موقف سعودي لافت

حمادة فراعنة

بمبادرة من العربية السعودية واستجابة لطلب منها، تمت الدعوة لعقد اجتماع لجنة المندوبين الدائمين للدول الأعضاء لدى منظمة التعاون الإسلامي في جدة، لبحث قانون العدو الإسرائيلي حول « يهودية الدولة « الذي أقره برلمان المستعمرة الإسرائيلية يوم 19/7/2018، باعتبار أرض فلسطين وخارطتها هي «الدولة القومية للشعب اليهودي».

سفير العربية السعودية ومندوبها الدائم لدى منظمة التعاون الإسلامي، قال كلاماً مفيداً واضحاً يستحق التوقف والاهتمام إذ وصف القانون على أنه «قانون عنصري باطل ولا شرعية له نظراً لتجاهله الحقوق التاريخية المشروعة للشعب العربي الفلسطيني، مسلمين ومسيحيين، ويمثل امتداداً للإرث الاستعماري لمشروع وسلطة الاحتلال الإسرائيلي» وقال «إن القانون يهدف إلى القضاء على كل ما هو غير يهودي على أرض فلسطين العربية، ويشكل تكريساً للتمييز العنصري ضد الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين، ويحرمهم من حقوقهم الراسخة في القوانين الدولية».

كلام السفير السعودي، لم يكن، ولا يمكن أن يكون مبادرة شخصية منه، بقدر ما يمثل موقفاً، أرادت الرياض أن تبرزه، وأن تعبر عنه انعكاساً لسياساتها وموقفها، وهذا ما يعنينا بهذا المجال وبهذا التوقيت بعد سلسلة الهرولات التي ارتكبتها بعض الأطراف الخليجية باستثناء الكويت، الذي مازال صامداً قوياً قومياً متماسكاً وخياراً يستحق الاحترام الكبير شعباً وحكومة. 

موقف العربية السعودية لدى منظمة التعاون الإسلامي جاء في سياق سياسة برزت واضحة في الفرق الجوهري بين قمة الرياض الإسلامية الأميركية في 22/5/2017، بحضور الرئيس الأميركي والذي لم يتطرق في بيانه الختامي لأي كلمة عن فلسطين وحقوقها وعن الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه، بينما قفز مؤتمر القمة العربية في الظهران يوم 15/4/2018، إلى أن تشغل فلسطين ربع عدد كلمات البيان الختامي بما فيها رفضاً لخطة ترامب صفقة العصر، وأن تشغل البنود الأولى من البند رقم واحد إلى آخر البند رقم سبعة من أصل 29 بنداً تناولهم البيان الختامي تعبيراً عن موقف القمة العربية ونقاشاً لمضامينها، بعد أن أُطلق عليها قمة القدس والتبرع السعودي لها. 

كما بادرت العربية السعودية مع الكويت ومع قطر والإمارات لتلبية احتياجات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا وتغطية العجز في موازنتها تعويضاً عن القرار الأميركي بوقف تبرعاتها ومساندتها لوكالة الغوث انعكاساً لموقف إدارة الرئيس ترامب لشطب قضية اللاجئين الفلسطينيين وشطب حقهم في العودة واستعادة ممتلكاتهم في مناطق 48 من فلسطين، وهذا لا يمثل قراراً يقتصر فهمه ودوافعه على كرم التبرع، بل يمثل انحيازاً سياسياً وقومياً لدعم قضية اللاجئين الفلسطينيين في وجه سياسة ترامب الذي يعمل على شطب حقوق الفلسطينيين في القدس وعودة اللاجئين وشرعنة المستعمرات وتمييع حدود الدولة الفلسطينية. 

كما جاء رفض السعودية بإعطاء تأشيرات دخول لإسرائيليين للمشاركة في مباراة ليؤكد أن العربية السعودية مازالت متمسكة بقرارات القمم العربية، نحو المستعمرة الإسرائيلية التي تنتهك كل المعايير والقوانين وتدوس حرمة المقدسات الإسلامية والمسيحية. 

 

قد نختلف مع العربية السعودية في هذا العنوان أو ذاك، كما نختلف مع بعض سياسات حكومتنا، أو مع هذا البلد العربي أو ذاك، ولكن موقف الرياض نحو فلسطين مازال متماسكاً وعلانياً لا يحتاج لجهد لمشاهدته وتبيانه ولمس تأثيراته ليس فقط عبر الالتزام بدفع مخصصات منظمة التحرير وفق قرارات القمة العربية، بل إنه يشكل عقبة أساسية أمام تسلل العدو الإسرائيلي واختراقاته عبر محاولات التطبيع غير الشرعي وغير القانوني مع بعض الأطراف العربية في تدنيس الحرم القدسي الشريف المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين، مما يدلل على أن فلسطين مازالت عنواناً وطنياً وقومياً ودينياً، وقلعة لشعب صامد في قلب وطنه يشكل أهم عقبة في وجه محاولات شرعنة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، والعمل على دحره وهزيمته.