"الغاز الإسرائيلي" يتآمر على المفاعل النووي

 بلال العبويني

أصابع الاتهام تتحرك مباشرة تجاه "إسرائيل" بالوقوف وراء تعطيل المفاعل النووي الأردني، وثمة تخوفات مسبقة أبدتها تل أبيب تجاه المشروع؛ ليس من ناحية الردع العسكري بكل تأكيد، لأنه مشروع سلمي؛ بل من ناحية ما يحققه للأردن من استقرار على صعيد الطاقة التي تشكل التحدي الأكبر للاقتصاد الوطني.

من المؤكد أن امتلاك الأردن برنامجا نوويا سلميا لا يصب في صالح "إسرائيل"، التي تعمل على إبقاء دول المنطقة متخلفة تجاه هذه العلوم على وجه التحديد وتسعى لإبقائها غارقة في مشاكلها السياسية والاقتصادية لاسيما المتعلقة منها بالطاقة باعتبارها الورم الذي يضغط على عصب الدول.

لذلك وبشكل مباشر، كانت اتفاقية الغاز مع "إسرائيل" سببا مباشرا في التراجع عن المفاعل النووي، وربما شكلت ضغطا كبيرا من أجل وأد فكرة المفاعل وإفشاله، ذلك أن الغاز المستورد سيستخدم في توليد الطاقة الكهربائية كما هو مقرر في حين أن تلك الطاقة كانت من المفروض أن يوفرها المفاعل النووي.

الاتفاقية ربما جعلت بعض الأطراف في الدولة تفكر أن لا حاجة لمفاعل نووي ولا حاجة لتخصيص أموال باهظة من أجل إقامة مفاعل نووي، ما دام أن هناك غازا سيتم استيراده بكمية تقدر بحوالي 220 مليون قدم مكعب يوميا لمدة 15 عاما، وهي كمية كبيرة، على أي حال،لا أحد حتى اللحظة فسر الكيفية التي سيتم التعامل فيها مع الفائض.

ثمة مشكلة دائما تتكرر عندما لا تفكر الحكومات بالقيمة الإستراتيجية لمشاريع تتعلق بالطاقة على سبيل التحديد مثل مشاريع الصخر الزيتي والتي تتغاضى الحكومات عنها بذريعة أن كلفة استخراجه أعلى من أسعار استيراد الغاز، في فهم قاصر على ما يبدو لأهمية أن تحقق الدول حاجتها أو بعضا منها مما لديها من ثروات، ما يعزز استقلالها الاقتصادي وبالتالي السياسي.

لكن وعلى الرغم من مؤامرة "الغاز الإسرائيلي" على المفاعل النووي، إلا أن ثمة قيمة كبيرة للبرنامج النووي الأردني يتمثل بالمفاعل البحثي للتدريب في جامعة العلوم والتكنولوجيا، وما لدينا من عقول نووية تم ابتعاثها للدراسة في أعرق جامعات العالم المتقدم بالعلوم النووية.

وهؤلاء يعول عليهم مستقبلا في النهوض بالعلوم النووية وفي خدمة المفاعل النووي الأردني للأغراض السلمية للاستفادة منه في مختلف المجالات وليس فقط ما تعلق بالطاقة.

اليوم، ثمة قيمة أخرى تكمن في مركز"ضوء السنكروترون" والذي يعد الأول في المنطقة كلها، وهو مخصص في العلوم الحياتية وبحوث الفيزياء والكيمياء وعلم الآثار، ولدينا قيمة أخرى أيضا تتعلق بقدرة المفاعل البحثي في تلبية حاجات المستشفيات من النظائر المشعة.

وكذلك فإنه سيكون لدينا مفاعلات نووية صغيرة الواحد منها قادر على إنتاج من 100 إلى 600 ميغا واط كهرباء، وتكمن أهمية هذا النوع من المفاعلات في أنها ستكون أكثر أمانا إذا ما حدث أي طارئ وأدى إلى تعطل إحداها فإن الأخرى ستظل تعمل إلى حين إصلاح المتعطل وإعادته للخدمة.

لذلك، لم تخسر الدولة من جراء التراجع عن المفاعل النووي الكبير بل كسبت كثيرا، ولعل أهم ما اكتسبته هو القوة البشرية المتخصصة والمدربة للتعامل مع المفاعلات النووية وفي قدرتها على تخريج أجيال متخصصة مستقبلا للاستفادة منها سواء في المفاعلات النووية الصغيرة أو في الصناعات الأخرى التي سترتكز على النووي وعلى ما لدينا من مخزون استراتيجي عظيم من اليورانيوم.

اتفاقية الغاز الإسرائيلي، هي بالدرجة الأولى التي تآمرت على المشروع النووي الأردني، وهي ما يجب أن تتوجه إليها المعارضة لغايات إلغائها باعتبارها سيفا مسلطا على رقابنا مدة 15 عاما، وعلى المعارضين للمشروع النووي سواء عن دراية أو غير دراية العلم أنهم يخدمون بشكل أو بآخر الغاز الإسرائيلي ولا يخدمون المشروع النووي الأردني والتي تسعى "إسرائيل" لعرقلته.

لذلك، يجب الدفع باتجاه أن يستمر البرنامج النووي والمفاعل النووي باعتباره قيمة استراتيجية وطنية لا يمكن المساومة عليها بأي سلعة أخرى مستوردة مهما كانت الجدوى الاقتصادية منها.

ثرواتنا يجب أن نستغلها دون النظر إلى الكلفة ودون مقارنتها مع المستورد، وهذه القناعة يجب أن تظل راسخة مثلما يجب أن تظل القناعة حاضرة أن "إسرائيل" لا يمكن أن تتمنى لنا الخير أبدا، وهذا واقع وليس شعارات.