لماذا وصفي؟

لماذا يحب الأردني وصفي التل؟.. ليس لأنه استشهد فقط أو قدم روحه لأجل البلد .. ولكن لأن وصفي كان مختلفا تماما، عن مشاريع الرؤساء أو تكوينهم .. أو ثقافتهم، أو حتى شكل خطابهم.

وصفي بنى منزله في الكمالية بيده، وكل شجرة موجودة فيه هو من قام بزراعتها، وقد أمضى سنوات وهو يجلب الحجارة من الشمال.. وصمم كل زاوية فيه بنفسه، كان محترفا في تقليم الأشجار وتطعيمها، ومعرفة أنواع الزيتون.. والحمضيات واللوزيات ومدى مناسبة التربة لها..

وصفي كان مقاتلا في جيش الإنقاذ، وخاض معارك شرسة مع العصابات اليهودية، وكان خبيرا في السلاح.. لدرجة أنه حين تقرر إدخال البندقية (م16 (إلى الخدمة في الجيش الأردني هو من جربها وأعطى ملاحظاته المتعلقة بالطول والإرتداد.. وكيفية التدريب عليها.

وصفي قرأ التاريخ العباسي كاملا، قرأ التاريخ الأموي.. قرأ أنطوان سعادة، قرأ الثورة الفرنسية، وكان يؤمن بخصوصية بلاد الشام ودورها التنويري في العالم العربي، كان يؤمن بدمشق كحاضنة ومرجعية.. وكان يتقن الإنجليزية بطلاقة مفرطة، وقرأ مؤلفات شكسبير، باللغة الأصلية.. لكنه لم يتباهى بذلك، لم يطل على الأردنيين من زاوية الشهادة الدراسية، أو اللغة.. لم يكن برجوازيا، لم يتورط بالكوميشن والتجارة.. أطل على الشعب من زاوية القلب والحب والرجولة فقط.

وصفي التل، خلق مجتمعا زراعيا.. ففي عهده كان لدينا اكتفاء ذاتي من القمح والشعير واللوزيات.. كان يؤمن بأن عمان الغربية هي من أهم نماذج المجتمعات الزراعية الناجحة، لهذا كان ضد عملية التوسع العمراني فيها.. حتى مكان الجامعة الأردنية الحالي اعترض عليه واعتبره، تهديدا للثروة الحرجية.. كان يملك تصورا لدولة بهوية زراعية، وبمجتمع منتج لديه الإكتفاء الذاتي.

وصفي التل، كان يؤمن بضرورة الثقافة والبارود، لهذا ترك في منزله المئات من الكتب والعشرات من البنادق، فلا فرق لديه بين فوهة القلم وفوهة البندقية.

لم ينجب أولادا، لكنه ترك خلفه مليون إبن.. ومليون عاشق والألوف من الناس التي تعبر طريق الكمالية كل يوم، وحين ترى الضريح تترحم على قبره.. وتدعو له.

لهذا.. أنا أعرف أنه لن يتكرر.. وأعرف أنه لن يعود، ولكني فقط .. وددت أن أكتب عنه هذا الصباح.

Hadi.ejjbed@hotmail.com

الرأي