هل العقبة قادرة على أن تصبح من المدن الخضراء في العالم ؟

 

الأنباط – العقبة - د. نهاية القاسم

 

منذ عام 2001 أصبحت العقبة منطقة خاصة، هذه الخطة التي طال انتظارها وكثر الجدل بشأنها استكملت مراحلها التشريعية والمؤسسية، واستطاعت أن تخطو خطوات واسعة وثابتة نحو التنمية بفترة زمنية قياسية مما جعلها منطقة اقتصادية قادرة على استيعاب تدفق الاستثمارات بشتى أنواعها، ولكن ما تأثير هذا التطور الاقتصادي النوعي على البيئة في العقبة وهل أثر سلبا على مفهوم الاستدامة؟

فبينما لا يزيد طول الجزء الأردني من خليج العقبة على 27 كيلومتراً، ,وأن ميناء العقبة هو الميناء الوحيد للأردن والمنفذ الوحيد الى العالم الخارجي، فإن النشاطات البشرية ابتلعت معظم الشاطئ القصير في السنوات الخمسين الماضية حالياً، ولا يوجد إلا سبعة كيلومترات من الشاطئ في وضع طبيعي حيث لا موانئ ولا فنادق ولا أبنية سكنية ولا مصانع، لكن الضغط الكبير على التنمية في العقبة، والمنافسة الهائلة بين قطاعات النقل والسياحة والصناعة لاحتلال الشاطئ، في خضم هذه المنافسة الشديدة فالبيئة هناك تكافح في معركة صعبة ضد التدهور والتلوث.

بالرغم من كونه جسماً مائياً صغيراً نسبياً، فإن خليج العقبة يؤوي تنوعاً هائلاً من الشعاب المرجانية والحياة البحرية. فحوالى نصف شريطه الساحلي يتكون من شعاب مرجانية تمثل الحد الشمالي الأقصى لتوزع المرجان في العالم. وقد تمت مشاهدة أكثر من 192 نوعاً من الشعاب المرجانية الصلبة و120 نوعاً من المرجان الرخو في مياه الخليج. وتضمنت السجلات العلمية 268 نوعاً من الأسماك الاستوائية وشبه الاستوائية، في حين رفعت تقديرات أخرى العدد إلى نحو ألف نوع.

وتتميز العقبة أيضاً باتباعها سياسة تخطيط الأراضي وتوزيعها حسب النشاط الاقتصادي، بحيث يتم الفصل بين المناطق الساحلية والمناطق الصناعية ومنطقة الميناء، فلا تتداخل. ويعطي أحد بنود الأنظمة البيئية الحق لمنطقة العقبة بفرض "عقوبات شديدة" على من يتسبب بتلويث البيئة، خاصة في حالات تلويث الخليج بالزيوت أو تخريب الحيود المرجانية. ولا تقتصرالإجراءات على تغريم السفن المخالفة، بل تتضمن تقدير الأضرار الناتجة وتعويضها وإزالة الضرر على نفقة المخالف.

وباعتبار العقبة الواجهة الساحلية الوحيدة للأردن، فقد حرصت ادارة المنطقة على حفظ التوازن بين التنمية الاقتصادية وسلامة البيئة في كل الخطط والسياسات التي ترسمها للسنوات العشرين المقبلة. لكن فادي شرايحة، المدير التنفيذي للجمعية الأردنية للغوص البيئي وهي المنظمة غير الحكومية المختصة بالحياة البحرية في الأردن، يحمل الكثير من الشكوك. وهو قال لـ"البيئة والتنمية" ان تحويل العقبة إلى منطقة خاصة وما يرتبط بذلك من تزايد النشاط الاقتصادي سوف يؤثر بلا شك على البيئة الهشة التي تواجه ضغوطاً كثيرة من القطاعات الاقتصادية المختلفة كالسياحة والنقل والتعدين والصناعة. وأكد أن من الممكن تقديم بدائل تنموية مستدامة، مثل السياحة البيئية وتخفيف التلوث وإدخال المفاهيم البيئية في التخطيط والتطبيق الدقيق لتعليمات تقييم الأثر البيئي. أما قانون حماية البيئة في العقبة، فوصفه شرايحة بأنه متطور، ولكن العبرة هي في التطبيق والتفعيل، والأهم من ذلك توعية المواطنين والسياح ببنود هذه القوانين قبل إنزال العقوبات والغرامات بهم. وقال ان جمعية الغوص البيئي تعمل على تدريب القضاة والضباط العدليين المكلفين بتطبيق القانون على مبادئ حماية البيئة البحرية.

وكانت عملية تحويل العقبة إلى منطقة خاصة تضمنت أيضاً إجراء دراسة شاملة لتقييم الأثر البيئي لهذا التحول، شاركت فيها القطاعات التنموية والإدارية المعنية، العامة والخاصة والأهلية. وقد وجدت الدراسة العديد من التأثيرات البيئية المحتملة للنشاطات الصناعية، وخاصة على الحيود المرجانية، ووجدت الدراسة أن زيادة النشاطات من شأنها أن تبقي المدينة في حالة من التوازن البيئي الطبيعي.

وفي ما يتعلق بخطة استخدام الأراضي في العقبة والتأثيرات البيئية المحتملة، وجدت الدراسات التي قام بها عدد من الباحثين أن هذه التأثيرات تختلف مع اختلاف النشاطات المسيطرة في كل منطقة. فقد تم تطوير العديد من المناطق في المدينة، والعمل على توسعة شبكات المياه القائمة وتحسين أداء محطة التنقية، أما في مدينة العقبة نفسها، فالعمل مستمر على تطوير التجمعات السكانية والطرق، مع ما ينسجم ويتفق وطبيعة المنطقة.

أن مدينة العقبة قصة نجاح أردنية عربية عالمية ، إذ أصبح مفهوماً الآن أن معايير النجاح يجب أن تتضمن حماية البيئة، فالقاعدة الأساسية للسياحة في العقبة هي البنية البيئية والطبيعية الفريدة التي تجذب السياح، وبالفعل استطاعت أن تصمد أمام كل التحديات الحاصلة والمحتملة، بل وتمتلك من المقومات ما يؤهلها أن تندرج ضمن قائمة المدن الذكية في العالم.

 

ماهي المدن الذكية؟

 

هناك العديد من التعاريف المتعلقة بهذا المصطلح، ولكن بشكل عام جميعها يجمع على المفهوم التالي:

المدن الذكية هي المدن التي تستخدم حلولا تكنولوجية مبتكرة بهدف تحسين مستوى الحياة والخدمات التي يتلقاها المواطنون والزوار.

مدينة ذكية (بالإنجليزية: Smart city) هو اصطلاح شامل لوسائل تطوير بغرض دعم مدينة وإدارتها بطريقة حسنة بتقنية جديدة بحيث تتحسن ظروفها الاجتماعية في ظل حماية البيئة . تلك الأفكار والوسائل تتضمن تجديدات تكنولوجية واقتصادية واجتماعية . يقترن هذا الاصطلاح أيضا في بناء المدن الجديدة وإدارة خدماتها من كهرباء وإضاءة ومياه وتدفئة ومواصلات واتصالات ، كما يمكن استخدام تلك التقنية الجديدة الشمولية لإدارة مؤسسة كبيرة بتطبيق طرق التحكم الآني بواسطة وسائل ذكية، مثل كاميرات، وشبكات اتصال، وتجميع معلوماتها وإدارة تلك المعلومات من مركز يجمع المعلومات، ويتصرف فيها بحسب الأوضاع الآنية والاحتياجات .

تعتمد المدن الذكية بشكل أساسي على استخدام التكنولوجيا الخاصة بإنترنت الأشياء (Internet Of Things -IOT)، وذلك من أجل ربط المكونات المختلفة ضمنها وتشكيل شبكة، بحيث أن كل مكون ضمن هذه الشبكة يكون مسؤولًا عن استشعار وتجميع مجموعة محددة من البيانات.

وبذلك تصبح هذه المدن قادرة على جمع البيانات المختلفة من هذه الشبكة وبالتالي من أنحاء المدينة.

تشكل هذه البيانات التي يتم تجميعها من الشبكة، الأساس الذي يتم استخدامه في بناء حلول تكنولوجية مبتكرة لإدارة موارد وخدمات المدن مثل شبكة النقل، شبكة التزويد بالمياه، شبكة التزويد الكهرباء، الكراجات، ضبط الأمن، وخدمات إطفاء الحرائق وغيرها الكثير.

تسمح المبادرات والمشاريع التي تطلق في إطار تحويل المدن إلى مدن ذكية إلى تحسين مستوى الحياة وتوفير الوقت والتكاليف بالنسبة لمواطني المدينة وزوارها وفي تحسين أساليب الاستفادة من البنى التحتية والخدمات المقدمة لهم.

كذلك تساهم في مساعدة الدولة في توفير ما يمكن توفيره من تكاليف وموارد، وفي زيادة التواصل بين الحكومة والمواطنين. مما سينعكس بدوره في المساهمة في ضمان الاستمرارية في المستقبل.

كما أن هناك بعض المبادرات في إطار مفهوم المدن الذكية التي تساهم في حال تطبيقها في الحفاظ على البيئة.

اصطلاح المدينة الذكية ابتكار نشأ بعد سنة 2000 يشترك في التفكير فيه سياسيون واقتصاديون ومديرون والمسؤولون عن تخطيط المدن العمرانية ، بغرض التوصل إلى تغيير ات تقوم على تقنيات جديدة تستخدم في المدن. وتنبع فكرة المدينة الذكية من استغلال التقنيات الرقمية في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، التي تقابل المجتمع بعد الثورة الصناعية التي تواجهها المجتمعات بعد انتهاء القرن العشرين.

ويؤخد في عين الاعتبار طريقة التعامل مع ما يصيب البيئة من مشكلات ، وتغير في فئات المجتمع من شباب ومسنين ، وتزايد عدد السكان ، وأزمات اقتصادية وقلة في المصادر الطبيعية . ويشمل اصلاح المدينة الذكية أيضا تجديدات ليست تكنولوجية تستطيع توفير حياة أفضل لسكان المدن . من ضمنها مثلا فكرة المشاركة (Link Sharing) أو اشراك المواطن في تخطيط مشرعات كبيرة في المدينة .

وتختار عدة صفات تستخدم في المقارنة بين مدينة ومدينة من وجهة مدى تماشيها مع نمط المدينة الذكية : اقتصاد ذكي ، مواطن ذكي ، إدارة مدنية ذكية ، حركة مواصلات ذكية ، وحفاظ على البيئة ذكي ، بل وتعايش ذكي .). وتكمن قدرة المدينة الذكية في مدى "المشاركة و الإدارة والاقتصاد والسياسة والتعليم .

ويمكن لمدينة ذكية ان تشمل شبكة انترنت خدمات : تربط بين المدينة وريفها بواسطة محسات وكاميرات تجمع بيانات ، وتقيمها وتتعامل معها طبقا للاحتياجات . فيكون هنا تشابك وترابط بين سكان المدينة وما يحيطهم من تقنيات ، فيصبح السكان جزءا من البنية التحتية التكنلوجية للمدينة.

والمدينة الذكية مصطلح ظهر منذ مطلع عام 2000 ويمكن إيجاد أكثر من تعريف لها فهي قد تكون مدينة "المعرفة"، أو "المدينة الرقمية"، أو الايكولوجية، وغيرها من التعريفات الأخرى التي تنبع من أهداف تخطيط المدينة.

وفي العالم هنالك العديد من البلديات الكبرى التي تبنت هذا المفهوم وبدأت حقا بتطبيقه في إدارة المدن؛ فعمداء تلك المدن الكبرى يتحدثون عن المستشعرات للتحكم لاسلكيا بالإشارات الضوئية وإشارات المرور لتقليل كلفة الطاقة والاستثمار في مفاهيم ذكية أخرى تحسن من مستوى المعيشة في المدن.

وتستشرف المدينة الذكية المستقبل على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. فالمدينة الذكية ترصد البنية التحتية الأساسية كالطرق والجسور والأنفاق والسكك الحديدية والأنفاق والمطارات والقطارات والموانئ البحرية وكذلك الاتصالات والمياه والطاقة والأبنية الرئيسية، كل ذلك من أجل الوصول إلى الدرجة المثلى من الموارد والأمن.

وتستطيع المدينة الذكية أن توفر خدمات للمواطنين بما يعزز شعورهم  بالسعادة والصحة والراحة والأمان. ومن الأمثلة على ذلك استخدام المستشعرات للكشف عن أماكن تسرب المياه في المدينة وإصلاحها على الفور، أو لمراقبة نوعية الهواء لمساعدة الأشخاص المصابين بالحساسية من أخذ احتياطتهم أو استخدام المستشعرات لمعرفة أن مكان صف السيارات ممتلئ ويقوم بإرشاد السائق الى أماكن صف أخرى.

وبناء على كل هذه الأمثلة، يتفق العلماء أن تعريف المدن الذكية يختلف من فكرة الى أخرى؛ إذ تتأثر المدن الذكية بنفوذ تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لحل المشاكل الأساسية كالمياه والطاقة والسلامة والنقل.

وتعد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المكون الأساسي للمدينة الذكية التي تهدف الى تسريع الحياة الحضرية، وجلب المزيد من البشر للعيش في المدن الكبيرة.

أما الرؤية فيجب أن تكون واضحة لجميع أصحاب المصلحة، وتتلاءم مع صناعات رئيسية مثل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ووسائل النقل، والمياه، والكهرباء والسلامة العامة.

ويؤدي استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلى ايجاد حلول مبتكرة لقضايا مثل الاستدامة الحضرية والمياه والكهرباء والنقل.

يمكن لوسائل النقل المتعددة الوسائط خفض وقت تنقل المواطن من خلال السماح له بالتخطيط مقدماً لرحلته والوصول إلى الوجهة النهائية بكفاءة، ما سيزيد من استخدام وسائل النقل العام والحد من استخدام السيارات وانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون. وينطبق الأمر ذاته، على إدارة حلول الطاقة للعملاء، والتي تتيح لمزودي الطاقة لإدارة الطلب على الطاقة والاستثمارات في محطات توليد الطاقة.

ويسعى العلماء بشكل مستمر على جعل المدينة الذكية مدينة مستدامة تجمع بين قابلية التكيف والمعولية، وإمكان التعديل، وسهولة التطبيق، والأمن والسلامة، والصمود.

والعودة الى ما تمتلكه مدينة العقبة من مزايا ومقومات فريدة يجعلها من المدن المؤهلة لأن تصبح مدنا ذكية ، بفضل المزايا الطبيعية والاقتصادية  المتوفرة والطاقات البشرية والادارات القادرة على وضع الخطط المناسبة والقابلة للتنفيذ في مدة زمنية وجيزة.//