الوزير أبو البصل والوزير نظام الملك
يُبدي وزير الأوقاف الفقية د. عبدالناصر أبو البصل اهتماماً كبيراً في إعادة وظيفة المسجد إلى ما كانت عليه في زمن الزهو الحضاري الإسلامي، فالمسجد ليس فقط للصلاة، ولا يكون لقاء الناس فيه موعداً مؤكداً مع كل أذان وحسب.
يقدم وزير الأوقاف رؤية واضحة لما يجب أن يكون عليه دور المسجد التنويري الإصلاحي، النموذج الأول الذي قدمه هو مسجد العرب في الزرقاء الذي جهز فيه قاعات تدريس وتعليم للطلاب لكي يدرسوا فيه حصص تقوية ودورات.
المبادرة يمكن أن تشمل كثيرا من المساجد المحيطة بمدارس او جامعات أو وسط المدن وفي القرى، حيث يمكن أن يحضر الطلبة دروسا في كل المساقات بين المغرب والعشاء وبعد العصر وايام السبت، وهنا تستنهض الهامات والعزيمة لكل من يريد التطوع بعلمه كي نوفر جميعا على أهالي الطلبة.
لماذا لا يكون كل مسجد مركزا ثقافيا تعليميا، ولماذا يذهب الطلبة لمراكز ثقافية منتشرة في الوطن، فالحل يكون في بناء ثقافة التطوع والعمل الخيري من خلال المسجد الذي كان في زمن سابق يمارس دور التعليم، ولم تنهض الأمة من ليلها الطويل إلا عندما استحدث الوزير نظام الملك السلجوقي الجامع المدرسة في نموذج المدرسة النظامية في بغداد عام 459هـ/1066م.
على مقربة من زمن سابق لنظام الملك كان الشيعة البويهيون حكموا العراق بعد دخول احمد بن بويه بغداد عام 434هـ/945م، ولاحقا جاء الصليبيون، فكان الانحدار سيد الموقف، وغابت هيبة الخلافة وسقطت القدس والساحل الشامي بيدهم، فجاء نور الدين زنكي لاحقا صلاح الدين وخلفاءهم من البيت الايوبي الذين تباروا في بناء المدارس السنية الدينية في دمشق وحلب والقدس وغيرها المدن الشامية، لكي تحصن المدرسة/الجامعة مقاومة المجتمع وتعيد بناءه من باب العلم والدين فكانت المدارس النورية والعادلية والظاهرية وغيرها منابر جهاد وفكر وتنوير في مواجهة احتلال صليبي بغيض.
اليوم الجوامع عندنا لا تصدر التنوير والعلم كما يجب، فيكتفى الأئمة بدور الوظيفة وهم لا يقدرون على انجاز ما نريد منهم، وحدهم بل يجب اسنادهم وجعل الإمام أشبة بناظر المدرسة في الثقافة العربية الإسلامية، وهنا لا بد من تشجيع مسألة الوقف التعليمي فتوقف الامول للطعام والشراب وتحضير مستلزمات الدروس، ويكون لقاء طلاب المدارس في الجامعة المدرسة وتكون التربية مدعومه بجهاز ديني بخلفية علمية.
تستحق رؤية الدكتور أبو البصل الدعم، وتستحق امتنا أن يضحي كلٌ منا بحصة اسبوعية يقدمها كل متخصص بعلم معين في مسجد حارته او قريته لمن يحتاج لدروس تقوية.
أخيراً وكي نواجه إيران الصفوية – وليس الشيعة العرب المعتدلين- وتمددها لا غنى عن مشروع إحياء سني، هذا المشروع لابدّ له أن يستفيد من تجربة نظام الملك الوزير والسياسي اللامع والمصلح وداعية العلم الذي اقام المدرسة النظامية كمنارة علم رتب لها المال والأوقاف، ثم دعى ابو حامد الغزالي ليكن كبير مدرسيها وشيخها.
الدستور