المزرعة السعيدة على ارض الواقع

بهدوء

عمر كلاب

 درجت العادة ان يرتاح الناس يوم الجمعة , الى ان اعاد الربيع العربي للجمعة القها وحضورها المجتمعي بوصفها يوما نذر فيه البيع للصلاة الجامعة , اي انه ليس يوما للتثاؤب والتراخي , فهو يوم للعمل والبيع والشراء , وجاء استثمار الساسة ليوم الجمعة لتثبيت اركان العمل العام , فيوم الجمعة هو الموعد الاسبوعي لاجتماع اهل الحي لتبادل الاراء وانتاج الوعي الجمعي في القضايا العامة كما فلسفة خطبة الصلاة الجامعة , التي تم استلابها لصالح دروس الدين الوعظية , ومكانة هذه الدروس محفوظة لكن الاختلاف على مكانها وزمانها .

مواقع التواصل الاجتماعي وعالمها الافتراضي , أدخل رأسه ايضا في مسألة الاسترخاء يوم الجمعة , فالزمان له والوقت محكوم لإرادته , فأنتج بدوره محاكاة واقعية لأصل الاشياء في يوم الجمعة , عبر لعبة المزرعة السعيدة , فهي مزرعة كاملة المواصفات , يفلح فيها اللاعب ارضه ويزرع ويقطف ويبيع ويشتري , ويمارس اعمال السقاية والتسميد , ويقوم بشراء الالات والمعدات , لممارسة طقوس ما بعد الزراعة وبيع المحصول مغلّفا .

عمل شاق يقوم به مزارعو المزرعة السعيدة , ويهدرون اوقاتا لو جرى جمعها على المستوى الوطني لوصلنا ليس الى صلاح حياتنا بل لزراعة اراضي المريخ وإصلاحها واستصلاحها , كما انهم يتواصلون في عالم الافتراض بما يشبه ثقافة العونة المفقودة على ارض الواقع , فهم يتبادلون الهدايا ويطلبون من جيرانهم المساعدة وتبادل السلع والهدايا والمعونة في التسميد وباقي الاخلاق الحميدة .

عالم الافتراض , يشابه عالم المدينة الفاضلة , ثمة أُناس يتعاملون بأناقة ورقيّ مع بعضهم البعض , وثمة تقليص لمسافة الاغتراب المجتمعي بين الناس , فثمة باحثون عن اصدقاء وتشكيل مجموعات لنبذ الفردية , فأصحاب الهوايات المشتركة يتبادلون المعارف والخبرات والمواد العلمية وباقي تفاصيل هوايتهم .

على ارض الواقع , المسافة بعيدة بين العالم الافتراضي والعالم الحقيقي , رغم ان الشخص نفسه , فهو على الانترنت وديع ويطلب المساعدة بيقين حسن الجوار , ويعمل بكدّ في مزرعته ويسعى الى التنافس والوصول الى مستويات اعلى , وهنالك من يمارس الزراعة بمهارة وتناسق تغوي المشاهد واللاعب المنافس او الجار الافتراضي .

ثمة مخزون هائل من القيم لدى المجتمع الحقيقي , جرى الالتفاف عليها وتقزيمها , لاسباب كثيرة , اقتصادية واجتماعية وسياسية , وثمة سلوك مريع من الفردية في الواقع العملي وكسل ينذر بكارثة , يقابله ذلك في الواقع الافتراضي ولكن ليس بنفس القدر والمقدار , مما يشير الى خلل يحتاج الى معالجات حقيقية , فطاقات الناس معطلة على ارض الواقع , وفرص اثبات الموهبة مقتولة , فجرى الحقد على الواقع والتنفيس في الواقع الافتراضي , فالفرد عندما يخلو الى نفسه بعيدا عن المجتمع وضغوطه وحسابات المجتمعية يصبح صافيا وحقيقيا , فالمجتمع يحكم السلوك بصرامة لفظية وينتهكها بالممارسة العملية .

نريد خطوة على ارض الواقع لتجسير الفجوة بين الواقع الافتراضي النشيط والواقع العملي الكسول , وأقترح ان تقوم امانة عمان وبلديات المحافظات الكبرى بالتعاون مع وزارة الزراعة بمنح اهالي كل محافظة وبلدية كبرى مساحة من الارض لانتاج مزرعة حقيقية , يمنح كل راغب او مجموعة قطعة صغيرة لزراعتها والعمل بها في يوم الاجازة او ساعة الاسترخاء , فربما نصل الى تفريغ حقيقي للطاقات المهدورة وننتج علاقات مجتمعية قائمة على حب الارض وتشارك الهواية والعمل , لان اقبال الاردنيين على لعبة المزرعة السعيدة يشير الى عشق مهول للارض ويجب استثمار الابتكارات الافتراضية لعكسها على ارض الواقع واظن ان الارض هي محبوبة الجميع , فلنحاول عسى ان ننتج ثقافة العونة الجمعي من جديد ومن ثم سينسحب السلوك برمته على باقي مناحي الحياة// .

omarkallab@yahoo.com