في ذكرى اغتيال ناهض حتر

 

د. أيوب أبودية

 

لم اتفق مع ناهض حتر في كثير من القضايا السياسية وان كنت أشاركه المنهج الواقعي الجدلي في الفكر...ولكنني استهجنت الأسلوب الذي تعاملت به الحكومة السابقة مع تهمته المزعومة وكذلك لا يمكن السكوت عن الطريقة البشعة التي قتل بها. وفي الوقت نفسه كلي ثقة بانه عندما تفشل الحكومة في واجبها تقوم العشائر بسد الثغرة وحماية أفرادها . فقتل ناهض حتر امام قصر العدل يعني كل البلقاء وليس الفحيص وحسب بل يعني الأردنيين المعتدلين جميعا لان الدولة والعشيرة في الاردن متكاملان مترابطان. ولا اقصد العشائر الأردنية منها فقط بل التجمعات الفلسطينية على صيغة جمعيات وخلافه والتي أصبحت موازية في الثقل وباتت تدافع عن حقوق أبنائها كذلك عند الأزمات..وهذا دليل على التناغم الأردني الفلسطيني أيضاً والذي نعتز به.

ولم يقتل ناهض لانه مسيحي، فلم يكن كذلك الا في شهادة المولد... بل قتل لانه تجرا على المعتقدات السائدة، ليس عند المسلمين وحسب بل عند المسيحيين أيضاً. فلماذا لم يكفره مسيحي مثلا؟

وهل هناك حالات مماثلة في تاريخنا العربي الاسلامي؟

طبعا كانت هناك حالات مماثلة في عصور الانحطاط ولكن في عصور الصعود الحضاري كان الانفتاح على الآخر منهجا إسلاميا. فمثلا عندما دخل ملحد على الإمام الشافعي وسأله :

كيف يحاسبني الله على أعمالي وقد كتبها علي مسبقا؟ فماذا فعل الإمام ؟

لم يقتله الشافعي أو يضعه في التنور بل حاوره.

وعندما تحاور إلامام ابو حنيفة مع الملحدين على ضفاف دجلة حول اعتقادهم بان الله لم يخلق العالم فماذا فعل ابو حنيفة؟

اتظنون انه رجمهم أو قطع رؤوسهم؟

لا ... بل ضرب مثلا سفينة صنعت نفسها بنفسها وعبرت النهر من دون قبطان... فلم يصدقوه، فقال: الا تصدقون روايتي وتريدون أن اصدقكم ان هذا الكون لا صانع له؟

هذان السؤالان:

هل هناك خالق للعالم؟

ولماذا يحاسبني الله على أعمال كتبها لي مسبقا؟

هما أكثر إلحادا مما تجرأ عليه ناهض حتر الذي شارك بكاريكاتير تعبيري عن الجنة نجده كل يوم على وسائط الاتصال الإلكترونية، فضلا عن انه تراجع عن مشاركته،

فاي إسلام هذا الذي يعتنقه هؤلاء القتلة؟ اهو من مخرجات وزارة الأوقاف التي ربما كان يعمل فيها القاتل أم من مخرجات وزارة التربية والتعليم؟

لدينا مشكلة حقيقية في الاردن تتمثل في خلافاتنا الشديدة حول كل شيء؛ خلافات عقائدية وسياسية واقتصادية وثقافية .... لماذا لا نتحاور حولها بعقلانية ولماذا لا تفتح وسائل الإعلام صفحاتها لنا للتحاور بدلا من التضييق على المتحاورين؟

ناهض لا يحتاج الى دعواتنا له بالرحمة، فالرحمة من عند الله لمن يؤمن بالله. وهو لا يحتاج الى اعتذار من رئيس الوزراء السابق لان الضرر الاعظم قد وقع. ولكنني ما زلت واثقا بان الأخطاء التي ارتكبتها الحكومة السابقة، بما في ذلك انتخابات البادية الوسطى، وتوقيع اتفاقية الغاز مع العدو الاسرائيلي في خضم تلك المعمعة، ينبغي الا تمر دون مساءلة من قبل الحكومة الحالية برئاسة الرزاز، لانه إذا لم تتخذ الحكومة الإجراءات الكافية لمعاقبة كل من حرض على القتل وسهل أمره وتستر على اتفاقيات مصيرية بالمليارات فسوف تتكرر الجرائم بحجة او اخرى. الحكومات تهوي وتتجدد ولكن العشائر قائمة وتشكل بنيان الدولة، شئنا أم أبينا، فيما يحافظ الهاشميون على التوازن بينها كي يظل الاردن عصيا على الفتن. لقد محا التاريخ من ذاكرته أسماء المجرمين القتلة الذين اغتالوا المفكرين ولكن أسماء المفكرين والمناضلين تبقى مثل فرج فودة وشكري بلعيد وناهض حتر فان ذكراهم باقية أبد الدهر.//