياح و600 ميجاوات أخرى من الطاقة الشمسية، بالإضافة إلى 50 ميغاواط من قطاع النفايات لاستثمارها في مشاريع الطاقة بحلول عام 2020. ومن الضروري إنجاز هذه المشاريع لإنتاج 10٪ من الطاقة المتجددة من خليط الطاقة الكلي.

 

إن إنجازا كبيرا تحقق مؤخرا مع توقيع أولى الاتفاقيات  ما بين الحكومة ومطوري ومستثمري الطاقة المتجددة لبدء أولى مشاريع توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والتي جاءت محصلة لصدور الإطار التشريعي والتنظيمي الشامل للطاقة المتجددة مؤخرا.

 

ومن المتوقع أن تسهم هذه الاستثمارات في تحقيق أهداف لأمن الطاقة، وايجاد وظائف خضراء للأردنيين، وتخفيف العبء عن ميزانية الحكومة ووضع الأردن على خريطة الطاقة النظيفة. بيد أن الأردن يحتاجلسياسة استباقية مبادرة لمتابعة وتطوير العناصر الأخرى من سلسلة القيمة، خاصة التعليم والابتكار والتكنولوجيا والتدريب وريادة الأعمال.

 

وفي وجود أكثر من 70٪ من السكان في المملكة تحت سن الثلاثين، لا شك أن الاستثمار الأكبر بالنسبة للأردن يتعين أن يكون في طاقاته البشرية. إن إدماج احتياجات السوق المتعلقة بالاقتصاد الاخضر ضمن أنظمة التعليم والتدريب المهني سيعزز القدرة التنافسية للقطاعات والعناقيد الخضراء وسيضمن استدامة المنافع الاجتماعية والاقتصادية.

 

إن بناء إطار تنظيمي فعال وحاكمية رشيدة اضافة الى جمع جهود القطاعين العام والخاص ومنظمات المجتمع المدني، سيمكّن الأردن من خلق قدرته التنافسية في عالم الاقتصاد الأخضر بينما يواصل سعيه لتلبية طموحات شعبه في التنمية//.