أخلاق الحراكيين

أخلاق الحراكيين

بلال العبويني

عبر التاريخ، وتحديدا في العالم الثالث، نمت طبقة انتهازية من المعارضين التقليديين سواء أكانوا ينتظمون في أطر حزبية أو تيارات سياسية أو مستقلين، وكذا الحال لدى المعارضين المُحدثين الذين يحتجون على قرار أو قانون يعتقدون أنه يتعارض ومصالحهم أو يهدد الواقع القائم الذي اعتادوا عليه أو تعايشوا معه.

هذه الطبقة هي جزء من تركيبة العمل السياسي، وربما لدى بعضهم علم مسبق بما يريدون من معارضتهم، فقد تكون بالنسبة إليهم بوابة لدخول قلعة السلطة، لذلك لا عجب من أن يتحول المعارض إلى الخندق المقابل دون تحقيق أي من المبادئ التي كان "يناضل" من أجلها.

مثل هؤلاء، موجودون لدينا كما هم موجودون لدى غيرنا، وربما لا خلاف على ذلك، من باب أنه من حق الجميع أن يصل إلى ما يريد ما دام يحترم القانون ولا يتعداه ويحترم الآخرين ولا يستقوي عليهم أو يسيء إليهم من أجل تحقيق الغاية التي في نفسه.

العمل السياسي، لا يمكن أن يكون منفصلا عن الأخلاق العامة بأي حال من الأحوال، والمعارضة أو المعارض الوطني الناضج هو ذلك الذي لا يمكن أن يرضى بإهانة الآخرين أو استدراجهم بشكل غير قانوني وغير أخلاقي لارتكاب خطيئة ما من أجل تجريمهم أو تهييج الشارع ضدهم دون وجه حق.

والمعارض الوطني، لا يمكن أن يرضى بأي حال من الأحوال الاستقواء بالخارج على أبناء بلده، سواء على أركان السلطة والأجهزة الأمنية أو على منافسيه من معارضين آخرين، لأن الاستقواء بالخارج أو طلب الخلاص من "العدو" لا يمكن أن تكون من أخلاق المعارضين الذين يهدفون من معارضتهم الصالح العام.

كما أن المعارض الوطني، لا يمكن أن ينزاح عن الأخلاق العامة في استخدام آداب الحوار والتخاطب مع الغير سواء أكان مسؤولا أو حتى من عامة الناس، تحديدا إذا ما كانت الغالبية تعتقد أن الخلاف بين المحتجين والحكومة يكمن في نهج إدارة الأزمة التي تمر بها البلاد، وليس عداء مستحكما بين الطرفين يسعى كل منهما إلى إلغاء الآخر.

على أي حال، المعارضون في كل العالم، لا يمكن أن يكونوا على سوية واحدة، فمثل ما هناك طبقة وطنية مخلصة تعرف ما تريد من احتجاجها وإلى أين تريد الوصول، ويتمتعون بأخلاق المعارضة الوطنية المخلصة للدولة والمجتمع، فإن هناك طبقات أخرى تنمو وسط هذا الحراك الاحتجاجي أو ذاك مثل طبقة الانتهازيين وطبقة المغرر بهم، من الذين لا يشكلون أية إضافة سوى أنهم رقم يخدم في التعداد فقط.

غير أن أخطر الطبقات التي يمكن أن تنمو وسط الحراك الوطني المعارض، هي تلك المندسة التي تسعى للإساءة سواء للسلطة والأجهزة الأمنية أو للحراك المعارض نفسه، وهذه الطبقة من الواجب على المعارضين الوطنيين أنفسهم تعريتها لأنها ستشكل إساءة للمعارضة أولا وقبل أن تسيء لأي جهة أخرى.

مثل هذه الطبقة المسيئة، ولعلها تنحصر في أفراد لدينا، إلا أننا شاهدنا واستمعنا لإساءاتها مؤخرا، وهي من انبرى حراكيون وطنيون لتعريتها وتكذيب روايتها ومهاجمة استنجادها بالعدو الإسرائيلي، وهذا هو المطلوب دائما وأبدا، فالمعارضة حق إنساني للجميع ما دامت تحت مظلة الوطن والقانون.//