مشروع ضريبة الدخل «منفردًا»
قد يجتمع مجلس الأمة في دروة استثنائية بداية شهر أيلول المقبل لمناقشة مشروع قانون ضريبة الدخل الذي شكل منتصف العام الحالي شرارة احتجاجات عمّت الشارع الأردني أدت في النهاية الى اقالة حكومة هاني الملقي.
لن أدخل في تفاصيل المشروع، وسقوف إعفاءات الفرد والأسرة، ورفع نسب الضريبة على قطاعات أخرى، فالأصل أن لا يمس الفرد ولا الأسرة في ظل تردي الاوضاع المعيشية للمواطن الاردني، الا أن الحكومات الاردنية تاريخيا معنية تماما بصياغة مشاريع قوانين تتوافق مع وجهة نظرها ومصلحتها في سد الثغرات والعجز بالموازنة العامة، دون أدنى التفات للمواطن القابع تحت ضغط معيشي صعب جراء هذه السياسات.
اعتقد ان على مجلس النواب الانطلاق في مناقشاته حول مشروع القانون مع الحكومة، من الاستبيان الذي أجرته الأخيرة على موقعها الالكتروني واشار الى ان نسبة 90 % من الشعب تعتبر العبء الضريبي في الاردن غير عادل، وأن نسبة 92 % من الشعب أيضا تعتبر ضريبة المبيعات غير عادلة، فهذه الضريبة لها قصة أخرى وهي من أعادت المواطن الى الدرك الأسفل من المستوى المعيشي.
لو كانت الحكومة معنية بإصدار تشريعاتها وفقا للحوار مع القطاعات التجارية والصناعية والمواطنين، فإنها ستوقف مشروع قانون الضريبة الجديد حاليا، وتعيد النظر به باعتباره جزءا من المنظومة الضريبة العامة في الدولة، كما ان على مجلس النواب مطالبة الحكومة بعدم احالة مثل مشروع هذا القانون «منفردا» دون أن يأتي في سياق كامل للإصلاح الضريبي، والا فإنه سيساهم في تشويه وتعقيد المشهد والواقع المعيشي للمواطن أكثر وأكثر.
ومثال بسيط على تعقيد المشهد، فان المواطن الفرد الذي يتقاضى الف دينار شهريا سيشمله مشروع قانون ضريبة الدخل المقبل بلا شك، الا أن على الحكومة ومجلس النواب ادراك أن قيمة هذا الراتب الذي يتقاضاه المواطن هي قيمة وهمية وليست فعلية، فالقيمة الحقيقية لهذا الراتب هي 400 أو 450 دينارا اذا ما تم حسم قيمة الضرائب التي يدفعها المواطن كل يوم وأهمها الضريبة على المشتقات النفطية البالغة بين 45-58 % وضريبة المبيعات المفروضة على كل شيء، وهنا أتساءل في أي نظام اقتصادي بالعالم يمكنه فرض ضريبة دخل على مبلغ يستخدمه المواطن أصلا في تسديد ضرائب أخرى ؟!.
الحكومة مصرّة على هذا المشروع، مع أن رئيسها ونائبه خبيران اقتصاديان ويعلمان تماما مؤشرات النشاط الاقتصادي الحالي في السوق الاردني، ويعلمان أيضا بان جميع القطاعات تئن نظرا لتراجع القدرة الشرائية للمواطن، وأن فرض أية ضريبة أخرى سيؤدي الى رفع آخر في مستوى الأسعار الذي تجاوز حاليا حدودا غير معقولة.
ان مشروع قانون ضريبة الدخل يجب أن يأتي في سياق اعادة النظر بالمنظومة الضريبية المفروضة على المواطن والتي وعد بها رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز، واعتقد بان اقراره كمشروع قانون منفصل هو تعميق لمعاناة المواطن بغض النظر عن عدالة بنوده من عدمها، ناهيك عن أن المواطن الأردني لا يستطيع حاليا، وبصدق، تحمل أية ضرائب اضافية.