القتل بالكلمات الإلكترونیة
لتشرین الثاني 1996 ّ ذكرى خاصة، ھي أول مقالة لي في جریدة الرأي الغراء، وقد كانت بعنوان «ولدت لأقتل»، وذلك تعلیقاً على ما كان مخطوطا على بزة عسكریة لجندي اسرائیلي. وبعدھا بعشر سنوات كتبت مقالاً بعنوان: ھل یولد الانسان لیقتل؟ وبعده بعشر سنوات أخرى .«كتبت: بین الرحمة والبؤس: 20 عاماً على الكتابة في «الرأي والیوم، في نھایة تشرین الثاني، أجد نفسي أمام منعطفات الاعلام الإلكتروني، وبین سوء الاستخدام والإشكالات التي تحدث من جرائھ، الأمر الذي حدا بسید البلاد جلالة الملك لأن یكتب مقالاً بعنوان: «منصات التواصل أم التناحر الاجتماعي»، داعیا جلالتھ الى تحكیم العقل .وتسیید المحبة في استخدام الاعلام الحدیث ّ لقد أصبح العالم الافتراضي ساحة حرب بدل أن یكون ساحة تعاون، وكأن ُ الاعلام قد «ولد لیقتل» لا لیشید البنیان ویحترم كرامة الانسان. وصار الطفل الصغیر یملك أدوات یستطیع بھا أن یرتكب جرائم وإغتیالات ومآسي اجتماعیة كبیرة. صرنا في ھذا العصر نسمع غضباً عارماً عن طالب استفزتھ كلمة لزمیلھ، منشورة على «الفیسبوك»، لتصبح مدعاة لاستدعاء ولي الأمر على منشور الكتروني مسيء، ّ وتعھد بعدم إعادة الكرة. وھكذا وسائل أصبحت ساحات حرب، وأفكاراً مغلوطة وحقائق مزیفة، وصوراً مركبة ونشراً للإشاعات. الأمر الذي حدا بالحكومة الأردنیة إلى إطلاق منصة اسمھا «حقك تعرف»! بمعنى لا تتكئ على الاشاعات وأرباع الحقائق وانصافھا، بل اذھب .إلى العمق وإلى المعلومة الصحیحة والدقیقة والمتحقق منھا ّ ، وان «الرسم» بالكلمات الذي تغنّى بھ نزار قباني قد ولى ھاربا أو تاركا ّ وبعد، ان القتل الذي بات یمارسھ البشر صار كذلك الكترونیاً ّ الساحة إلى «القتل» بالكلمات، وان ھذه أیضا أصبح یُضاف إلیھا القتل بالكلمات الالكترونیة. وھنا لا بد من القول ان ذلك لا ینبغي أن یحبطنا أو یبعدنا، نحن معشر التربویین، عن استخدام «الوسائل» في سبیل البنیان لا الھدم، وفي تعزیز الصداقات المغنیة والمحملة بعطر .الروح والعلاقات النزیھة البعیدة عن المصالح والرغائب الشخصیة الضیقة نشر المركز الكاثولیكي للدراسات والإعلام مؤخراً كتاباً جدیداً، أعده كاتب السطور مع بھاء علامات الناشر في موقع «أبونا» الالكتروني، حول الكنیسة والإعلام في خدمة «ثقافة اللقاء». ویتمحور مضمونھ حول أخلاقیات استخدام وسائل التواصل، والقیم التي یتحلى بھا المستخدم الایجابي في ھذه الوسائل. فالأخلاق ھي الأساس، وبدونھا تصبح وسائل الاعلام جسدا بلا روح، وھذا یتطلب طبعا جھدا تربوي- .اعلامیا ممیّزا ّ في حقلھ، وفیما الناس نیام جاء عدوه وزرع ّ وبعد، فإن الإنجیل المقدس یخبرنا على لسان السید المسیح، حین جاء رجل وزرع زرعاً جیداً زؤاناً (شوكا) في وسط الحنطة ومضى. ھكذا ھو الاعلام قد یكون زرعاً طیّباً یحیي الھمم ویشجع الناس، وقد یكون زؤاناً یحاول خنق وقتل .الزرع الطیب .فلنكن،عبر وسائل التواصل لا التناحر، من أصحاب الزرع الطیّب لا الخبیث القاتل