نريد "نسخة مطابقة" للملك
لست أول من يسأل السؤال التالي، وبالتأكيد لن أكون الأخير: لماذا يتميز الأردن في سياستنا الخارجية، ويتمتع بحضور دولي مؤثر خصوصا في الملفات المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط، فيما تترنح سياستنا الداخلية؟.
ورغم تعقيدات هذه المعادلة، إلا أن شرح حيثياتها لا يحتاج إلى جهد كبير من أجل دفع المسؤولين لفهم واستيعاب "لوغاريتمياتها"، فالمسألة تتطلب إرادة في التنفيذ لكافة الخطط والرؤى المتعلقة بالإصلاح في المملكة.
الإنجاز الأردني على الصعيد الخارجي يتواصل باستمرار، ويستدل على ذلك من خلال مواقف عديدة، آخرها الحديث الياباني لجلالة الملك أول من أمس عن أهمية دور الأردن كمحور لاستقرار الشرق الأوسط، ولكونه أيضا شريكا استراتيجيا مهما لا غنى عنه، وهذا صوت لا يعكس موقفا دبلوماسيا من رئيس وزراء دولة لا مصلحة لها في مجاملتنا، فهي تمتلك كمعظم الدول قناعة تراكمية عن المملكة رسختها الدبلوماسية الأردنية على مدار سنوات طويلة من العمل في حقول مليئة بالألغام جراء القضايا المصيرية التي تتبناها الدولة وتقاتل من أجل عدالتها.
الملك يتولى ويقود بنفسه ملف السياسة الخارجية، ولقيادته لهذا الملف انعكاسات داخلية إيجابية غاية في الحساسية، ولو سارت رؤية الأردن الاستراتيجية تجاه ملفات حاسمة عربيا ودوليا بخلاف قناعات جلالته لكانت الآثار السلبية ظاهرة للعيان على الصعيد المحلي، وعلى رأس هذه الملفات الموضوعان الفلسطيني والسوري.
الملك، ولحسن الحظ، هو من يمتلك زمام القيادة في هذا الشأن، لذا يتحقق النجاح في توفير فرص جذب الاستثمار، والحصول على المساعدات والمنح للمملكة، وقد شاهدنا ذلك جليا في زيارته لليابان التي أثمرت عن قرض ميسر بـ 300 مليون دولار.
وبموازاة التميز الأردني الخارجي، نجد أنفسنا عالقين في مطبات داخلية كثيرة تؤرق مضجعنا، فالإصلاح الحقيقي في كافة جوانبه ما يزال يراوح زاويته التي "يتقوقع" بها دون حراك، حتى أن الخطط النهضوية التي يتغنى بها رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز، ومن قبله رؤساء الحكومات السابقون ما هي إلا توجيهات ملكية تؤكد على دولة القانون والإنتاج والتنمية، وتحريك عجلة الاقتصاد، وتدعو لحلول من خارج الصندوق تنقذ البلد من خطوات رفع الأسعار المتوالية، وزيادة الضرائب، لأن الدولة مع هذه الحلول ستكون قد امتلكت مدخلات تخلصها من براثن حالة التراجع التي نعيشها.
وفي الشأن السياسي الداخلي يطرح الملك أفكارا وحلولا إصلاحية مبتكرة، فهو من يتحدث عن الإصلاح السياسي الشامل بتفاصيله، وذلك يتأتى بشكل واضح في أحاديثه بمختلف المناسبات، وعلى رأسها خطاب العرش، وكتب التكليف السامي، والأوراق النقاشية.
بيد أن الاختبار في هذا الإطار يكمن في القدرة على ترجمة هذه التوجيهات على أرض الواقع، من خلال مسؤولين قادرين على السير بها إلى الأمام، دون تردد، أو خوف، أو اعتبارات أخرى.
الملك هو المرجع الأول والأخير لكل المجتمع بكافة مكوناته، لكن ليس مطلوبا منه أن يقود ويتولى بنفسه الملف الداخلي، وإذا كان لا بد من ذلك، وأصر المسؤولون على البطء في تحقيق النهضة المطلوبة، فنحن بحاجة إلى نسخة مطابقة عن جلالته.
السند والمرجعية التي تقود السياسة الخارجية متوفرة وبكل قوة في الشأن الداخلي من أجل تحقيق الإصلاح والنهوض بالبلد وسكانها، وعلى المسؤولين في كافة مؤسسات الدولة التعلم منها والاستفادة من تجربتها، والتحرك سريعا من أجل تأمين الرؤى التي يتطلع إليها كل أردني. وسئم من انتظارها.