نقد الملك الذي لا يتوقف
في اللقاء مع الملك، قبل يومين، كنا مع ثلة من الصحفيين والاعلاميين، نستمع الى نقده الشديد، للفوضى الاجتماعية، من حيث العنف المتفشي باشكال مختلفة، سواء عبر نموذج قطع الطرق، او اقتحام مكتب رئيس جامعة، او قتل طفل، وغير ذلك من مشاهد تتواصل يوما بعد يوم.
نقد الملك، تكرر مرارا، خلال السنين الفائتة، وقد تحدث بشكل مباشر، حول دور المسؤولين، في تطبيق القانون، وادارة المشهد الداخلي، من حيث اتخاذ موقف وتطبيق القانون، ازاء اي مخالفة او تجاوز يجري، وهذا الحض تكرر مرارا، خلال السنين الفائتة، فلا المسؤول يسمع، ولا المواطن يريد للمسؤول ان يسمع، لان الكل اعتاد على «التحويلات» في ادارة الازمات.
اللافت للانتباه هنا، ان المشكلة تكمن فعليا، في جانب لايتطرق اليه احد، وتحديدا السؤال الذي يتعلق بسبب عدم انفاذ المسؤولين للقانون، في حالات كثيرة، وماهي الاسباب التي تجعل المسؤولين يجمدون القانون، او يتلاعبون عليه، او يخضعون لضغوطات، تجعلهم يتسببون بحالة فوضى اضافية، بدلا من سيادة القانون، فيصف هؤلاء ضعفهم، بكونه حكمة لانظير لها.
لابد ان يقال هنا، ان المسؤولين عموما في الاردن، يتورطون في امرين، اولهما تجنب انفاذ القانون، خشية من كلفة انفاذ القانون، وقد جرب العشرات منهم سابقا، تطبيق القانون، فتمت مهاجمتهم عبر نواب او اعلام او عبر الشكوى والتذمر منهم، وفي حالات كثيرة، مارس المسؤول دوره، فتعرض الى ضغوطات هائلة، ولربما حملات تجريح او هجوم، ولم يحظ بأي حماية، في موقعه، بل يكفي ان يقوم اي محافظ بدوره، فيهرع اليه نواب المنطقة، وتنهمر عليه مكالمات هاتفية، من اي وزير داخلية، او رئيس اي حكومة، وضغوطات الوجهاء، والواسطات، فيتراجع تحت عنوان يقول ان التسوية وتقبيل الذقون خير من تطبيق القانون، وفي حالات اخرى يقاوم المسؤول الضغوطات، فيتم نقله، او معاقبته، او التشهير به، بوسائل مختلفة، ولانعني هنا ابدا، ان المسؤول على حق دوما، فقد يتجاوز ايضا في سلطته، ويشط في صلاحياته، ولايرحم حيث تتوجب الرحمة.
لماذا نتوقع اذاً ان يأخذ المسؤول الامور، بشكل جدي، ويقف في وجه اي فوضى، مادام بات يعرف ان حمايته ليست مطلقة، وان نهايته التقاعد او النقل، او العداء الاجتماعي،او تعريضه لمشاكل اضافية؟!.
الامر الثاني، يتعلق بطبيعية المسؤولين، وصناعة القيادات في الاردن، اذ ان صناعة القيادات المحلية والادارية، وحتى السياسية، لاتخضع لاسس، بل ان كل عملية انتاج القيادات، على مستوى النواب وقانون الانتخاب، وانتاج القيادات السياسية والحكومية والاعلامية والاقتصادية، وغيرها من قيادات في المواقع الرسمية، او حتى في المجتمع، تخضع لاسس مشوهة، فلا يصل الى الموقع من يفترض ان يصل، بل ان الاسس تتمحور كلها حول القوة والنفوذ والواسطة والمال، والحسابات الصغيرة، التي تدفع فلانا ليصبح مسؤولا، وتجعل فلانا خارج اللعبة، وبما انه لاتوجد برامج لصناعة القيادات، من كل المستويات، كما في دول اخرى، فعلينا ان نتوقع ان نتعامل مع قيادات من مستويات مختلفة، تم انتاجها بوسائل تنتمي الى ذات «الحزمة الذهنية» التي تؤدي الى تجنب المسؤول لمواجهة مجتمعه، او من حوله، مفضلا سياسات الاسترضاء، والتسويات، واخذ الخواطر، وهي ذات الحزمة التي جاءت به، فكيف يتنكر لها، وهو في موقع المسؤولية، وهو يدرك انها باتت اقوى من كل شيء؟!.
خلاصة الكلام، ان تغيير بيئة انتاج القيادات، امر لايزال متاحا، وهو برنامج قد لايستغرق اكثر من عامين الى خمسة اعوام، لانتاج قيادات جديدة، في كل الوزارات والمؤسسات، اضافة الى القيادات الاعلى من حيث الموقع، سواء جاءت بالانتخاب، او للمواقع الاساسية، مثل الوزراء، اضافة الى انعكاس ذلك على بنية الفريق الذي يعمل مع كل قائد او مسؤول، وبدون هذه التغييرات، سنبقى نعيد تفسير بالماء، بكونه مجرد سائل شفاف، بعد ان بتنا امام بنية ادارية-سياسية-اجتماعية، تأبى الا ان تعمل بذات الاسس التي جلبتها الى مواقعها، فيغيب المعيار والقانون، بعد ان تحالف الكل، لادامة هذه الطريقة.
العنف وبقية المظاهر الاجتماعية السلبية سوف تتواصل، بعد ان بتنا امام بنية كبيرة تعتبر هذا الواقع طبيعيا، ولاتستطيع التخلص من تأثيره، فنحن امام مسؤولين لايمكن الا ان يتجنبوا انفاذ القانون، لانهم اساسا، وصلوا على أسس تجنبت انفاذ القانون بما يعنيه من عدالة واستحقاق، وهكذا يستفيد الكل من هذا الواقع السلبي، المسؤول والمواطن!.
الدستور