فساد الأمس وحديث العيد
العيد كشف عن ضعف عام وتراجع في بنية التواصل الاجتماعي التقليدية، تراجع كشفته تآكل القدرة الاقتصادية للجمهور، وفراغ المجال العام، من الرؤوس الكبيرة المليئة بالحكمة لصالح الرؤوس المليئة بالغضب.
كان الفقر فيما مضى أكثر، لكن النفوس كانت أرحم ببعضها وأقلَّ تكلّفاً، وكانت القرى أجمل، بدون «نت» وبدون» «خدامات» وبلا «وساوس» ودون مطاعم للوجبات السريعة، بل كان الهاتف الأرض هو مجال الاتصال الوحيد، وقد عاصرت وجود مقسم البريد ومأموره «سلام»، وحتى المقابر تشهد إقبالا أكثر في الزيارات.
العيد وبفعل الظروف الاقتصادية الصعبة أظهر أن عورة المجتمع، غير مغطاة بما يكفي وأن الناس مسّهم الضر، وأن الجوع استحكم في بطون الناس، كلّ هذا الأمر ليس بالجديد، وليس بالاكتشاف، لكنه ترافق مع مقولة كثير من الحكومات العابرة بعبارة التنمية والتنمية المستدامة، وكانت النتيجة مزيدا من الخيبات.
لم يقل أحد أن البديل الديمقراطي الحقيقي هو الحل، كان هناك التفاف على الديمقراطية الحقيقية منذ العام 1993، جاء الصوت الواحد، وجاء بعدها سياسة الخصخصة وتغير موقع الفرد من مواطن/ إلى زبون. فصارت الزبائنية الاقتصادية هي معيار العلاقة ومجال التمايز.
اليوم بعد ما يقارب على ثلاثة عقود على أزمة العام 1988-1989 المزدوجة اقتصاديا، والتي أدت إلى هبة نيسان، نجد أن هناك إجراءات مطلوبة من الحكومة أكثر إيلاماً مع المقبل من الأيام. لكن الحل لن يكون بالاقتصاد فقط، بل مطلوب حل سياسي لجمود الإصلاح السياسي وغياب الأحزاب.
بالعودة إلى حديث العيد، سنجد أن الجماهير اعتادت السجال والجدل، وإثارة الكلام، وحين نجلس مع الناس العاديين نجد عندهم كل معلومات النخب وكل سجاياهم، الناس يعرفون من هو الفاسد ومن هو المغطى بقشور الوطنية المزعومة ومن يحاول خداعهم بالعمل الخيري وفي الوقت نفسه يسرق بلدهم ويعيش على اختراق القانون والرشوة وإفساد الناس.
الناس زمان كانوا يعرفون الفساد بأنه خلط الكاز بالماء، أو ظهور روقة نقد مزيفة كل عشرة أعوام، أو وجود سوس أو عث في الطحين، لكن الحال اليوم اختلف وتغير الفساد وصار الفساد مطاعا مكينا ومطيعوه كثر؟
الدستور