الأم
في غزة، یرشق المقاوم صواریخھ، وعلیھ مباشرة أن یغادر المكان لأنھ یصبح مكشوفا تحت مرمى النار الإسرائیلیة، وإذا تأخر ستطالھ قذائفھم ویسقط شھیدا.. لكنھ سیعود لأمھ، مكللا بالغار.. على الأقل اخر ما سیمر في ذاكرتھ حضن أمھ وشیبھا ودعواتھا، وملمس خدھا .وملمس كفھا.. والعیون الأعمق من البحر.. والدعوات الصادقة وفي القدس، حین یقرر مقاوم فلسطیني أن یغادر الحیاة إلى السماوات العلى.. ویتقدم لطعن جندي إسرائیلي، وتطالھ الطلقات الغادرة.. یتذكر أمھ، فقط في لحظة الموت وحدھا تأتیك أمك، ویشعر بھا فوق رأسھ وتزغرد لھ.. وتمسح بزیت الزیتون الفلسطیني جرحھ، وتذرف دمعة حرى من ثدیھا الذي أرضعھ ولیس من عینھا، وتقول للدنیا أن أوردة الثدي الفلسطیني لا تمتد لقلب الأم بقدر ما تمتد لقلب الأرض.. ..وتعیده طفلا إلى حضنھا وترضعھ الرضعة الأخیرة، وتودعھ حین یصعد للسماء.. تحفھ الحمامات والوردات وأكف الضارعین الصابرین دلال المغربي الشھیدة الفلسطینیة الرائعة، حین نفذت في أواخر السبعینیات عملیة دیر یاسین.. وأجھزت على ما تبقى من جنود إسرائیلیین في الباص وحین اقتادھا (إیھود باراك) وكان بھا القلیل من النفس، تذكرت أمھا في مخیمات اللاجئین بلبنان، وقد جاءت إلیھا مبتسمة فخورة بطفلتھا.. وربطت لھا جدیلتھا ودلال كانت تحب (البكلة) الحمراء، و(الشبرة) البیضاء.. دلال كانت طفلة أنجبھا الھوى الفلسطیني حین عاد یوما من الجلیل ومر عن جبل النار.. واستراح مطولا في الخلیل، أظنھا كانت تحتاج لوجھ أمھا.. كانت تحتاج أن تعید ربط شعرھا الذي امتزج بدمھا، كانت تحتاج أن تطبع لھا القبلة على الخد الأیمن.. وكانت تحتاج أن ترص لھا (غرتھا) حتى لایتناثر شعرھا في وجھ الریح.. وربما قصت لھا أظافرھا.. ضمتھا وحنت علیھا وانتھى الحلم حین سدد (إیھود باراك) طلقتھ إلى رأسھا.. وصعدت شھیدة طاھرة .نقیة، على الأقل دلال استعادت الشرف العربي.. حین ضیعھ البعض انا صدقوني أني اعاتب أمي، مع أنھا غادرت الحیاة منذ سنین طویلة.. أعاتبھا إن لم تزرني بالحلم، فلولا الأحلام لضاق صدري.. ولكنھا .تأتیني كثیرا وتمسح وجھي وتغادر الذین دخلوا التاریخ حین قدموا، أعمارھم لأجل أوطانھم.. كانوا قبل ذلك الأوفیاء لأمھاتھم للحلیب الذي رضعوه، للعیون.. للمسة الید للدعاء ..الصباحي للزیت والزعتر ولكل شیبة في رأس الأم