كيف شفي هذا الرجل من مرض السكري من النمط الأول نهائيًا
وكالات
السكري من النمط الأول، أو داء السكري، هو مرض عضال يتطلب علاجًا مدى الحياة.
لكن هذا الكلام مُستثنى عند دانيال داركس.
قبل حوالي ثماني سنوات، قال داركس أن الأطباء اكتشفوا لديه النمط الأول من داء السكري: حالة مهددة للحياة، حيث يقضي الجهاز المناعي على الخلايا في البنكرياس المنتجة للإنسولين، وهو الهرمون الضروري لنقل الجلوكوز أو السكر إلى الخلايا لتتمكن من إنتاج الطاقة.
ولكن في مطلع العام الماضي أظهرت اختبارات وخز الإصبع “finger-prick tests” أن مستويات السكر في دمه كانت طبيعيةً، لذا نصحه الأطباء بوقف حقن الإنسولين.
وفي تقرير لنورثامبتون كرونيكل وإيكو: «الآن أبلغه أطبائه أنهم متأكدون بنسبة 80% من شفائه».
إذا كان هذا صحيحًا، هذا يعني أن داركس يمكن أن يكون أول شخص يشفى بشكل طبيعي من السكري من النمط الأول.
أصبح داركس أحد المشاهير في مجتمع مرض السكري، وخاصةً في المملكة المتحدة.
ولكن هل تعني قصة داركس أن مرض السكري من النوع الأول يمكن علاجه؟
امتنع داركس عن تقديم سجلاته الطبية، وقال الخبراء المتخصصون في “Live Science” أن هناك العديد من المعلومات المفقودة أو المربكة في قصته.
عادةً القصص الطبية المثيرة كهذه الحالة يتم تسجيلها كتقرير طبي “case report” في الأدب الطبي.
وحتى إذا تم تأكيد تفاصيل قصته في نهاية المطاف، فقد أكد الخبراء أنه من غير المحتمل إلى حد كبير أن تؤدي حالة داركس إلى علاج شائع لمرض السكري من النمط الأول، كما أفادت التقارير في وسائل الإعلام بشكل خاطئ.
تشخيص لمدى الحياة
داركس، البالغ من العمر 30 عامًا، وهو من قدامى المحاربين في الجيش، يعيش في نورثهامبتونشاير، إنجلترا.
بعد وقت قصير من مغادرته للجيش، بدأ يشعر بأعراض مرض السكري من النمط الأول: التعرق، عدم وضوح الرؤية، التعب، وفقدان الوزن.
قال أن هذه الأعراض دامت 3 أو 4 أيام قبل أن ينهار أثناء عمله.
وقال داركس أن فحص الدم أظهر أن جسمه لا ينتج C-peptide، وهو منتج ثانوي من إنتاج الجسم للإنسولين، والذي يمكن أن يكشف عن كمية الإنسولين.
وقال داركس أن الاختبارات الإضافية دفعت الأطباء إلى تشخيص حالته بمرض السكري من النمط الأول.
من غير الواضح كيف يصاب الناس بالمرض، الوراثة تلعب دورًا كبيرًا، على الرغم من أن العوامل البيئية غير المعروفة قد تؤدي أيضًا للإصابة بالمرض.
وفي كلتا الحالتين، سيقوم الجهاز المناعي بمهاجمة وقتل الخلايا المنتجة للإنسولين، وتسمى خلايا بيتا في البنكرياس.
(يختلف هذا عن النمط الثاني من الداء السكري، إذ يقوم الجسم في البداية بصنع كمية كافية من الإنسولين، لكن الخلايا لا تستطيع استخدامه بشكل صحيح.)
دون كمية كافية من الإنسولين تعمل على إزالة الجلوكوز من الأوعية الدموية، والسماح للجلوكوز بدخول خلايا الجسم، ترتفع مستويات السكر في الدم.
إذا ترك هذا الإنسولين دون علاج، سيؤدي إلى مضاعفات مميتة تسمى الحماض الكيتوني السكري “diabetic ketoacidosis”.
وأكثر من ذلك، يمكن أن يسبب ارتفاع مستوى السكر في الدم على المدى الطويل مضاعفات تهدد الحياة مثل أذية الكلى أو أمراض القلب.
العلاج الأساسي لمرض السكري من النمط الأول هو حقن الإنسولين مدى الحياة ومراقبة السكر في الدم باستمرار.
وقال داركس أنه أعطى نفسه حقن الإنسولين أربع مرات يوميًا للحفاظ على مستويات السكر في الدم عند الاختبار.
ولكن تغير شيء ما في عام 2016، عندما بدأ التدريب بشكل مكثف للماراثونات الكبرى.
وقال داركس أن نسبة السكر في دمه بدأت في الهبوط بشدة خاصةً في الليل.
هبوط السكر في الدم، يمكن أن يسبب التعب، الجوع، والتهيج، وإذا تركت دون علاج يمكن أن تسبب اختلاجات أو وفاة.
وقال داركس: «استمر ذلك ثلاثة أو أربعة أسابيع، لذلك قررت الذهاب إلى طبيبي».
دخل إلى المشفى العام في نورثهامبتون، حيث قال وأوضح الأطباء أنه كان يعاني من نقص السكر في الدم بسبب حقن الإنسولين التي أدت لإزالة الكثير من الجلوكوز من دمه.
بناءً على توصية أطبائه في نورثهامبتونشاير جنرال، قال داركس إنه سافر إلى سانت لويس في يناير عام 2017، حيث خضع لاختبار إضافي.
أولًا، قال: «لقد وُضعت رقاقة صغيرة في أسفل ظهري حيث تقع كليتي لقياس مستويات البروتين وسكر الدم، حيث بقيت حتى صباح اليوم التالي».
لكن الدكتور ديفيد كلونوف، أستاذ الطب السريري في مركز داء السكري في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، والذي يتخصص في مجال التكنولوجيا الحيوية لداء السكري، شعر بالحيرة من الرقاقة التي وصفها داركس.
وقال أنه متخصص في هذا المجال لكنه لم يسمع بهذه التكنولوجيا من قبل.
قال داركس: «عندما كان في سانت لويس، خضع أيضًا لاختبار جري (لأن الأطباء كانوا يعلمون أنه عداء طائش)، واختبار دم لقياس جزيئات البنكرياس الرئيسية؛ لمعرفة ما إذا كانت الخلايا على قيد الحياة وما هي النسبة المئوية».
وقال داركس أن العديد من أساتذة الطب عملوا معه عندما كان في سانت لويس، لكنه استطاع فقط تسمية مستشاره الأقدم، الدكتور مايكل بيرك.
وهو متخصص في الغدد الصماء يدير عيادته الخاصة في سانت لويس وهو أيضًا مشارك سريري في جامعة واشنطن.
وقال داركس أن نتائج اختباراته الطبية لا تزال قيد التحليل، لكنه لم يحتج إلى حقن الإنسولين لمدة عام ونصف.
داركس واثق من أنه لم يعد يعاني من النمط الأول من داء السكري.
وقال أن الأطباء أخبروه بأنه يمتلك جينومًا “نادرًا”، علاجه سهل بطريقة أو بأخرى.
وقال: «أنا الشخص الوحيد الذي يحمل الجينوم في الوقت الحالي، ولا يوجد تفسير آخر حتى الآن».
من الجيد أن تكون صادقًا؟
أول التقارير الإعلامية عن علاج داركس المفترض، مع وصف مماثل للجينوم “النادر” الذي شرحه جزئيًا، بدأت في الظهور في فبراير عام 2017.
في ذلك الوقت، أوضح داركس أن أطباءه في نورثامبتون ما زالوا يراجعون نتائج الاختبارات، وأنهم سيقدمون تقريرًا عن النتائج التي توصلوا إليها في وقت قريب.
نُشرت القصة في شهر آذار عام 2017 في the Northampton Chronicle and Echo؛ ذكرت أن نتائج اختبارات داركس من المتوقع نشرها الأسبوع المقبل.
لكن لم يتم نشرها، وقد مر الآن أكثر من عام.
ماذا يحدث؟
أرسل داركس بريدًا إلكترونيًا لموقع Live Science يقول فيه: «نعم إنها حالة محبطة، لكن يجب على الأطباء أن يكونوا دقيقين أكثر حول ما حدث، لذا فقد أخذوا جدولًا زمنيًا لمدة عامين من أجل الانعكاس التام للنمط الأول».
وأوضح داركس أنه إذا تمكن من العيش دون حقن الإنسولين لمدة عامين، فإن أطباءه سيكونون متأكدين بنسبة 100٪ من أن مرض السكري قد انتهى.
وقال داركس إنه سأل أطباءه عما إذا كان بإمكانه مشاركة مزيد من المعلومات حول قضيته مع وسائل الإعلام، لكن قيل له ألّا يعطينا تفاصيل حول الحالة الطبية والنتائج في الوقت الحاضر: «لا يوجد شيء يمكنني القيام به حتى ينتهي الاستشاري والفريق من الأبحاث في وقت لاحق من هذا العام».
يقول الدكتور ماتياس فون هيراث، أستاذ علم المناعة التطوري في معهد لاجولا في كاليفورنيا، وهو خبير في النمط الأول من داء السكري: «إن هذا يجعل قصة داركس تبدو أقل صدقًا.
هذا النوع من الادعاءات مزلزل.
فإذا لم تكن مثبتةً بشكل واضح، فهذا يشبه ضجة مطبخ الجدة؛ لا يوجد شيء يدعم القصة».
قال فون هيراث: «إذا كان هناك سجل سريري وكانت البيانات واضحةً، يجب على الأطباء نشر تقرير عن الحالة».
وقال بارت رويب المتخصص في علم المناعة السريري بمعهد أبحاث السكري والاستقلاب في كاليفورنيا: «إن قصة الجينات النادرة تجعلني أشك في أن هذا هو النمط الأول من داء السكري حقًا.
من 5% إلى 11% من مرضى السكري من النمط الأول لديهم تشخيص خاطئ.
ما لديهم هو النمط MODY، أو الداء السكري الناضج الشبابي».
MODY هو شكل وراثي من داء السكري الناجم عن تغيير في واحد من 11 جينومًا، ما يؤدي إلى عدم إنتاج الجسم ما يكفي من الإنسولين، وفقًا لكلية الطب في جامعة هارفارد.
يمكن أن يبدو شكل MODY مشابهًا لمرض السكري من النمط الأول، ولكن أعراضه وعلاجه يختلفان تبعًا للجينوم المتأثر.
قال رويب: «يوجد الكثير من الحالات التي عُولجت بالإنسولين واكتُشف لاحقًا أنها تبدل جينومي نادر للنمط MODY».
«إن هؤلاء الأشخاص لم يعد تشخيص إصابتهم بالسكري من النمط الأول، وقد يكونون قادرين على ضبط مستويات السكر في الدم إما عن طريق تناول الأدوية الفموية أو تغيير في النظام الغذائي وممارسة التمارين الرياضية، لكن ذلك لن يكون شبيهًا بالشفاء».
ما الذي حدث؟
قال فون هيرات: «إن خلايا بيتا وهي الخلايا التي تنتج الإنسولين يمكنها تجديد وظائفها واستعادتها في بعض الحالات».
هناك طيف واسع من الشدة عندما يتعلق الأمر بالنمط الأول من داء السكري، وهذا يعني أن بعض الناس قد يفقدون كل خلايا بيتا تقريبًا في حين قد يحتفظ آخرون بجزء منها.
وقال فون هيرات: «الشيء المثير للاهتمام هو أن بعض المرضى يحتفظون بوظيفة خلايا بيتا لأكثر من 50 عامًا.
ويبدو أنك إذا كنت تحتفظ ببعضها فذلك أفضل بكثير.
لذلك وجود بعض الخلايا العامة عند داركس هو أمر ليس مستحيلًا، لكنها لن تقضي على المرض.
اعتمادًا على عدد خلايا بيتا التي لديه، ربما لم يكن شكل داء السكري من النمط الأول شديدًا جدًا».
وقال رويب: «أنت تحتاج فقط إلى 10% من خلايا بيتا للحصول على الإنسولين بكمية كافية».
وقال أن هناك حالات نادرةً كان يعاني فيها المريض من النمط الأول من داء السكري ولكن يمكن أن تمضي فترات طويلة دون حقن الإنسولين.
«يمكن أن تكون احتياجات الإنسولين هدفًا متحركًا، وإذا كان لديك تغيير في نمط الحياة فمن المعقول جدًا أن تكون لديك حاجة أقل للإنسولين، ويمكنك التعامل مع السكري بخلايا بيتا التي تمتلكها».
وقال رويب أن الباحثين بدأوا مؤخرًا فقط يدركون أن مرض السكري هو مرض أكثر تنوعًا بكثير مما اعتادوا عليه.
وقال: «إن كل حالة فريدة من نوعها توضح لنا أن معلوماتنا قليلة جدًا عن المرض.
لكن بسبب هذا التنوع، لن يكون لدينا دواء يعالج الجميع من السكري».
وافق فون هيرات، وقال إنه يُحبط في كل مرة يرى فيها مقالًا أو دراسةً تدّعي أن علاجًا لمرض السكري يلوح في الأفق.
وقال إن الأمر ليس حقيقيًا، وأن تلك التصريحات تعطي الناس أملًا كاذبًا.