Foreign Policy كيف أصبحت قضية جمال خاشقجي ضربة لسمعة أميركا

صفعة على وجه واشنطن

قالت صحيفة Foreign Policy الأميركية إن علاقة الولايات المتحدة الأميركية بالمملكة العربية السعودية تمر هذه الأيام بمنعطف خطير، بعد اختفاء، وحديث عن قتل الإعلامي البارز جمال خاشقجي بعد دخوله مقر القنصلية العامة للسعودية في تركيا.

وقال ويليام إنبودين: كاتبٌ وأكاديمي أميركي، ومسؤول سابق بالبيت الأبيض في مقال في الصحيفة الأميركية، تُعَدُّ المملكة العربية السعودية واحدةً من أهم حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ويحكم السعودية كذلك نظامٌ ملكي «استبدادي يعاقب المعارضين، ويقمع الشعب».

وبحسب الصحيفة الأميركية، تتعارض تلك الحقيقتان مع بعضهما البعض وتلخصان التحدي الاستراتيجي الذي يحيط بالسياسة الأميركية تجاه المملكة على مدى العقود العديدة الماضية. لقد تخطَّت العلاقات الأميركية السعودية من قَبل العديد من الخلافات والأزمات، التي كان أخطرها الحظر الذي فرضته منظمة أوبك على النفط في السبعينيات وما أعقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول، عندما تبيَّن أن 15 شخصاً من الخاطفين الـ19 كانوا مواطنين سعوديين. ومع ذلك، في أكثر الأحيان، كان القادة الأميركيون والسعوديون قادرين على المحافظة على استمرارية هذه العلاقة دون انحرافٍ أو فشل.

لكنَّ تلك العلاقة بدأت تضطرب ثانيةً بعد اختفاء الصحفي السعودي المخضرم جمال خاشقجي. وكما أفادت التقارير المنتشرة على نطاقٍ واسع، فإن خاشقجي ينحدر من عائلةٍ سعودية بارزة، وكان وضعه غير مستقر إذ كان يُعَامَل باعتباره مُقرَّباً من النظام الحاكم حيناً وناقداً له حيناً آخر، ويشمل ذلك عمله مؤخراً ناقداًفي صحيفة The Washington Post في المنفى في الولايات المتحدة. حتى جاء اختفاؤه يوم الثلاثاء الماضي 2 أكتوبر/تشرين الأول خلال ما كان يُفتَرَض أن يكون زيارةً روتينية للقنصلية السعودية في إسطنبول. وتقول التقارير الأكثر إثارة للقلق -والخوف- من مصادر تركية مجهولة إن مجموعةً من القتلة السعوديين اغتالوا خاشقجي. وحتى كتابة هذا التقرير، لم يُؤكَّد أيُّ شيء، ومع ذلك، فإن أيَّ آمالٍ متبقية لاحتمال عودته إلى الظهور تتضاءل أمام الاحتمال المتنامي بأن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان هو من أَمَرَ بقتله، بحسب الصحيفة الأميركية.

جريمة في حق أميركا!

وإذا كان خاشقجي قد لقي حتفه، فإن مقتله يُعَدُّ إهانةً وجريمة في حق الدعم الأميركي للمملكة العربية السعودية.

لم يكن خاشقجي مجرد صوت سلمي ومسؤول يدعو للإصلاح فحسب، بل كان يقيم في الولايات المتحدة وتحت حمايتها بحكم الأمر الواقع. إن اختطافه من تركيا، وهي عضوٌ في حلف الناتو (وإن كانت تثير المشاكل)، يزيد من فجاجة المؤامرة السعودية ضده.

وقد نبَّه جون حنا، أحد الكُتَّاب في قسم Elephants in the Room في مجلة The Foreign Policy الأميركية، في ما يشبه النبوءة الشهر الماضي، سبتمبر/أيلول، «إلى أن غرور محمد بن سلمان وأخطاءه كانت تطغى على أجندته الإصلاحية المثيرة للإعجاب».

وكل ما تفعله هذه الجريمة الأخيرة أنها تؤكَّد أن وليّ العهد أصبح الآن مستبداً أكثر من كونه مُصلِحاً. وسواء اعترف البيت الأبيض بقيادة ترمب بذلك أم لم يفعل، فإن اختفاء خاشقجي يُمثِّل جريمةً بشعة، ومأساةً، وصفعةً مهينة على وجه الولايات المتحدة في الوقت نفسه، كما تقول الصحيفة الأميركية.

كيف تتغلب واشنطن على هذا التحدي؟

ويتمثَّل التحدي الذي يواجه الولايات المتحدة في كيفية إبداء استيائها على نحوٍ ملائم وفرض إجراءات عقابية فعَّالة على الرياض دون إفساد العلاقات الأميركية السعودية بالكامل وإلحاق الضرر بالعديد من المصالح الإقليمية الأخرى للولايات المتحدة.

لسوء الحظ، أهدرت إدارة ترمب الكثير من نفوذ البلاد وسلطتها الأخلاقية من خلال دعمها غير المشروط لحرب السعودية في اليمن، ورفضها معالجة العديد من حالات القمع السعودية في مجال حقوق الإنسان، وتخاذلها في الوقوف مع الحلفاء الكنديين ضد ردِّ فعلِ محمد بن سلمان المُبالَغ فيه على توبيخ أوتاوا الهادئ بعد اعتقاله عدداً من الناشطات الباحثات عن الإصلاح.

وكتب خاشقجي في صحيفة The Washington Post في ذلك الوقت: «هناك طريقةٌ أفضل للمملكة لتفادي النقد الغربي، وهي ببساطة إطلاق سراح  نشطاء حقوق الإنسان، ووقف الاعتقالات غير الضرورية التي قلَّلَت من شأن السعودية». وقد يكون هذا الصمت الأميركي تجاه مثل هذه التصرُّفات هو ما دفع محمد بن سلمان جزئياً إلى الاعتقاد بأنه يستطيع إيذاء خاشقجي دون عقاب.

نماذج نجحت فيها واشنطن

وفي حين أن بعض النظريات السائدة التي عفا عليها الزمن تفترض أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تدعم مبادئ الكرامة الإنسانية والحفاظ على علاقاتٍ مستقرة مع الحلفاء المستبدين الذين يشاركونها مصالحها الأخرى في الوقت نفسه، فهناك سوابق كثيرة تثبت غير ذلك.

فقد حافظت إدارة ريغان على التحالفات الأميركية والشراكات مع دول مثل كوريا الجنوبية والفلبين وتايوان وتشيلي، بينما شجعتهم أيضاً، تارة بطريقةٍ ليَّنة وتارة أخرى بطريقةٍ قاسية، على انتهاج طريق التحوُّلات الديمقراطية.

أو لنتحدَّث عن المملكة السعودية نفسها، يضيف الكاتب «عندما كنتُ أعمل في وزارة الخارجية الأميركية أثناء فترة إدارة جورج بوش الابن، صنَّفت الولايات المتحدة عام 2004 السعودية على أنها «بلدٌ يثير قلقاً بالغاً» بسبب التعصُّب والاضطهاد الديني، وتبع ذلك نزاعٌ داخلي طويل بين أروقة الوزارة، حيث كان مكتب شؤون الشرق الأدنى في وزارة الخارجية يتبنى الاتجاه التقليدي والذي يفيد بأن فرض عقوبات على حليفٍ قريب سوف يؤدي إلى نتائج عكسية ويضر بالمصالح الأميركية الأخرى بينما لا يؤدي إلى أيِّ تحسُّنٍ في الحرية الدينية.

وبدلاً من ذلك، وبعد قرار بوش بإدراجها في ذلك التصنيف، اتَّخَذَ السعوديون بالفعل بعض الخطوات التي كانت بسيطةً ولكنها ذات مغزى بزيادة مساحة الحرية الدينية لغير المسلمين، والتخفيف من حدة الادعاءات المعادية للسامية في هذه الأثناء، استمر التعاون الأميركي السعودي المهم في عدة مجالات مثل مكافحة الإرهاب والطاقة والأمن الإقليمي، غير المقيد نسبياً بالتصنيف (خلال إحدى رحلاتي إلى الرياض عام 2003 للمشاركة في هذه المفاوضات مع السعوديين، التقيت مع خاشقجي، الذي لطالما تبنَّى فكراً إصلاحياً).

هل يمكن أن تصلح أزمة خاشقجي العلاقات بين أميركا وتركيا؟

وبحسب الصحيفة الأميركية، قد يؤدي اختفاء خاشقجي، بتلك الطريقة المُفجِعة، إلى إتاحة الفرصة لإصلاح العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا. فقد تسارعت خُطى انهيار العلاقات بين واشنطن وأنقرة، بعد أن كانت تسير بوتيرةٍ ثابتة نحو التدهور في السنوات الأخيرة، في الأشهر القليلة الماضية على خلفية مشاكل بدأت باعتقال تركيا للقس الأميركي أندرو برونسون وانتهت بعلاقاتها المتنامية مع روسيا.

قد يتطلَّب الأمر بعض الدبلوماسية الماهرة، ولكن قد تتمكن إدارة ترمب من التوصل إلى اتفاق هادئ مع أنقرة يتضمن إطلاق سراح برونسون وإلغاء شراء تركيا لصواريخ إس -400 من روسيا في مقابل تعاون قوي مع الولايات المتحدة ضد السعودية في قضية خاشقجي، بحسب الصحيفة الأميركية.

وبغض النظر، يجب على الولايات المتحدة البحث في فرض بعض الإجراءات العقابية التي بإمكانها أن تُثقِل كاهل الرياض. وتشمل الخيارات التي يجب أخذها في الاعتبار طرد السفير السعودي لبعض الوقت، وفرض حظر التأشيرات على مسؤولين سعوديين كبار آخرين متواطئين في استهداف خاشقجي، وحتى تعليق أو تقليص مبيعات الأسلحة الأميركية وغيرها من طرق التعاون الأمني مع السعوديين. فخاشقجي، على أيِّ حال، أكثر من مجرد رجلٍ واحد، فهو يُمثِّل أفضل مصدر للأمل في إجراء المزيد من الإصلاحات في السعودية، وللحدِّ من سلطة وغطرسة وليّ العهد السعودي المُتهوِّر.