"الفال" السيىء.. حقيقة أم خيال؟

 

د. أيّوب أبو ديّة

 

 

 

          أنا لا أؤمن بالفال السيىء وإنْ كنت قد ترعرعت على قصص كثيرة تؤيد وجهة النظر هذه، كالقول إن فلاناً نظر إلى بئر الماء فتشقق أو أن آخر اشترى محلاً كان يزدحم بالمشترين وفجأة انقطعوا عنه! بل كانت الروايات تتجاوز الأشخاص للحديث عن فال العائلة الفلانية أو العشيرة العلانية السيىء أو فالهم الحسن. وما زلت أنظر إلى ذلك بعدم التصديق بعد عبوري محطة الستينيات من العمر ولكن عندما تدبرت بعض الحقائق والوقائع في مجال الطاقة في الأردن أصابني الذهول. فمثلاً، عندما أُعلن عن المشروع النووي الأردني عام 2007 وانطلق عام 2008 وصل سعر برميل النفط في تموز عام 2008 إلى أعلى سعر له في التاريخ (161 دولارا للبرميل) ولذلك كان المشروع النووي حلاً لمشكلة أسعار الطاقة الكهربائية آنذاك، ولكن ما لبثت اسعار النفط أن انهارت عام 2014 لتصل إلى 36 دولارا عام 2016.

 

          وعندما بدأ مشروع تعدين اليورانيوم كان سعر كيلو الكعكة الصفراء عام 2008 نحو 300 دولار أميركي، وما زال ينخفض سعره حتى وصل إلى 40 دولارا عام 2018 ولم يعد تعدينه مجزياً اقتصادياً.

 

          وعندما شرعنا في تحديد تراكيز اليورانيوم في المملكة اتضح أنها دون التراكيز المقبولة للتعدين عالميا علماً بأن المعلومات الأولية التي اعتمدت عليها هيئة الطاقة الذرية كانت مبشرة، الأمر الذي أدى إلى انسحاب شركة أريفا الفرنسية وتعثرت انطلاقة المشروع النووي الأردني لتوليد الكهرباء.

 

          وعندما انطلق مشروع المسارع الضوئي في علان انهار سقفه عند أول عاصفة ثلجية ولم يستفد منه اليوم على صعيد التكنولوجيا سوى الكيان الصهيوني الذي بات يستخدمه لتطوير التكنولوجيا المتقدمة التي ينتجها وفق تصريحات البروفيسور يوفال غولان من جامعة بن غوريون بانه وطاقم الباحثين التابع له ما فتئوا يستخدمون المسارع لتطوير مواد حديثة تستخدم في الشرائح الإلكترونية، وأخرى تستخدم في أجهزة الاستشعار والرؤى الليلية.

 

          وعندما بدأ مشروع الطاقة النووية يأخذ زخماً كبيراً حدثت أعظم حادثة نووية في فوكوشيما باليابان عام 2011 والتي تعتبر الأعظم والأشد قساوة وتكلفة بعد كارثة تشرنوبل 1986 حيث ارتفعت تكلفة تطوير الأمان في المفاعلات حول العالم وتراجعت عنها الكثير من دول العالم وشرعوا بإغلاق المفاعلات القائمة.

 

          وعندما بدأ المشروع النووي البحثي في جامعة العلوم والتكنولوجيا هب أهالي الرمثا للمطالبة بوقف أعمال الحفريات في الموقع واقتحموا مكاتب الكوريين في تموز من عام 2012، علماً بأن موافقة ورضا المجتمع المحلي أساسية لأي مشروع نووي في العالم.

 

          وعندما زار بعض نواب المجلس السادس عشر مفاعل فلامنفيلد الفرنسي عام 2012 بدعوة من هيئة الطاقة الذرية كان من المفترض أن يفتتح في ذلك العام ولكن اتضح لهم أنه متأخر وأن تكلفته أصبحت ثلاث مرات مقدار التوقعات الأولية ولغاية اليوم لم تفتتح هذه الوحدة النووية للعمل.

 

          وعندما بدأ المهللون للمشروع النووي يضربون مثل فرنسا العظيمة في توليد 80% من كهربائها من الطاقة النووية، قام السيد هولاند رئيس الوزراء الأسبق بالتصريح أن فرنسا وضعت خطة لخفض اعتمادها على الكهرباء النووية إلى ما دون 50% في السنوات القادمة.

 

          وعندما اتجهت الأنظار نحو الإمارات بوصفها أوشكت أن تنجز أربعة مفاعلات نووية، اتضح مؤخراً أن هناك تشققات في خرسانة الحماية وأن أول هذه المفاعلات لن يعمل قبل عام 2020.

 

          وعندما سجنت رئيسة وزراء كوريا الجنوبية بتهم فساد اتضح أن عطاءَات المفاعلات النووية في الإمارات كانت أقل من أسعار باقي العروض الفرنسية والروسية والأمريكية بما لا يقل عن 20% الأمر الذي فتح أبواباً للحوار حول الفساد وقطع الغيار غير الأصلية التي استخدمتها كوريا الجنوبية في العديد من المفاعلات حول العالم بما في ذلك وطنهم الأم.

 

          وما زالت روسيا والصين غير عابئتين بما يجري في العالم من إجراءَات وقائية للحماية والأمن والأمان وتوفير التعويضات في حال الكوارث النووية بحدود معقولة وكافية لتغطية الضرر الناجم عن حالات الدمار الشديدة، والكل يعرف مستوى القهر الإنساني الذي تعيشه شعوب هاتين الدولتين وبخاصة في ظل اغتيال العديد من الصحفيين الروس وقتل المعارض الروسي المعروف بوريس نمستوف عام 2015 في ساحة الكريملين، لذلك فإن الفال السيىء لا بد أن يطال إحدى هاتين الدولتين في القريب العاجل بحدوث كارثة نووية نتيجة للاستهتاربقواعد السلامة العامة واستكمالاً للاستقراء الناقص الذي شرحناه حتى يصبح استقراءً تاماً بحيث تكون نتائجه صادقة وحتمية بالضرورة.//