أين المخرج؟!
العادة صدر التقرير السنوي للمركز الوطني لحقوق الإنسان، بخصوص العام 2017، وتضمّن بالإضافة إلى الرصد الدوري لحالة حقوق الإنسان والانتهاكات والشكاوى، مقدّمة مهمة، أصبحت تقليداً في هذا التقرير، تتوسّع في ربط حقوق الإنسان بالوضع الوطني العام، وبتحليل ومناقشة إشكاليات مهمة وأساسية.
في هذا العام اقترب التقرير بدرجة عميقة من الاشتباك مع إشكاليات مهمة؛ مثل حالة الفوضى في مواقع التواصل الاجتماعي والتجريح بحق الأشخاص الآخرين، ومسألة اغتيال الشخصية، وهو وإن كان يقرّ بأنّ هذه السلوكيات خارج إطار القواعد الأخلاقية والقانونية، إلاّ أنّها ترتبط – في المقابل- بأسباب واضحة من تفشّي الانطباع العام بتغلغل الفساد وغياب المساءلة والشفافية، ما خلق هذه الفوضى، التي لن تحدّ منها إجراءات قانونية وأمنية، بل تتطلب إصلاحات سياسية جوهرية، لا شكلية.
يتحدث التقرير في السياق عن العديد من الملفات المهمة ليصل إلى ما نتحدث به دوماً بأنّ هنالك اليوم 'تجمع فجوات' هائل، فجوة الثقة المنهارة بين السلطة والشارع، فجوات طبقية واقتصادية، بين المركز والأطراف، وخطورة مثل هذه الأوضاع تتأتى من وجود ظروف مالية واقتصادية سيئة جداً، مع معدلات بطالة غير مسبوقة، وتزايد 'المجاميع المهمشة' جغرافياً وسكانياً، وظروف إقليمية غير مطمئنة ومقلقة جداً، ما يعني أنّنا أمام استحقاق كبير يتمثل بتغيير المقاربة السياسية Shifting Paradigm، أي قلب الطاولة على الوضع الراهن، كما حدث في الـ89، وخلق معادلة جديدة ونقطة تحول حقيقية.
هذه النتائج المباشرة وغير المباشرة من قراءة مقدمة التقرير تقتضي شكر المركز بمجلس الأمناء والإدارة، لأنّهم يضيفون تعزيزاً وتأكيداً آخر على أهمية ما نتحدث عنه من وصولنا إلى مسار خطير، وهو ما أظهرته رسائل المحافظات تجاه المركز، وحالة السخط التي نلاحظها في كل مكان من حولنا.
الوضع الحالي لا يخدم أحداً، وأصبح فرصة لدى كثيرين لخلط الأوراق، فالمتهرب ضريبياً يستفيد من قصة الاحتجاجات على الضريبة، والنخب التقليدية تستثمر الغضب لتشكك في الحكومة الحالية، والمواطنون الساخطون يرون في هذه الحكومة استنساخاً للحكومات السابقة، بسبب مشروع الضريبة الحالي، ويختلط اغتيال الشخصيات وتشويه سمعة الناس بقصص فساد حقيقية، وتُربط قصة الكردي بقضية مطيع.
أصبحت حرية التعبير المطلوبة جزءاً من حالة فوضى حقيقية، وضربات متبادلة تحت الحزام، ودخلنا في تحشيد شعبي في المحافظات ضد الوفود الحكومية، فيمن يرفع مستوى التجريح والتنكيل بهم، ومن يتحدثون هناك فيهم المظلوم والمحروم والمحبط والوصولي، من يريد حياة كريمة حقّاً، ومن ينتظر فرصة عمل مرتبطة بسياسات ريعية لم تعد قائمة، من يريد العدالة في توزيع الفرص والتنافس على الموارد ومن يبحث عن ميزة خاصة..الخ.
وهكذا دخلنا في حلقات متشابكة ومعقّدة تزيد الأمر سوءاً، بينما هنالك جيش كامل من العاطلين عن العمل ونسبة كبيرة من المحرومين أصبحوا في حالة تحفّز، وهو الأمر المقلق في الأيام القادمة!
بالنتيجة؛ من الضروري أن تقرأ الحكومة ومؤسسات القرار المعادلة من هذه الزوايا والأبعاد المختلفة، بما يتجاوز هاجس تمرير مشروع الضريبة وحده، الذي يمثّل طوق النجاة للاقتصاد الوطني من نتائج وخيمة، إن لم نمسك به، ما يعني أنّنا أمام منعطف شديد جداً، بالفعل هذه المرّة. فوق ذلك كله فإنّ التحديات السابقة تتوازى مع تحديات أخرى خارجية لا تقل خطورة، فما العمل؟
الجواب بكلمة واحدة؛ الجبهة الداخلية، وهو السؤال الذي من المفترض أن يكون الهاجس الرئيس للمعنيين: كيف يمكن تغيير الوضع الحالي؟ ما هي القرارات والخطوات؟ وهي بالمناسبة بالدرجة الأولى سياسية وإصلاحية، قبل أن تكون اقتصادية ومالية؟ كيف يمكن استعادة الجبهة الداخلية يا سادة؟ (الغد)