المواطنة البيئية في العقبة

 

د. نهاية القاسم

 

المواطنة البيئية كفلسفة ومفهوم ذي قيمة وبعد اجتماعي، تجسد في بعدها الوطني مسؤولية الانتماء المعززة بالمبادرات الفردية والجماعية في دعم المشاريع الوطنية بمختلف وظائفها وأهدافها، وتعضيد قدرات حصيلة منجزاتها التنموية والاجتماعية. وتمثل مؤشراً يحدد مستوى جاهزية ووعي الفرد والمجتمع بضرورة المساهمة المسؤولة والمتفاعلة مع الحدث الوطني بمختلف تجلياته، وهي بذلك تمثل وسيلة تفاعلية في استراتيجية بناء المبادئ والمسؤوليات والالتزامات الموجهة لبناء السلوك البشري وإنجاز أهداف التنمية المستدامة.

 

والمواطنة البيئية كمفهوم تتمثل في مجموعة القيم والعادات والتقاليد والأعراف والمبادئ والاتجاهات الإنسانية، التي تعزّز واقع الحقوق البيئية للجماعات البشرية في المناطق المختلفة من العالم، وتدعم قدرات وجود مقومات السلوك الأخلاقي والمسئولية الذاتية للفرد والمجتمع في تجسيد واقع الممارسات البشرية السليمة في العلاقة مع النظم البيئية ومكوناتها الأساسية، والتي يمكن أن تسهم في إيجاد وتأسيس قاعدة واعية قادرة على المساهمة الفعلية في الدفع باتجاه إقامة نظام عالمي أكثر عدلاً ومسؤوليةً في الدفاع عن المصالح العليا للإنسانية، والحفاظ على سلامة كوكب الأرض وتأمين سبل العيش الكريم للجماعات البشرية وتحقيق الأمن البيئي للإنسانية.

 

وترتكز المواطنة البيئية على جملة من القيم والعادات والتقاليد والموروث الشعبي للإنسانية، فيما يخص تنظيم العلاقة مع النظم البيئية ومقوماتها الأساسية، وكذلك القرارات والقواعد والأنظمة المعنية بحماية البيئة وتنميتها وتحقيق مبادئ التنمية المستدامة على الصعيدين الوطني والدولي، إلى جانب الحصيلة المعرفية والعلمية للإنسانية في الحقول المختلفة لنشاطات المجتمعات البشرية، وتتمثل منطلقاتها المباشرة في الدفاع عن المصالح الإنسانية وضرورات وجود مناخ بيئي ملائم تتوافر فيه مقومات وشروط الحياة الآمنة والعيش الكريم الخالي من المخاطر، والتأكيد على المصالح الوطنية العليا في السيادة وحقوق المجتمعات المحلية والسكان الأصليين والأجيال المقبلة في الانتفاع من موارد وخيرات بيئات بلدانها الطبيعية.

 

وللمواطنة البيئية أهدافها التي تحدّد نهجها الفكري المؤسس والمبني على أسس المنهج الواقعي لمفهوم المصلحة الإنسانية، ويمكن حصرها في تنمية الوعي والثقافة البيئية وتعميق السلوك الأخلاقي والمسئولية الذاتية للفرد والمجتمع في تفعيل السلوك البيئي الرشيد والعلاقة السليمة مع النظم البيئية، وترشيد عمليات الاستفادة من مواردها الطبيعية، وعقلنة القرار السياسي البيئي فيما يخص التخطيط الاستراتيجي في المجالات التنموية والاقتصادية، والصناعية والمشروعات الحضرية؛ وتعزيز واقع الشفافية البيئية وديمقراطية القرار البيئي؛ والمشاركة الاجتماعية في صناعة القرار البيئي، وإقرار حقوق المجتمعات المحلية البيئية وتكريس مبدأ العدالة الاجتماعية في الاستفادة من الموارد والخيرات البيئية؛ والتأكيد على أن حماية البيئة مسئولية مشتركة، وأن الحفاظ على الموارد الطبيعية وصون سلامة كوكب الأرض ضرورة موضوعية ينبغي توافرها من أجل البقاء، وتعميق اتجاهات العمل الهادف لوضع القواعد والأنظمة القانونية على المستويين الوطني والدولي، الكفيلة باستبعاد المخاطر التي تتسبب في إحداث الخلل العميق في توازن البيئة العالمية وتشكيل بؤر الخطر التي تهدد وجود وبقاء التجمعات البشرية، وإيجاد حركة بيئية فاعلة على المستوى الوطني والعالمي قادرة على تشكيل قوة ضغط حقيقية لردع مختلف أشكال النشاطات والسياسات والتجاوزات التي تسهم في وجود حالات التدهور والتدمير البيئي، وانتهاك حقوق الإنسان البيئية ومصادرة حقوق المجتمعات المحلية والسكان الأصليين في الاستفادة من الموارد البيئية لبلدانهم.

 

وينبغي القول إن ما جرى تحديده من أهداف يبقى قوالب جامدة وغير مجدية إن لم يكن هناك مناهج وطرق فاعلة لترسيخ مفاهيم وأسس المواطنة البيئية.

 

لا بد من وضع خطط وسياسات وطنية بيئية

 

من أهم المناهج الواجب توافرها وضع الاستراتيجيات والخطط والسياسات الوطنية والدولية في المجالات التعليمية والتربوية والتوعوية والإعلامية المعنية بتنمية الوعي وبناء القدرات والثقافة البيئية، وتعضيد مقومات القرار السياسي البيئي الحكيم على المستوى الوطني والدولي، الذي يضع في اعتباراته مصالح وحقوق المجتمعات المحلية البيئية وتجسيد نهج العمل لترسيخ مبادئ الأمن البيئي للإنسانية، إلى جانب الخطط الخاصة التي تهدف إلى تحقيق المبدأ الديمقراطي والمشاركة الاجتماعية في صناعة القرارات المصيرية على المستوى الوطني والدولي التي تسهم في إقرار المبادئ والقواعد القانونية والحقوق الإنسانية في الاستفادة العادلة من الموارد البيئية والعيش في بيئة خالية من المخاطر تتوافر فيها شروط ومقومات الحياة الكريمة.

 

كيف تتحقق المواطنة البيئية ؟

 

إن تحقيق ذلك مرتبط بوجود الوسائل العملية والمتمثلة في ضرورة وجود الحركة البيئية الفاعلة في مواجهة سياسات همجية الحضارة وسياسات التدمير البيئي، ووجود الشراكة الواعية والتعاون الدولي الموجّه في أهدافه لتشخيص وإيجاد قواعد نظام دولي ديمقراطي وعادل في حل المشكلات الدولية، يعترف بشكل فعلي بتنوع الثقافات وتعدد الحضارات، ويجسّد المنهج الواقعي في التعاطي مع حقوق مختلف الجماعات البشرية في السيادة على مصادر ثرواتها البيئية. وكذلك وجود المؤسسات البرلمانية التي تدعم الخطط والجهود الاجتماعية في إقرار الحقوق البيئية وجعلها واقعاً ملموساً في سياسات الدول، إلى جانب وجود المؤسسات والإدارات البيئية والرقابية التي ترتكز في عملها على القواعد والأنظمة والمقاييس والمعايير البيئية المنهجية والعملية وتسهم في تجسيد الحقوق البيئية للمجتمعات البيئية بشكل عملي وملموس.

 

لقد ارتبط مفهوم المواطنة تاريخياً بتمكين المواطن من الحصول على حقوقه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية في إطار عملية توزيع الموارد وصولاً إلى القيام بواجباته وأداء دوره الفاعل في المشاركة بصنع القرار وتولي المناصب وتحمل المسؤوليات، وارتبط مفهوم المواطنة بالسعي إلى الإنصاف والعدل والمساواة. يتم غالباً تحديد أبعاد المواطنة من خلال الدستور والقوانين التي تنظم العلاقات وتحدد الحقوق والواجبات والمسؤوليات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية بين الدولة والمواطنين وبين المواطنين بعضهم ببعض.

 

وبشكلٍ عام فالمواطنة هي عملية الاندماج الوطني الحقيقي للمواطن في بناء الدولة الحديثة، باعتبارها الإطار القانوني والسياسي لممارسة حقوقه وواجباته المختلفة.

 

لقد تطور مفهوم المواطنة على مر السنين، وتركز هذا التطور بشكلٍ أساسي في:

 

- فصل السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية ضماناً لعدم سيطرة فرد واحد أو جهة محددة على نظام الحكم.

 

- تطوير آليات ممارسة حق المواطنة بهدف زيادة فعاليتها وتأثيرها في الواقع حتى أصبحت مبادئ مستقرة وثابتة.

 

-  اتساع مفهوم المواطنة ليشمل الحقوق القانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وجميع ما يضمن حق المواطن في العمل والمشاركة والتمتع بثمارها.

 

الوطنية والمواطنة

 

الوطنية هي مفهوم يتضمن حب المواطن وإخلاصه لوطنه، وهي تشمل الانتماء إلى الأرض والمجتمع والقيم والعادات والتقاليد الخاصة به، والتفاني في خدمة الوطن.

 

ويبدو واضحاً من هذا التعريف أن الوطنية هي أعلى درجات المواطنة، و أن الفرد لا يكتسب صفة المواطنة بمجرد انتسابه إلى جماعة معينة أو دولة محددة، لكنه يكتسبها بالعمل الصالح وتقديم المصلحة العامة على مصلحته الشخصية، بحيث تصبح هي الأولى والأهم.

 

المواطنة البيئية

 

تعني المواطنة البيئية أن يكون المواطن متحمساً وواعياً للقضايا البيئية ذات الأهمية، ومستوعباً لأهم مسائلها ومتحفزاً لصون مكان عيشه والاهتمام بصحة كوكبه وملتزماً بالحفاظ عليه، وهذا ما يدفعه إلى المشاركة الفاعلة والمسؤولة تجاه قضايا البيئة ذات الأولوية في مجتمعه لرد كافة التحديات التي تواجه أجيال الحاضر وأجيال المستقبل .

 

المرأة والمواطنة البيئية

 

وتتحدد قوة المرأة في ممارسة المواطنة البيئية من خلال:

 

1- مدى تطور الأوضاع والظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والتنموية التي تتبناها الدولة.

 

2- الحركة المنظمة لزيادة الفرص المتاحة للمرأة ومشاركتها الإيجابية الفعالة وتحقيق المساواة بينها وبين الرجل.

 

 وفيما يتعلق بالمواطنة البيئية العالمية فإنها تسعى لإكساب المواطنين كافة المهارات اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة، وتحسين السلوك البيئي للمواطنين، وحماية البيئة من مخاطر المشاريع التنموية التي قد تضر بها و المساهمة في رفع مستوى المعرفة والثقافة البيئية بين عامة الناس، وتبادل المعارف بين الجهات المعنية .

 

و تعدد آليات تعزيز وتفعيل المواطنة البيئية التي من أبرزها  دراسة حالات التلوث البيئي المختلفة وتوجيه الأنظار إليها وتشجيع المواطنين على مواجهة التلوث الذي يتعرضون له والمحافظة على حقوقهم ومكتسباتهم البيئية و تكثيف حملات التوعية البيئية من أجل تفعيل دور المجتمع المحلي للاهتمام بالمشكلات البيئية ذات الأولوية، وحث المسؤولين على إيجاد الحلول المناسبة لهذه المشكلات.

 

 كما أن من أبرزها أيضا توظيف وسائل الإعلام ذات التأثير الكبير والمعروف على كافة شرائح المجتمع وصناع القرار في سبيل حل المشكلات البيئية ذات الأهمية، وتوجيهها نحو دورها الهام في إبقاء المشكلات البيئية ذات الأهمية ضمن دائرة الضوء.

 

ويضاف إليها إقامة الندوات والمحاضرات واللقاءات البيئية داخل التجمعات السكنية المتضررة بيئياً بهدف الضغط على متخذي القرار لاتخاذ ما يلزم لحل المشكلات البيئية ذات الأهمية , تشجيع المواطنين على تشكيل لجان بيئية محلية من خلال المتطوعين من الأهالي المتضررين، والعمل مع الجهات المعنية لإيجاد الحلول المناسبة لهذه المشكلات.

 

ويعد أبرز اساسيات تعزيزها تفعيل الدور الرقابي والتشريعي البيئي للجان البيئة و تشجيع الجمعيات الأهلية البيئية على التواصل الفعال مع الجهات المعنية بالبيئة، و ضمان وصول المعلومات البيئية إلى كافة المواطنين .

 

 ويشمل برامج المواطنة البيئية التوعية العامة خلال مختلف المناسبات الاحتفالية لنشر الوعي البيئي بين كافة شرائح المجتمع و التوجه نحو الفئات المستهدفة من خلال مناهج وبرامج تخصصية. بالإضافة الى التواصل وطنياً وإقليمياً ودولياً وطرح القضايا البيئية المشتركة.//