أخطأت الحكومة وأصاب الوزير
لا أحد يستطيع المزايدة على وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الدكتور عبد الناصر أبو البصل لأكثر من سبب:
أولاً: لأنه رجل دين وشريعة ومدرس قولاً وعملاً، شكلاً ومضموناً، فهو صاحب رؤية وقرار ومرجعية محسوبة، يملك القدرة على التمييز ومعرفة الصواب، وهو الأكثر التزاماً وقرباً من المفاهيم والمراجع الإسلامية.
ثانياً: ما صدر من تعليمات بشأن استعمال الأدوات الكهربائية من سماعات وميكروفونات وأشكال التوصيل لدى المساجد، ليست جديدة من عنده أو مبادرة منه، بل هي تعليمات والتزامات متعاقبة وسابقة تم تعميمها ورصدها من قبل أكثر من زير، ولولا أنها كانت معممة وتعكس التصرف المسؤول على قاعدة مجربة ومعرفة تراكمية، لما أقدم الوزير على إعادة التذكير بها، وتجديد الالتزام بها.
ثالثاً : لم تكن مبادرة التعميم والتذكير من قبل وزارة الأوقاف، لولا الاحتجاجات والمطالبات من مواطنين وجدوا الإزعاج، ليس من صوت المؤذن فهو مُلزم، بل من نقل الخطب والصلاة على سماعات المسجد الخارجية العلوية التي تسبب المس بسلاسة الصلاة نفسها، ومضامينها كواجب ديني نبيل مقدس، وجاذب للناس، لا أن يكون منفراً حينما تتضارب الأصوات بين المساجد القريبة من بعضها إلى الحد الذي تسبب الإزعاج للمصلين أنفسهم من سماعهم لخطب ونقل الصلاة من مسجد وهم يؤدون واجبات الصلاة أو سماع خطبة الجمعة لدى مسجد آخر، على حساب صلاتهم وخطبة الأمام من مسجدهم الذي يصلون فيه، فيقع التضارب والتداخل بين خطبة إمام مسجدهم مع خطبة إمام المسجد الآخر الذي من المحتمل أن يكون صوته لديهم أعلى من صوت إمامهم، أو مشاغب سمعي عليه بسبب الصوت العالي.
ما قام به وزير الأوقاف من تعميم، يعكس حرصه على مكانة المسجد ورفعة مقاصده، لا أن يكون المسجد عنواناً للمس والأذى السمعي والإزعاج بالصوت العالي غير المبرر باستثناء غفل الإمام بفتح السماعات أو نسيانه لها، بغير الانضباط وعدم الالتزام، أو أنه من المتطرفين المزعجين الذين يتوهمون أنه داعية أكثر التزاماً من غيره من المؤمنين أو من الدعاة أو من أئمة المساجد أو حتى من وزارة الأوقاف نفسها، ويتوهم أنه صاحب القرار وحده في تعميم ما يريد حتى وان كان على حساب الآخرين من المؤمنين التقاة الذين يؤدون واجباتهم بدون ادعاء بالتفوق أو بالإكراه، أو بفرض المواقف على الناس بإجراءات سمعية مُنفرة.
الوزير عبد الناصر أبو البصل وزير الأوقاف يستحق الاحترام والتقدير لما يتمتع به من حصافة ورزانة وسعة أُفق، ومن سمعة طيبة والتزام مبدئي وثقافة فقهية شرعية واجبة، ولذلك فهو أصاب في تعميمه، بينما أخطأت الحكومة في قرارها، فالرجل أدرى بعمله وأداء وزارته من أي طرف آخر.