السودان إلى أين..  محللون يرسمون سيناريوهات مستقبلية

ترجيح حدوث تسوية بين المعارضة والنظام واستبعاد تنحي البشير اوتنفيذ "انقلاب قصر"

 

 الخرطوم ـ الانباط ـ وكالات

في الوقت الذي تتزايد الاحتمالات أن تبلغ الاحتجاجات في السودان أقصى مداها مع دخول هذه الاحتجاجات اسبوعها الثاني، وارتفاع سقف مطالب المحتجين إلى دعوات برحيل النظام السوداني، كان لافتا تعليق الرئيس عمر البشير في أول ظهور شعبي له وقوله: "خونة وعملاء ومرتزقة استغلوا الضائقة المعيشية لتخريب البلاد".

احتجاجات السودان التي امتدت لعشرات المدن ووصلت الى القصر الرئاسي في الخرطوم ومع تداول منشورات تدعو إلى الاحتجاج اليومي ، دفعت المحللين الى رسم عدة سيناريوهات بشأن مآل الأوضاع في هذا البلد.

ويشهد السودان احتجاجات منددة بتدهور الأوضاع الاقتصادية، شملت 14 ولاية من أصل 18، سقط خلالها من 10 الى 22 قتيلا وعشرات المصابين وهي ارقام تزيد او تقل حسب مصدرها "السلطات او المعارضة"

ويذهب الكاتب والمحلل السياسي عبد الله رزق، إلى أنه مع عجز الحكومة عن إيجاد مخرج للأزمة، فمن المتوقع أن تستمر الاحتجاجات، وستتطور كيفًا وكمًا، وتتعمق أكثر فأكثر، مع فشل الحكومة في معالجة الأزمة واستخدامها القوة المفرطة.

ويطرح محللون سياسيون سيناريوهات بشأن ما قد تسفر عنه الاحتجاجات  خلال الأيام المقبلة، منها أن يتنحى البشير ويدفع محله بشخصية موالية له، او أن تنفذ قوى "انقلاب قصر" للحفاظ على مصالحها.. وهذان السنياريوهان مستبعدان في الوقت الحالي.

في المقابل، هناك سيناريوهات أخرى أكثر احتمالا، وهي: حدوث تسوية سياسية بين قيادات في المعارضة والنظام لاحتواء الاحتجاجات، أو أن يطيح المحتجون بالنظام، وأخيرا حدوث تدخل خارجي.

ويرى مراقبون أن هناك سيناريو محتملا يتمثل في حدوث تغيير على مستوى الرئاسة فقط عبر تنحي الرئيس الذي يتولى السلطة منذ انقلاب عام 1989، ويدفع محله بشخصية موالية له، وهذا السيناريو يستبعدون أن يقبل الحزب الحاكم به.

ويقول الكاتب والمحلل السياسي محمد الفكي سليمان، أن ما يحفز البشير على مواصلة خوض المعركة هو نجاته من هبات شعبية سابقة، لذلك يبدو الرجل واثقا أنه سيجتاز المواجهة رغم صعوبتها".

وانتخب البشير رئيسا عام 2010، ثم أعيد انتخابه في 2015 لدورة رئاسية تنتهي في 2020، دون احتساب فترات حكمه منذ وصوله إلى السلطة في يونيو / حزيران 1989.

وترى أوساط سياسية أن هناك خلافا "مكتوما" بين البشير وبعض قيادات حزبه يرجح هذا الاحتمال "انقلاب قصر"، ودفع ذلك الاحتمال الأمين العام للحركة الشعبية المتمردة ياسر عرمان، إلى التحذير من سيناريو يعد لقطع الطريق أمام الاحتجاجات الشعبية، وقال عرمان: إن "شيئا يدبر بليل، ومشاروات تجرى في الدائرة الضيقة ومع آخرين لقطع العمل أمام شعبنا المنتفض لأجل حريته".

وفي اليوم التالي، دخل الجيش السوداني على هذا الخط بإعلان التفافه حول قيادته، حيث يتولى البشير منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ما يجعل سيناريو الانقلاب الداخلي مستبعدا في الوقت الراهن، وهي رسالة من الجيش، بحسب خبراء، لـ "كل طامع في السلطة، أو حتى لمن يأمل أن تنحاز قيادة الجيش إلى المحتجين".

غير أن المحلل السوداني رزق يرى على مدى أبعد أن "عدم وجود مخرج من الوضع المأزوم، من شأنه أن يعمق الخلافات داخل النظام، ويترتب عليه صراعات متعددة".، ويتابع: "سيؤدي ذلك إلى فرز قوى موجودة وكامنة ترى في استمرار النظام بعجزه الراهن تهديدا لمصالحها".

وتُتهم أحزاب، على رأسها حزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي، بعقد صفقة مع الحكومة لإفشال الاحتجاجات، والسبب، وفقا لمراقبين، هو أن الحراك الجماهيري غير مأمون العواقب، يمكن أن يطيح بالكثيرين حتى داخل المعارضة، والدفع بقوى سياسية وقيادات جديدة، وهو ما قد يمثل تهديدا لقيادات تاريخية، في مقدمتها رئيسا أكبر حزبين تقليديين، وهما: محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الاتحاد الديمقراطي، والصادق المهدي رئيس حزب الأمة.

وتلك التسوية السياسية الواردة بين قيادات في المعارضة والنظام ربما تدفع باتجاه تأجيل الخلافات وصولا إلى انتخابات 2020، وفق شروط بينها إطفاء النزاع في إقليم دارفور، وولايتي جنوب كردفان، والنيل الأزرق، ويرجح مراقبون أن تحظى هذه التسوية بدعم من الاتحاد الإفريقي، وأن تجد أيضا دعما واسعا من الاتحاد الأوروبي وبريطانيا.

ويرى خبراء أن ثمة دافعا متوافرا لدعم "التسوية السياسية" المحتملة لدى أنصار المعارضة، وهو تجنيب السودان التفتت، بدعوى أن المحتجين في الشارع لا تحركهم أحزاب سياسية، والانفلات هو الراجح جراء هذا الغضب العفوي.

ويعتقد بعض المحللين أن نجاح المحتجين غير مأمون النهايات، لكن اخرين يرون أن هذا الخيار وارد حدوثه.

وبالنظر إلى مؤشرات كثيرة، بحسب خبراء، من السهل تحديد أصحاب المصلحة في بقاء نظام البشير أو الإطاحة به، فعلاقات السودان الخارجية ظلت في تناقض مستمر، ومتقلبة، وطاف النظام في تحالفاته مع الأضداد الدوليين والإقليميين، متجولا في مواقفه مع الولايات المتحدة تارة، ومع روسيا تارة أخرى، مرورا بإيران والسعودية، وكذا الحال بالنسبة إلى دول الجوار الإفريقي.

ويخلص الكاتب السوداني عبد الله رزق إلى أن "الأمر لا يتعلق بقوى النظام وحسب، لكن أيضا بقوى خارجية يهمها تأمين مصالحها، وتجد نفسها مدفوعة للتدخل باسم تلك المصالح، للمشاركة في تحديد مستقبل السودان".

وفرقت السلطات السودانية، الثلاثاء، آلاف المحتجين على الأوضاع المعيشية قرب القصر الرئاسي في الخرطوم، وذكر شهود أن المحتجين طالبوا رئيس البلاد عمر البشير، بالتنحي عن السلطة. وتعهد الرئيس البشير «بإجراء إصلاحات اقتصادية توفر حياة كريمة للمواطنين»،

ودعا تحالفا المعارضة الرئيسيان (قوى الإجماع، ونداء السودان)، المواطنين وأعضاءه للمشاركة في موكب تجمع المهنيين السودانيين (مستقل)، لتسليم مذكرة لرئاسة الجمهورية تطالب فيها الرئيس بالتنحي عن السلطة».