من يحق له التحدث عن النووي؟
من يحق له التحدث عن النووي؟
د. أيّوب أبو ديّة
تتكرر محاولات طمس الأفكار وسلبها مشروعية الحق في الكلام عن المشروع النووي بحجة أن هذا الشخص أو ذاك غير متخصص في الطاقة النووية. وهذا الكلام مجرد حجة واهية لعدة أسباب:-
أولاً، لإن اتخاذ قرار بشأن أي مشروع نووي، صغيراً كان أم كبيراً، يحتاج إلى قرار سياسي؛ والقرار السياسي يحتاج إلى استشارة عسكرية أمنية بالدرجة الأولى؛ بمعنى، هل يستطيع هذا البلد أن يتحمل مخاطر وجود مفاعل نووي على أراضيه؟ وهل يستطيع هذا البلد أن يحميه؟ وهل يستطيع هذا البلد أن يجابه أي كارثة نووية قادمة محتملة؟ إذاً يأتي هنا دور الخبير العسكري والأمني كدور أساس في صياغة القرار السياسي بشأن المشروع النووي وهذا بالتالي يؤشرعن تدخل تلك الاختصاصات البعيدة عن التخصص النووي في المشاركة بالحوار الدائر منذ عام 2007 حول هذا المشروع الذي أجمل ما قيل عنه أنه "عنزه ولو طارت".
وثانياً، لأن القرار السياسي يحتاج للبعد الاقتصادي؛ بمعنى هل هذا المشروع قابل للتمويل؟ وهل الكهرباء الناجمة عن هذا المشروع سعرها اقتصادي ينافس مصادر الطاقة الأخرى؟ وهل لدينا القدرة على التعامل مع النفايات النووية؟ وهل باستطاعتنا أن نؤسس صناديق ادخار لتفكيك وتنظيف مناطق هذه المفاعلات النووية بعد انتهاء أعمارها التشغيلية أي بعد 50 – 60 عاماً؟ إذ ينبغي ألا نترك هذه المفاعلات عبئاً على الأجيال القادمة لتقوم بتنظيف القاذورات المشعة التي نتركها من خلفنا على غرار ما فعل الاتحاد السوفيتي السابق في ألمانيا الشرقية وحوّل أجزاء كبيرة من أراضيها إلى مناطق مشعة وملوثة نتيجة تعدين اليورانيوم فيها لصالح الصناعة العسكرية السوفياتية والتي ما زالت تنفق عليها ألمانيا الموحدة اليوم ما يزيد عن مليار ونصف المليار يورو سنوياً لإعادة تأهيل تلك المناطق.
وثالثاً، لأن المواقع النووية بحاجة إلى دراسة بيئية مكثفة، لذلك فإن دور خبراء البيئة ونشطاء البيئية وممثلي المجتمع المحلي اساسي في اتخاذ القرار فيما يتعلق بالموقع الذي يتم اختياره، من حيث قربه من موائلهم وموارد رزقهم ومصادر المياه الجوفية أو السطحية أو مناطق الرعي وما إلى ذلك.
ورابعاً، لأن الجيولوجي وخبراء التربة والمياه والبيئة لهم دور في غاية الأهمية لتحديد مناطق النشاط الزلزالي وطبيعة التربة ومناسيب المياه الجوفية ونوعية الهواء والطبيعة المناخية للمنطقة من حيث درجة الحرارة وشدة الرياح واتجاهها ونحو ذلك.
وخامساً، لأنه عند اختيار موقع العمل فإن الأعمال الإنشائية للموقع وبخاصة الأعمال المتعلقة بقواعد المنشآت النووية وأبنيتها والمساكن والمكاتب المخصصة للعاملين فيها وخزانات المياه الضرورية لتبريد المفاعلات والغلاف الخارجي الذي يحمي المفاعل النووي؛ كلها عناصر من تخصص المهندس الإنشائي وليس المهندس النووي.
وسادساً، لأن أعمال الهندسة المدنية فيما يتعلق بالبنية التحتية على قدر من الأهمية من حيث الطرق اللازمة لإيصال المعدات الثقيلة للموقع، ومن حيث خطوط المياه الضرورية وحماية الموقع من الخارج وما إلى ذلك، فضلاً عن أعمال الكهروميكانيك التي تشكل عنصراً أساسياً في المحطة النووية، وبخاصة فيما يتعلق بشبكات التبريد وضخ المياه والتمديدات الكهربائية المرافقة لها وتحسين كفاءَة الشبكة الكهربائية وأنظمة الحاسوب والمراقبة وأجهزة إنذار الحريق والطوارئ وجميع ذلك وغيره من عناصر المبنى النووي الضرورية لإبقائه في حالة تشغيل سليمة ومستدامة.
وتقدر هذه الأعمال في مجملها والتي لا تحتاج إلى مهندسي طاقة نووية للإشراف عليها بأكثر من نصف تكلفة المشروع، لذلك تجدها في مقدمة أي أعمال هندسية نووية أخرى. وإذا نظرنا إلى نسبة التوظيف في المفاعل النووي فإننا نجد أن أي مفاعل نووي لا يحتاج إلى أكثر من بضعة مهندسين نوويين قد لا يزيد عن 2 – 4 في حال المفاعلات المتوسطة الحجم بينما يمكن أن يبلغ عدد المهندسين من تخصصات أخرى والفنيين بشكل عام من 200 – 400 موظف. إذا، فإن نسبة مشاركة المهندسين النوويين تقل عن 1% من أعداد العمالة في الموقع. ومن جهة ثانية فإن المفاعلات يتم تصميمها وتصنيعها في الخارج وتأتي كلاً واحداً متكاملاً لا يتجزأ ولا يتدخل في تصميمها أي مهندس نووي محلي إنما يتم التدريب على التشغيل ومراقبة التفاعل الإنشطاري وقياس درجة الحرارة في أثناء عمل المفاعل، وكما يتم التدريب على إجراءات الطوارئ والإطفاء ونحو ذلك من أمور. ويتم تدريب الجميع من قبل المورد لفترة تتراوح بين 10-20 سنة قبل أن يسلم أي من الموظفين المسؤولية.
خلاصة القول إن اخر شخص ينبغي أن يقرر مدى ضرورة المشروع النووي لأي بلد كان هو المهندس النووي، لذلك يقدم الخبراء في مجال اقتصاديات الطاقة تقاريرهم لصانع القرار مرفقاً بالتقارير الأمنية بالدرجة الأولى؛ لذا، ينبغي ألا يتدخل علماء النووي في شؤون مفردات المشروع النووي حتى النهاية وأن يعطوا الألوية كي يتصدر خبراء السياسة والاقتصاد والأمن ومهندسو الطاقة والاقتصاد والجيولوجيا والعطاءات والبيئة ورجالات القانون والتامين، بالإضافة إلى المجتمعات المحلية، فهؤلاء هم من ينبغي أن يقرر إذا كان أي مشروع نووي ينبغي أن يقوم هنا أو هناك. هكذا تسير الأمور في العالم المتقدم وهكذا ينبغي عليها أن تسير وإلا أصبح تدخل المهندس النووي في اتخاذ القرار تحيزاً لصالح المشروع وبالتالي عاملاً مهماً من عوامل فشله واحداث تشوهات في مقومات النجاح التي قد يحملها هذا المشروع في باطنه.//