العراق بين مطرقة العقوبات الأمريكية على طهران وسندان الاحتياجات الأساسية

 تشكيل الحكومة العراقية  يؤجج "الصراع" الأمريكي-الإيراني

 

 

 عواصم ووكالات – الانباط :- مامون العمري

 

حليفان متساويان في الحضور على الساحة السياسية والاقتصادية العراقية ،والأزمة المولدة في بغداد اليوم أين ستقف من الصراع بعد فرض واشنطن للعقوبات الاقتصادية على ايران ،والأخيرة وردت خلال العام 2017 نحو 15%من إجمالي وأردت العراق وبحجم 12 مليار دولار .

واشنطن حذرت وهددت مع إقرار العقوبات من إن هناك عواقب ستواجهها الدول التي لا تحترم العقوبات،ليأتي الرد من حكومة تصريف الأعمال التي يرأسها حيدر العبادي في البداية إن بغداد ستحترم كافة العقوبات الأمريكية.

 

في عدد اليوم الانباط تبحث في موقف بغداد التي لا تحسد عليه وعلى ساستها الذين يبحثون تشكيل حكومة جديدة في الوقت الذي يتواجد فيها المبعوث الأمريكي لبحث تشكيل الحكومة وقائد الحرس الجمهوري الإيراني قاسم سليماني لذات المهمة ،وعلى وقع كل ذلك فإن الاحتجاجات الشعبية على سوء الأوضاع الاقتصادية تشكل تحدي آخر ،وكرة الثلج المتدحرجة يوما فيوم تكبر .

الإنباط ترصد من بغداد أيضا أن وفدًا عراقيا سيسافر إلى واشنطن لطلب إعفاءات من تطبيق العقوبات، لكنهم لم يفصحوا عن موعد الزيارة،وقال مسؤول بالبنك المركزي العراقي “الحكومة تخطط لطلب إعفاء من واشنطن. سيحدث هذا قريبا”،وامتنع مسؤول في مكتب العبادي عن التعليق، ويخشى المسؤولون العراقيون من حدوث نقص في سلع أساسية إذا التزمت بغداد بجميع العقوبات. فقد يسبب ذلك اضطرابًا سياسيًا في وقت دقيق تشهده الساحة السياسية العراقية.

 

ويقول المسؤولون إنهم يطلبون من كل وزارة أن تضع قائمة بالواردات الضرورية للاقتصاد العراقي. وسيجري طلب إعفاءات لتلك السلع.

واستهدفت العقوبات الأمريكية التي دخلت حيز التطبيق في وقت سابق من الشهر الجاري تجارة إيران في الذهب وغيره من المعادن النفيسة، ومشتريات طهران من الدولار الأمريكي وقطاع السيارات في البلاد. وسيبدأ سريان بقية العقوبات في نوفمبر تشرين الثاني.

كان العبادي قال إن العراق سيظل يحترم المطلب الخاص بمشتريات الدولار الأمريكي، والذي يمثل جزءًا رئيسيًا من العقوبات وأحد المطالب الأكثر صعوبة على الشركات، في ضوء صفقات الطاقة وغيرها من الاتفاقات التجارية الكبيرة.

ويعني هذا أنه لا يمكن للبنوك والحكومة العراقية الدفع لحكومة إيران أو كياناتها بالعملة الأمريكية.

وقال مسؤول بالبنك المركزي إن البنك وزع تحذيرًا على المصارف الخاصة للالتزام بالحظر المفروض على التعاملات بالدولار لكنه سيسمح بإجراء التعاملات باليورو.

وأراد عدد من الدول الأوروبية، من بينها فرنسا وبريطانيا وألمانيا، أن تلتزم الولايات المتحدة بالاتفاق النووي العالمي. ويعكف الاتحاد الأوروبي على الحفاظ على التجارة مع إيران.

وقال مسؤول ثان بالبنك المركزي العراقي “ما شجعنا هو موقف دول الاتحاد الأوروبي تجاه إيران فيما يخص العقوبات الأمريكية. إنها (الدول الأوروبية) تواصل التعامل مع إيران باليورو فلماذا لا نفعل؟

تؤثر العقوبات بصفة خاصة على الشركات التي تجري عمليات في الولايات المتحدة. وقال ترامب إن أولئك الذين يجرون أنشطة في إيران لن يستطيعوا القيام بأنشطة في الولايات المتحدة.

لكن دبلوماسيًا غربيًا في بغداد قال إن معظم الشركات الخاصة في العراق لن تتضرر نسبيًا من العقوبات.

وقال “الكثير من الشركات العراقية ليس لها استثمارات أمريكية، ولا تتعامل بالدولار الأمريكي. تلك (الشركات) بمقدورها مواصلة التعامل مع إيران دون مشكلات”.

وقال مسؤول بوزارة التجارة العراقية لرويترز إن شركات الطاقة والبناء والسيارات التي تديرها الحكومة والقطاع العام هي التي ستواجه ضررًا أكبر.

وقال “نعتمد بشكل أساسي على إيران كمصدر لمواد البناء والسيارات، بما في ذلك قطاع الغيار، بسبب انخفاض الأسعار وسهولة الشحن عبر الكثير من المنافذ الحدودية المشتركة”.

حتى وإن تعهدت الحكومة بالامتثال لبعض العقوبات، فقد يكون من الصعب تنفيذ ذلك.

وربما يظل التجار المحليون سعداء بالتعامل مع نظرائهم الإيرانيين بسبب رخص أسعار السلع نتيجة انخفاض قيمة الريال الإيراني مقابل الدولار الأمريكي وقوة العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين.

وقال باسم أنطوان الاستشاري الاقتصادي العراقي البارز وعضو اتحاد رجال الأعمال العراقيين إن من المستحيل على الحكومة أن تمنع تدفق السلع الأولية الإيرانية عبر حدود مشتركة تزيد على 1300 كيلومتر بين البلدين.

وأضاف أن إيران ستستغل كل خيار متاح للمحافظة على تدفق الصادرات، بما في ذلك مساعدة الجماعات المسلحة الحليفة لتأمين ما يمكن أن يُطلق عليه “التهريب المنظم "

بالعودة الى موقف حيدر العبادي ربما تضرر بعدما أعلن عزمه الالتزام الكامل بالعقوبات الأمريكية. وقد يدعم هذا منافسيه الأكثر موالاة لإيران، والذين وجهوا انتقادات شديدة لقراره.

ويقول بعض الدبلوماسيين الغربيين إنه يجب على العبادي الآن أن يجد حلاً وسطيا للموازنة بين المصالح الأمريكية والإيرانية.

 

وقال الدبلوماسي الغربي “هناك مخاوف من أن تجبر واشنطن العراق على تحديد موقفه ‘إما معنا أو ضدنا‘”.

وأضاف “يجب ألا يجبروا العراق على تحديد هذا الاختيار”.

العبادي أن يبين موقفه الملتبس والصعب تجاه المسألة، فأضاف قائلا «إن موقف العراق ضد العقوبات الاقتصادية على إيران، لأنه دفع اكبر ثمن لعقوبات ظالمة فرضت ‏عليه مدة 13 عاما، ولأن فرض العقوبات الاقتصادية على الدول لا تضعف الانظمة، بل تضعف ‏الشعوب، ولا تجوز معاقبة شعب كامل وتجويعه بسبب عمل سياسي، إننا لا نتفاعل ولا نتعاطف مع العقوبات الاقتصادية ضد إيران، وهي غير صحيحة، لكننا ‏سنلتزم بها لأننا لا نريد أن نعرض مصالح العراقيين للخطر».‎ وتابع، «الحصار والعقوبات تدمر المجتمعات ولا تحقق اهدافها، ونحن سنقف مع المظلومين ‏والمستضعفين، ولكن شعبنا أيضا يحتاج أن نقف معه، لا أن نقف مع المستضعفين، وننسى شعبنا فمسؤوليتنا أمام الله هي رعاية شعبنا».

 

وجاء الرد الايراني على تصريح العبادي، عنيفا وسريعا ‏من نائبة الرئيس الإيراني معصومة ابتكار الجمعة 10 اب الجاري، إذ طالبت الحكومة العراقية بدفع تعويضات للأضرار التي لحقت بالبيئة نتيجة الحرب التي اندلعت بين البلدين خلال الثمانينيات من القرن الماضي، وقالت ابتكار في تغريدة لها عبر حسابها على موقع تويتر «يجب إضافة التعويضات البيئية لحرب العراق والحرب الكويتية والأضرار التي لحقت بالخليج، وتُقدّر بمليارات الدولارات».

 

من جانبه جاء تصريح رئيس الجمهورية فؤاد معصوم بالضد من تصريحات رئيس وزرائه، ففي تصريح اعلامي قال معصوم «إن ظروف العراق وطبيعة علاقاته مع إيران تجعل من الصعب عليه الالتزام بتنفيذ العقوبات التي ‏تفرضها واشنطن على طهران‎.»‎ كذلك جاءت تصريحات الطيف السياسي الشيعي المعروف بقربه من النظام الايراني كلها رافضة للعقوبات الأمريكية ومطالبة بعدم الالتزام بها بدون أن يشرح الساسة الذين تبنوا هذا النهج فحوى آليات تعاملهم المستقبلي مع الادارة الامريكية، وكيفية مواجهة غضب الرئيس ترامب عليهم في حال رفضهم العقوبات. وقد استقبل نائب رئيس جمهورية العراق، رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي يوم 8 اغسطس – اي بعد يوم واحد من تصريح العبادي – السفير الإيراني لدى ‏العراق ايرج مسجدي، وبحث معه مستجدات الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة، ‏وعلى رأسها العقوبات الامريكية، ‎ وطالب المالكي الحكومة العراقية بأن لا «تكون طرفا في العقوبات الأمريكية على إيران‎.»‎ وشدد في بيان ‏رسمي صدر عن مكتبه، وتناقلته وسائل الإعلام على موقفه الرافض للعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، داعياً ‏المجتمع الدولي إلى رفض «سياسة التجويع» التي تفرضها الولايات المتحدة على الشعوب‎.‎

 

وطالب تحالف «الفتح» أبرز حلفاء طهران في العراق والممثّل السياسي لفصائل الحشد الشعبي حكومة العبادي بموقف صريح مساند ‏لإيران ضد العقوبات‎.‎ وجاء ذلك في بيان رسمي للقيادي في تحالف الفتح حسن سالم يوم 8 اب ، قال فيه «يتوجب على الحكومة العراقية من باب ‏الوفاء ورد الجميل أن تقف مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية موقفا شجاعا ومبدئيا، لمساندة الشعب ‏الإيراني الذي قدم الأرواح والمال والسلاح في محنة العراق الأمنية، بدخول عصابات داعش».‎

 

أما عمار الحكيم رئيس تيار الحكمة فقد صرح في شأن العقوبات الأمريكية على إيران بشكل حاول أن يبدو عقلانيا في وسط موجة هياج تلف المنطقة، إذ قال في تصريح رسمي «لقد أكدنا مراراً أن التصعيدَ في العلاقة بين الولايات المتحدة والجمهوريةِ ‏الإسلامية الإيرانية، لا يصب في مسارِ تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، وتحقيق تطلعاتِ شعوبها ‏في التنميةِ والازدهار»‎.‎ وطالب بالتوجه نحو حوار جدي بين إيران والولايات المتحدة ومغادرة سياسات التصعيد وتجويع الشعوب. من جانبه صرح الشيخ همام حمودي رئيس المجلس الاسلامي الاعلى المقرب من إيران، تصريحا حادا في هذا الشأن فذكر «‎أن حماقات الرئيس الامريكي دونالد ترامب طوال فترة حكمه، فتحت جبهات خلافية كثيرة وخلقت ‏مشاكل عميقة حتى مع حلفائه»، وأضاف أن «فرض الحصار على إيران هو جزء من مخططات كبرى ‏لإثارة الفوضى في المنطقة وابتزاز ثرواتها»، كما دعا لـ»إدانتها وعدم الالتزام بها‎»‎.

 

موقف الكرد كان متسما بالتردد والخوف وعدم الحسم والوضوح، تجاه مسألة العقوبات الامريكية، فهم يخشون غضبة الرئيس ترامب الهوجاء، وهم مازالوا يلعقون جراح فشل محاولتهم الانفصالية، بالإضافة إلى الكثير من المشاكل التي يعاني منها الأقليم ‏على المستوى الاقتصادي والسياسي، لذلك جاءت تصريحات الساسة الكرد خجولة وغير واضحة، وتحاول أن تتمترس خلف موقف بغداد، التي طالما اتخذوا مواقفهم بالضد من رغباتها سابقا، لكن الكرد اليوم في طور الانحناء لعاصفة العقوبات الامريكية، التي قد تصيبهم بخسائر تضاف الى خسائرهم. فقد أكد رئيس حكومة اقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، في مؤتمر صحافي يوم 7 أب، على «أن موقف ‏حكومته تجاه العقوبات الامريكية على إيران سيكون باطار الموقف العراقي».‎ واضاف أن «العقوبات الامريكية على إيران ليست واضحة المعالم بعد بالنسبة لكردستان، وأن ‏موقف الأقليم بطبيعة الحال سيكون ضمن اطار الموقف الرسمي للعراق».‎

أما الكتل السياسية السنية، فلم يصدر عنها أي تصريحات مؤيدة أو رافضة للأمر، وقد وصف موقفها بانه نأي بالنفس عن أي تصريح واتخاذ موقف المراقب الحذر، حتى الاحزاب والكيانات السياسية المعروفة بعدائها الشديد لإيران، ارتأت أن الحكمة في مواجهة أزمة بهذا الحجم والتعقيد تكمن في الصمت والنأي بالنفس وترقب تطورات الاوضاع، حتى تفصح الامور عن نفسها في مقبل الأيام.‎

قال الخبير السياسي العراقي، إبراهيم السراجي، إن التزام بغداد بالعقوبات الأمريكية المفروضة على إيران وتركيا سيوقع ضررا كبيرا على الاقتصاد العراقي، مشددا على أن موقف بغداد في ظل هذه العقوبات الصارمة صعب جدا على المستويين السياسي والاقتصادي.

وذكر السراجي، إن "العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران وتركيا ستؤثر بشكل سلبي كبير على العراق، فحجم التبادل التجاري بين بغداد و طهران يفوق 13 مليار دولار سنويا، ناهيك عن وجود شركات وتجهيزات إيرانية في مجال النفط، والغاز، والغاز المسال، والإمداد الكهربائي لغالبية المحافظات".

وأضاف السراجي "في حال التزم العراق بالعقوبات الأمريكية [وهو الموقف الرسمي المعلن] فإن اقتصاده سيتضرر بشكل كبير جدا، بالإضافة إلى أن البضائع الإيرانية، والتركية تمثل ثلثي السوق العراقية"، موضحا "يمكن أن تحدث أزمة غذائية على سبيل المثال في المحافظات خاصة الجنوبية، وهذا سينعكس بشكل سلبي جدا على الحياة اليومية للمواطنين".

وأوضح الخبير السياسي أن "العراق في موقف صعب جدا، مشيرا إلى أن رئيس الوزراء حيدر العبادي صرح قبل أيام بأن بغداد ستلتزم بالعقوبات، وعلى الجانب الآخر هناك كتل كبيرة وأحزاب سياسية ضد هذه العقوبات، وتعتقد أنها ستؤدي لتجويع الشعب العراقي أيضا، وليس فقط الإيراني".

وعن موقف الحكومة العراقية من الالتزام بالعقوبات الأمريكية، قال السراجي "العبادي قال إنه سيلتزم، وهناك اتفاقيات سياسية واقتصادية بين بغداد وواشنطن، فالعبادي الآن في موقف حرج جدا، هناك ضرر كبير جدا سيقع على الاقتصاد العراقي، ولا يوجد لدى بغداد بديل عن التعاون مع إيران، وأيضا فإن الدعم الأمني الإيراني الكبير للقوات العراقية خاصة الحشد الشعبي سيتأثر، وسيؤثر على سير العمليات الأمنية والعسكرية".

وأوضح السراجي "من جانب آخر فإن تصريحاته أثارت تحفظا إيرانيا، فقد اعتبرته طهران غدرا بها وهي التي قدمت الكثير للشعب العراقي خاصة في حربه ضد تنظيم داعش الإرهابي.

وأضاف الخبير السياسي أنه بالتأكيد لا يمكن للعراق أن يقف ضد الإدارة الأمريكية وحيدا، ولا يستطيع العبادي أو غيره أن يقول إنه لن يلتزم بالقرارات الأمريكية، متابعا "الإيرادات النفطية للعراق توضع في حسابات بالبنوك الأمريكية، وهذا يعني أن الإدارة الأمريكية تعرف كيف تعاقب العراق على أي تعامل مع إيران، أو كسر للحصار الذي فرضته ضدها".

ولفت السراجي إلى أن "موقف الحكومة العراقية ضعيف جدا، فلا تستطيع أن تقول لا للإدارة الأمريكية، وأيضا موقفها صعب جدا مع إيران، والجانب الأمريكي سيصر على التزام العراق الكامل بقرارات حصار إيران، مع العلم بأن إيران ستخرج من هذا الحصار، فنحو 80% من نفطها يباع لدول لا تعترف بالقرارات الأمريكية مثل كوريا الشمالية، والصين، والهند، وغيرها".

وعن الاختلاف الذي نشهده اليوم في ظل الضغوط الأمريكية عما كانت عليه قبل رفع العقوبات بعد توقيع الاتفاق النووي في يوليو/ تموز 2015، قال السراجي "لم تكن العقوبات قبل 2015 مثل اليوم، فالتحفظ الأمريكي الكبير والضغط من جانب شركاء الولايات المتحدة مثل "إسرائيل"، والسعودية، ودول الخليج الفارسي على إيران كبير جدا، الولايات المتحدة لم تطلب من العراق قبل 2015 الالتزام بالعقوبات".

وأضاف السراجي "لم يغير العراق سياسته الاقتصادية، ولم تجبره العقوبات على ذلك قبل 2015، والآن سيلتزم، بالإضافة إلى أن الإدارة الأمريكية الآن أدرجت مصرف البلاد الذي يديره آراس حبيب، رئيس المؤتمر الوطني العراقي، على "لائحة الإرهاب"، لتعاملاته الكبيرة مع إيران، وللمرة الأولى يدرجه البنك المركزي العراقي على القائمة السوداء، ويحرمه من هذه التعاملات، لذلك الوضع الآن مختلف تماما".

وعن بدائل التعاون التجاري والاقتصادي المطروحة أمام العراق، قال السراجي "سمعنا أن الولايات المتحدة اقترحت على الحكومة التعامل مع السعودية مثلا كبديل عن إيران في السوق العراقية، ولكن هذا يحتاج لفترة من الزمن، ناهيك عن الرفض الشعبي للبضائع السعودية، ومنع شرائها من قبل بعض الحكومات المحلية [خاصة محافظات الجنوب] التي رفضت دخول البضائع السعودية إليها، فلا يوجد لدينا بديل حقيقي عن إيران، وأيضا في مجال الربط الكهربائي، فإيران أكبر مورد لمحطات الكهرباء، ومواد تشغيل المولدات الكهربائية".

وقال السراجي "لا يمكن للسعودية أو الدول الأخرى أن تكون بديلا فوريا لإيران في العراق، ولا يمكن قطع البضائع الإيرانية بين ليلة وضحاها".

وعن إمكانية تغير موقف العراق من التزامه بالقرارات الأمريكية حال تغير رئيس الحكومة مستقبلا، أكد السراجي "التأثير الأمريكي على صناعة رئيس الوزراء، أو على الأقل إعطاء تعليمات لرئيس الوزراء كبير جدا، ولا أعتقد أنه يمكن لأي رئيس وزراء حتى لو تغير العبادي أن يتخذ قرارات ضد الإرادة الأمريكية".

 

تشكيل الحكومة العراقية  يؤجج "الصراع" الأمريكي-الإيراني

 

 التقرير التالي ننقله من برلين  وتحديدا من (دويتشه فيله) التي تقول :- تشهد بغداد هذه الأيام حراكاً سياسياً لتشكيل الحكومة العتيدة. غير أنه وراء الكواليس، وحتى على خشبة المسرح، يشتبك لاعبان خارجيان: إيران وأمريكا. عمّ يبحث كل منهما في بلاد ما بين النهرين؟ وهل يتهدد العراق المزيد من التشظي؟

درجات الحرارة في بغداد تصل إلى أكثر 45 درجة مئوية. وجاء إعلان المحكمة الاتحادية العليا في العراق الأحد الماضي (18 آب 2018) مصادقتها على نتائج الانتخابات البرلمانية ليرفع من سخونة البيئة السياسة؛ إذ إن الإعلان هو بداية مهلة دستورية مدتها 90 يوماً أمام الأحزاب الفائزة لتشكيل الحكومة العتيدة.

وكان البرلمان العراقي قد أمر في حزيران/يونيو الماضي بإعادة فرز أصوات الانتخابات التي جرت في 12 أيار/مايو، ولكن هذه المرة يدوياً بعد أن سبق وفُرزت إلكترونياً. جاء ذلك التطور بعد صدور تقرير حكومي أفاد بوجود انتهاكات واسعة حمل مفوضية الانتخابات مسؤوليتها. لكن إعادة فرز الأصوات يدويا لم تسفر إلا عن تغير طفيف مقارنة بالنتائج الأولية؛ إذ احتفظت كتلة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر بالصدارة وهو ما يعني أنه سيلعب دوراً محورياً في تشكيل الحكومة المقبلة.

عقدة الكتلة الأكبر

أروقة الأحزاب والكيانات السياسية تعج بالحراك السياسي واسع النطاق لبناء التحالفات في سبيل تشكيل الكتلة الأكبر التي ستدخل البرلمان العراقي المقبل، وتتولى تسمية رئيس الوزراء الجديد.

وانقسمت الكتل الشيعية الخمسة الفائزة بأغلبية أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية فيما بينها لتشكيل الكتلة الأكبر. وكانت معلومات قد وردت عن تشكيل "نواة" للكتلة الأكبر بين "سائرون" بزعامة الصدر، و"تيار الحكمة" بزعامة عمار الحكيم، و"ائتلاف الوطنية" بزعامة إياد علاوي، و"قائمة النصر" بزعامة رئيس الحكومة حيدر العبادي. لكن حتى اللحظة لم يبصر النور رسمياً. في الطرف المقابل يقف "تحالف الفتح" (الحشد الشعبي) الذي حل ثانياً في نتائج الانتخابات بزعامة هادي العامري، برفقة "ائتلاف دولة القانون" بزعامة نوري المالكي في تكتل أقرب لإيران.

وتشير تقديرات إلى أن الصدر والحكيم وعلاوي والعبادي يحظون بدعم أمريكي، في حين تدعم طهران العامري والمالكي. المحلل السياسي العراقي د. حيدر سعيد يرى أن الكلام السابق "صحيح إلى حد كبير". ويجزم المحلل العراقي أنه وفي ظل العقوبات ستجد إيران نفسها مضطرة لـ"التكييف" مع التصور الأمريكي لتشكيل الحكومة.

واشنطن وطهران في علاقة ملتبسة؟

 

يبدو توصيف العلاقة الإيرانية-الأمريكية في العراق أمراً ليس باليسير؛ إذ أنها تتراوح من المنافسة، بشقيها السلبي والإيجابي، إلى الخصومة وصولاً للتعاون الوثيق في بعض المفاصل. في حين يرى البعض أن ما يجري مجرد توزيع للأدوار بين واشنطن وطهران وأنهما متفقتان على الأساسيات. وذهب البعض الآخر إلى تشبيه تلك العلاقة مجازاً بالتأرجح بين زواج الإكراه وزواج المصلحة.

حيدر سعيد، الذي عملاً باحثاً في عدة مراكز في الأردن والعراق قبل عمله الحالي في قطر، يصف العلاقة بين واشنطن وطهران في العراق كالتالي: "منذ 2003 طبعت التنافسية تلك العلاقة، إلا أنها اليوم مع ترامب أصبحت صراعية". ويردف المحلل السياسي في حديث لـDW عربية "تخلل ذلك محطات تعاون: لدى إسقاط نظام صدام حسين وتنسيق أمني في عامي 2006 و2007".

ويعتقد الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة أنه اليوم وفي "زمن ترامب" وتصعيده ضد إيران من الواضح أن واشنطن تسعى لمواجهة الدور الإيراني في العراق: "واشنطن تريد من العراق حسم موقعه: هل هو في صفها أم في صف إيران؟"

ماذا يريد الطرفان من بلاد الرافدين؟

يرى حيدر سعيد أن طهران تسعى أولاً وقبل كل شيء "للإبقاء" على العراق في محورها الإقليمي الذي بنته على مدار سنوات طوال. هذا على المستوى الجيواستراتيجي. ويشير خبراء إلى أن هذا المحور يمتد من طهران مروراً ببغداد ودمشق وصولاً إلى بيروت على سواحل البحر الأبيض المتوسط.

أما اقتصادياً وفي ظل العقوبات الأمريكية ستكون العراق "الرئة الاقتصادية" لطهران: "تعوّل إيران على تصدير بعض من النفط عن طريق العراق وبأعلام عراقية كما كان يفعل العراق في تسعينات القرن العشرين كوسيلة للالتفاف على الحظر".

وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين العراق وإيران خلال العام الماضي نحو 6,7 مليار دولار، بينها 77 مليون دولار فقط هي قيمة صادرات بغداد إلى طهران، وفقاً لمصدر رسمي في وزارة التجارة. ومن هنا يفسر حيدر سعيد "غضب" إيران من إعلان العبادي عن "التزام العراق بالعقوبات".

وفي المقابل، لا تريد واشنطن، وليست مستعدة، أن تخسر دولة مثل العراق لصالح إيران على حد تعبير حيدر سعيد، مضيفاً: "ليس فقط لدى ترامب بل هناك شعور عام في الولايات المتحدة أن واشنطن بذلت الكثير منذ 2003 في العراق".