خطوات ضارة

مدرستان رسميتان في العالم العربي، الأولى ترى ضرورة التعامل مع العدو الإسرائيلي، لعلها تعط نتائج بعودة الجزء اليسير المتاح من حقوق الشعب الفلسطيني، والثانية ترى أن ذلك مستحيلاً في ظل المعطيات القائمة وأبرزها الضعف الفلسطيني بسبب الانقلاب والانقسام، مقابل التفوق الإسرائيلي الذي يجعل الفجوة كبيرة بين الطرفين المتناقضين المتصارعين، مما يحول دون استعادة الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية . 
المدرسة الأولى بدأت مع مباردة السلام العربية التي قدمت تنازلين جوهريين للعدو الإسرائيلي، أولهما : ربط عودة اللاجئين إلى مناطق الاحتلال الأولى عام 1948 واستعادة ممتلكاتهم منها وفيها وعليها بالموافقة الإسرائيلية المسبقة وليس استجابة لحق الفلسطينيين بالعودة، وهذا يعني مساساً بالحق المطلق لعودة اللاجئين وأولادهم وأحفادهم إلى بيوتهم التي طردوا منها وفق القرار الأممي 194، وتمت مصادرتها ونهبها وسرقتها من قبل حكومة العدو الإسرائيلي، وثانيهما الموافقة على التبادلية في الأراضي وهو مساس بقرار الأمن 242، الذي يستوجب الانسحاب وعدم الضم .  
سلطنة عُمان من هذه المدرسة وفي طليعتها، وعلى أرضية هذا الفهم استقبل السلطان قابوس على التوالي الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس وزراء حكومة العدو الإسرائيلي نتنياهو، بهدف معالجة قضية التسوية والسلام وفرش أرضية تساعد على زحزحة الأطراف على تمسكها بمواقفها، إضافة وهذا هو الأرجح فتح بوابات التفاوض بين طهران وتل أبيب والتي من الممكن أن يحقق نجاحات في هذه القضية نظراً لعدم قدرة أحدهما على إيذاء الآخر، وكلاهما لديه من القوة والقدرة لجعل التوازن هو أساس المعاملة بينهما، بينما تفتقد المعادلة الفلسطينية الإسرائيلية أي توازن ولا تُسهل تقديم التنازلات المتبادلة، فالعدو متفوق والطرف الفلسطيني ضعيف مهلل غير قادر على لملمة صفوفه بشكل واقعي ومتماسك .  
فريق العدو الإسرائيلي، بالإضافة إلى امتلاكه القوة والتفوق، فهو يملك رؤية سياسية ودينية متطرفة تستهدف ابتلاع كامل أرض فلسطين، باستثناء قطاع غزة، ولذلك لا أمل يُرتجى من فتح أي بوابة للتفاوض مع فريق نتنياهو المتطرف، وليس لدى نتنياهو أي استعداد عملي للمساومة أو الاستعداد للتعامل مع الطرف الفلسطيني من موقع الند والاحترام والبحث عن القواسم المشتركة، لهذا فالعلاقة مع نتنياهو وفريقه تصب لمصلحته، وتعمل على تعزيز برنامجه، وإظهار سياسته لدى المجتمع الإسرائيلي، على أن أنها السياسة المقبولة التي تعط نتائج لصالح المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي . 
النوايا الطيبة من قبل بعض الأطراف العربية نحو العدو الإسرائيلي، لم تزحزحه عن عنجهيته وتطرفه ووقف فم التمساح التي تُطالب بالمزيد، خاصة في ظل سياسة أميركية يقودها الرئيس ترامب وفريقه الصهيوني الداعم حتى نخاع العظم لسياسة التوسع الاستعمارية الإسرائيلية، النوايا الطيبة لدى الأشقاء العرب عليها أن تُسخر لمصلحة دعم وإسناد الموقف الفلسطيني الذي يحتاج لروافع لحماية أهل القدس وصمودهم، وفك الحصار عن قطاع غزة حتى يستكمل خطوات تحرره من نير الحصار الإسرائيلي وظلمه، ويحتاج لتطويق العدو الإسرائيلي وعزله وليس فتح بوابات استقباله واختراقه لصفوف العرب وتفكيكهم، خاصة وأن نتنياهو محاط وزوجته بقضايا فساد ستساعد على الإطاحة به وبسياسته، مما يتطلب عدم تقديم قوارب نجاة له ولها.