حين تقتل الحكومة الصحفيين

 

وليد حسني

 

عدلت الحكومة من مشيئتها واختياراتها الانحيازية حين دفعت بتعديل قانوني اصول المحاكمات المدنية وقانون التنفيذ لمجلس النواب باعتماد ثلاث صحف يومية فقط تصفها بــ "الاوسع انتشارا" لحصر نشر الاعلان القضائي فيها، مستثنية باقي الصحف اليومية الأخرى التي حرمتها منذ عام مضى من اهم مواردها المالية للمحافظة على صدورها والبقاء صامدة في وجه عاتيات التكنولوجيا وثورة الاتصالات.

 

اليوم يذهب مجلس النواب لمناقشة التعديلين بحصر نشر الاعلان القضائي في ثلاث صحف الاوسع انتشارا،  ولم تقل الحكومة لنا كيف ستحدد قيم الإنتشار هذه وهي المهمة التي اناطتها بوزير العدل دون ان تقول لنا ما هي المسطرة التي ستقيس بها مدى وحجم انتشار تلك الصحيفة من عدمها؟ وما هي المحددات التي ستعتمدها للتقييم.

 

وبالنتيجة فان الحكومة تعلن انحيازها لصحف محددة على حساب صحف اخرى تريد لها الانزواء والانطواء ومغادرة الساحة الاعلامية الاردنية ، وكأنها تريد فقط الإبقاء على ثلاث صحف، متناسية تماما مبادىء وقيم اقتصاد السوق، والتنافسية، والاقتصاد الحر، والفرص المتساوية وتكافؤ الفرص..الخ.

 

اليوم تطلق الحكومة رصاصة الرحمة على ما تبقى من صحف يومية ــ على قلتها ــ بذريعة سحر جملة"الأوسع انتشارا"، معلنة في الوقت نفسه عن تخليها عن اعتماد "صحيفتين يوميتين الاوسع انتشارا" التي اعتمدتها طيلة سنة 2018، بعد ان تكشف لها سحرها وظهر لها انها استثنت صحيفة ثالثة لم تكن في واردها او في حساباتها، لتعود سريعا وتضمها الى جعبتها الإعلانية دون ان تنص على ذلك صراحة في القانون، وانتظرت نحو سنة بالتمام والكمال لتعود لتعديل ما اكتشفت انه بعض خطاياها.

 

اكتب هذا الكلام من فجيعتي في التشريع الحكومي، ومن فجيعتي في الانحيازات الحكومية، ومن فجيعتي فيما وصل اليه الحال حين لا تتورع الحكومة عن اعلان انحيازها لطرف على حساب طرف آخر، بينما الاصل اعتماد مبدأ التنافسية الذي تتغنى به، وتجعله أمرا واقعا وتترك الاختيار للمعلن بدلا من إجباره وبالقوة على الاعلان في ثلاث صحف تريد الحكومة توجيه دعمها المالي غير المباشر اليها فقط.

 

خلال العام الحالي وقبل ان ينقضي بكل لواعجه اغلقت صحيفة يومية أبوابها مبكرا، وقامت صحيفة ثانية بتسريح اكثر من 90% من موظفيها وصحفييها، فيما ستهدد التعديلات الانحيازية الجديدة صحفا اخرى ــ على قلتها ــ بالاغلاق والتلاشي، ليخلو الجو للحكومة.

 

حين تنعدم روح المساواة وتكافؤ الفرص تنعدم التنافسية تماما، بخلاف ما تقوله الحكومة في الاسباب الموجبة الواردة في قانونيها العتيدين، فهي تفتح الباب لتمويل ثلاث صحف فقط، وتحجب التمويل غير المباشر عن صحف أخرى في انحياز فاضح لن يكفل بالمطلق تحقيق اية بيئة تنافسية، وسيعدم تماما أي مظهر من مظاهر تكافؤ الفرص..

 

الحكومة تقتل الصحف والصحفيين بدم بارد وبتشريع يراد له تكريس حالة الانحياز الحكومي لفئة على حساب اخرى..

 

وآه من انحيازات الحكومة لطبقة واحدة..//