الرزاز.. ثمة غضب عليك


وليد حسني

لم تكن بحجم الأمل الذي علقه الأردنيون عليك ذات يوم اشتهوا فيه رؤية بعض مطالبهم تتحقق، يومها انفض السامر على الدوار الرابع، وهدأت الحارات وكأنها لم تكن تضج بالصارخين، والمعاتبين، والمحتجين، وكأن سفينة الأردنيين جميعهم استوت هانئة هادئة على قمة أمل كنت انت تقف على رأسها.

وبدون ان ينبس الأردنيون ببنت شفة، وكأنهم محكومون بالتخاطر عن بعد اجمعوا ليلتهم على ان يمنحوك مهلة طويلة الأجل ليعرفوا غثك من سمينك، وكنت انت اكثر الأردنيين فرحا بتلك الفرصة التي جاءتك على طبق من ذهب، يومها اعلنت في البوادي وفي القفار أنك حصلت على" عطوة" ستمنحك المزيد من الطمانينة لتنقلها لشعبك الذي ظل ساكنا وهادئا يلوك حجارة بؤسه ولا يئن تحت وطأة القيظ الاقتصادي، ولا يشتكي من طول امد الصبر الذي عاشه.

اليوم لا يبدو ان لدى الأردنيين ما يخسرونه أكثر مما خسروه في سنواتهم العجاف الماضيات، حكومات تتقن الإنقلاب على الناس، وحكومات تتقن الكذب والخداع، وحكومات تحترف سلخ المواطن حيا بعد ان تحول لشاة حلوب، ولم تعد مقولة اسماء ذات النطاقين لإبنها عبد الله"لا يضير الشاة سلخ جلدها بعد ذبحها " تصدق على حالة الأردني الذي صار يخاف انبلاج الصبح حتى لا يسمع بقرارات جديدة تورده موارد الهلاك، او تجره من ياقة قميصه غصبا وتدفع به الى الظلمات التي تتزاحم بعضها فوق بعض.

واليوم ليس للأردني ما يعزيه لما وصل اليه الحال، فبالأمس القريب كنت ايها الرئيس عنوانا في صحن الأمل، واليوم صرت شوكة في صحن الألم، وليس لك اليوم مما حظيت به بالأمس غير ذكريات ستعيش عليها ردحا من الزمن قبل ان تنفلت من عقال الملامة والعتاب الى عالم الندم والغياب.

سيقول الأردنيون لك ذات صبح قريب "أرحل.." سيهتفون بآخر ما تبقى لهم من قوة في الصوت وثقة بالموت"ارحل.." فالقصة التي بدأت لم تعد تحتمل النهايات السعيدة، ولن يتزوج البطل بالجميلة الفقيرة، ولن تكون نهايات شهرزاد وشهريار بعض ما يؤنس وحشة الأردنيين منك ومن سياساتك التي اعتمدت القهر والتسويف، حتى إذا ما أطلَّ الوعد إذ هو "سرابٌ بِقِيعةٌ يحسبه الظمآنُ ماءً "، فلا بك استوى الوعد، ولا بوعدك استقام الرشد..

 

بالأمس كنت المُقبلُ بالأمل، واليوم صرت مُدبراً، لا نعرف منك غير ما فقدناه منك واضعناه فيك، وقد أردناك عنوانا جديدا في مرحلة جديدة يعلو فيها صوت المواطن على صوت الموظف، فإذا كل هذا السراب مجرد أيامٍ خدَّاعات اشترت حكومتك فيها الوقت، وبدلا من أن تكون مطالب الناس لك نبراسا صيَّرها بعضُ وزرائك لهم مداسا، فعميت القلوب التي في الصدور، وظل المواطن مُسَمَّراً على شعبتين، واحدة تنغرز في قلبه، والثانية تلوكه كما يلاك السن في العجلة، فأيان المفر، وقد تباعدت المسافات، وتغيرت السياسات وغاب العقل، وانتزع الرشد من الناس، فبات الأول يلحق بالثاني صارخا "انج سعد فقد هلك سعيد ".

ستسمع الناس وهي تصرخ في أذنيك "ارحل " .. وستسأل نفسك من فرط فجيعتك "إلى أين وقد طغى السيل حتى غاصت الركب"..

لكن ثق تماما أن الأردنيين يتقنون مد أياديهم لمن لم يف بوعوده، ويتقنون اكثر مهمة مد القشة للغريق...

فهذه عاداتهم.. يتقنون الصبر وينصرون الضعيف، ويقيمون العدل فيهم إن لم يجدوا من يحفظ لهم الود، او يفي بالوعد..

ارحل.. صوت سيهدر خلفك وامامك ذات يوم تراه بعيدا ونراه قريبا..//