قوانين مسلوقة ومعايير مشلولة للأكثر انتشارا

بلال العبويني

ثمة تشريعات أقرها مجلس النواب أحدثت جدلا تحديدا لدى المتضررين، ولعل الاحتجاج أحيانا يكون عادلا باعتبار أن بعض النواب للأسف لم يكونوا قد قرأوا نص القانون قراءة متأنية، ولم يكلفوا أنفسهم أن يقفوا على كافة التفاصيل تحديدا لدى الأطراف المعنية في القانون.

نهاية الأسبوع الماضي، أقر مجلس النواب تعديلا على مادة متعلقة بالتبليغات القضائية عبر الصحف اليومية، وحصرها في ثلاث صحف تم تسميتها بالاسم، مغلقا الباب على الصحيفة اليومية الرابعة وهي الأنباط، باعتبار أن تلك الصحف هي الأكثر انتشارا.

من المؤكد، أن المادة تم إقرارها بضغط حكومي واضح، وفي اليوم التالي أقرتها اللجنة القانونية في مجلس الأعيان، وستعرض اليوم على السادة الأعيان لإقرارها.

القانون ليس عادلا، ولم تستند الحكومة ولا النواب ولا اللجنة القانونية في مجلس الأعيان إلى مسطرة واضحة لتحديد مفهوم الأكثر انتشارا، هذا من ناحية، ومن أخرى فإن القانون ليس عادلا عندما استثنى صحيفة واحدة من الصحف اليومية، حسب تعريف هيئة الإعلام، التي يعتبر الإعلان القضائي رافدا مهما لديمومتها كما باقي الصحف.

القانون يقول وبحسب مختصين وقانونيين أن الصحيفة اليومية هي التي تصدر سبعة أيام في الأسبوع وهو ما ينطبق على الرأي والغد والدستور والأنباط، ولم يحدد القانون غير ذلك الشرط لتعريف الصحيفة اليومية، وكانت الأنباط قد تقدمت في وقت سابق لنقابة الصحافيين بمذكرة تطلب فيها وضع مسطرة لتعريف الأكثر انتشارا، غير أنها لم تحصل على ما طالبت به لمبررات كثيرة ساقتها نقابة الصحافيين آنذاك.

للأسف، ثمة تعريف غير منطقي للصحيفة اليومية ساقه أحد رؤساء مجلس إدارة إحدى الصحف، الذي نحترمه ونقدره، عندما عرف الصحيفة اليومية بأنها تلك التي لا تقل مساحة مبناها على 1500 متر مربع، والسؤال الذي يطرح نفسه ما علاقة هذا المعيار بانتشار الصحيفة، وهل هذا المعيار يتوافق مع صحيفة بحجم القدس العربي من حيث الانتشار والتأثير وكانت تصدر من شقة في لندن، وكيف يستقيم هذا المعيار مع قناة الجزيرة الفضائية التي شغلت العالم والناس إلى درجة هدد فيها جورج بوش الإبن بقصفها، وقد كانت آنذاك تصدر من مبنى صغير "علبة كبريت" كما أشار لذلك الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك.

القانون، تم تفصيله على مقاس صحف الرأي والغد والدستور، بل إن الدستور كانت في التعديل السابق الذي أجرته حكومة الدكتور هاني الملقي خارج الحسبة باعتبار أن القناعة استقرت على أن الأكثر انتشارا هما الرأي والغد، فجاء التعديل الجديد ليضم الدستور إلى القائمة ويحرم الصحيفة اليومية الرابعة وهي الأنباط من إعلانات التبليغات القضائية، وهو أمر مخالف للمنطق ولقيم العدالة وحرية التنافس بين المؤسسات والشركات.

من غير العدل أن يتم الاستقواء بـ "القانون" و"التشريع" على مؤسسات مستقلة لصالح مؤسسات حكومية أو تشترك فيها الحكومة أو تتوافق مع سياسات الحكومة على حساب مؤسسات مستقلة وعلى حساب العاملين فيها الذين سيصبحون بعد وقت قريب رقما في جداول المتعطلين عن العمل قسرا وبقوة القانون.

الحكومة وأحد رؤساء إدارات الصحف قالا إن المادة القانونية تم إقرارها بالتنسيق مع نقابة الصحافيين، وثمة سؤال موجه للنقابة عن صدقية ذلك، وثمة سؤال آخر مفاده هل تم استشارة هيئة الإعلام المرئي والمسموع عن أي الصحف التي ينطبق عليها وصف "اليومية" أو عن معايير الأكثر انتشارا، وهل تمت استشارة ديوان التشريع والرأي عن مدى دستورية وقانونية المادة التي أقرها مجلس النواب.

نحن لسنا ضد الزملاء أو أي من الصحف التي ينطبق عليها وصف "يومية"، ونتمنى الخير لها وندعو إلى دعمها والمحافظة على ديمومتها، فهي علامة وطنية بارزة وحاملة لرسالة الدولة كما نحن، لكن بالتأكيد ليس ذلك على حساب قوت أطفال الصحافيين والعاملين في الأنباط.//