مراثي الدُّمية.. الصحفي حين يدمع قليلا..

 

وليد حسني

 

بدا القرار ناجزا تماما حتى قبل ان يفتح رئيس مجلس النواب دفتي تعديلات الحكومة على قانوني اصول المحاكمات المدنية والتنفيذ بحصر نشر الإعلان القضائي في ثلاث صحف يومية منحها القانون نفسه شهادة"الأوسع انتشارا"، هناك على خاصرة العبدلي لم يخامرني الشك لثانية واحدة بان الوحي الحكومي لا يمكن رده في الطبقة البرلمانية الحكومية الرشيدة.

بدت الشماتة اكثر من واضحة في عيون زملاء صحفيين يعتقدون تماما أنهم الأجدر بالرعاية والدعم والإسناد(..) حاولت إخفاء دمعة نازعتني، فقد شعرت لحظتها فقط أن القصة بكاملها ليست في الحكومة او في القانون او حتى في مجلس النواب وإنما فينا، وفيَّ أنا شخصيا، فقد كتب الدهر عليَّ حالة تشرد أبدي لا أظنني أصبحت أتحمل وزرها بعد أن بلغت من العمر عتيا، وبعد ان أكل الدهر عليَّ وشرب أنخابه تباعا.

ولست هنا بصدد إنشاد المراثي فهذا زمن ولى بعجره وبجره، ولولا "زغب الحواصل" يقتعدون البيت لما ترددت للحظة في تسليم مفاتيح العمر للأيام لتقودني حيث شاءت مقاديري وتقاديرها، فحتى هنا وباسم العدالة يتم قتلي وقتلنا، وتحت ذرائع شتى ليس للانساني فيها نصيب، وليس للقانوني فيها نصيب ، وليس للعدل فيها نصيب أيضا.

قيل لي في جريدتي"الأنباط" إن الخطوة المقبلة هي الإغلاق، كان ذلك ردا على سؤال لي عن الخطوة المقبلة، وكان في ذهني سلسلة تساؤلات واحتمالات على نحو ما الذي سنراهن عليه لاحقا؟ والى أي مدى يمكننا البقاء هنا مرتهنين للاعلان من اجل الحصول على رواتبنا بعد أن علق الحبل بالنابل، وتعثر الغيث، حتى اذا ما انهمر نديا شجيا اختار أرضا غير أرضنا، فمرخ فيها وفرَّخ.

وبالأمس.. بدا الأمس كأنه الغد، مظلم لحد الفجيعة، فليس بريئا، وليس جميلا، فها أنذا وجيش من الزملاء سنجد أنفسنا على قارعة الطريق لا يلم شتاتنا غير ريح صرصر لا تبقي ولا تذر، ونحن كما الاف ضحايا العدالة وتساوي الفرص، والتنافس الشريف وفقا لاسطوانة الحكومة التي تتمتع بروح شفافة تنتقي طريقة القتل الرحيم بموجب تشريعات يتم تفصيلها على المقاسات، كما كانت حكومة السلف الصالح تصدر القوانين لصالح شخص واحد، او لصالح شركة واحدة.

وهناك على خاصرة العبدلي تتحقق أكبر فضيحة في تاريخنا الأردني حين تعلو مقترحات أعضاء في اللجنة الملكية لتطوير القضاء على الدستور، وهناك على خاصرة العبدلي يصبح الدستور بكامل أناقته وقدسيته مجرد كرة "شرايط" تتناولها ألسنة السلطتين التشريعية والتنفيذية، وحين تطالب بحقك الدستوري يرفعون مطالبك على السفود، ويضحكون منك نازفا قبل ان يجف لحمك، وتلاحقك سنة الله في الخلق.

ولا ادري حتى اليوم كيف يمكن لتطوير القضاء ان يتم وهو يقوم في بعض تصورات تطويره على ايقاع الظلم على الآخرين، فلا أدري أي قضاء هذا، وأي عدل هذا وقد اكتسى بالشحم من كان شحمه ورمُ، وبدأ بالظلم والانحياز على حساب العدالة والإنجاز.//

 

في قابلات الأيام سنبكي على ايامنا هذه، وسيجد كل منا نفسه وحيدا في مواجهة العواصف، ولن تنفعنا الرايات البيضاء، ولا يفيدنا البكاء على الأطلال، فالدُّمية أصبحت مشاعا،وصرنا نحن مجرد حشية قش في سقط المتاع..