نظرة تحليلية الى الاقتصاد التركي

 

فارس حمودة

 

بينما يجادل الخصوم والدول الغربية على أن النظام السياسي لأردوغان طارد للاستثمارات الأجنبية ، فإنها ليست الحكاية كاملة بل هي اقتصادية بحتة .

 إن رفع أسعار الفائدة من قبل البنك الفيدرالي الاميركي خلال العامين الماضيين قامت بتحويل الاستثمار الاجنبي المباشر والمحافظ الاستثمارية من دول نامية خاصة دول الشرق الأوسط و شمال افريقيا و تركيا. الأموال الساخنة متواجدة بكثرة في الاقتصاديات النامية و التي لعبت دورا رئيسا في اختلالات التوازن العالمية ، و ما يحدث في تركيا هو تشوهات نظامية نتيجة إدارة سياسة سعر الصرف و طبيعة تدفق رأس المال المغادر للدولة.

مقدار الدين الخارجي وصل الى ٤٥٣ مليار دولار ، و هو أكثر من نصف الناتج المحلي الاجمالي عند مستوى ٣،٥٣ %في نهاية ٢٠١٧ ،في حين وصل الى ٤٦٧ مليار دولار في نهاية الربع الاول من عام ٢٠١٨ بينما أقل مقدار كان عند ٤٤ مليار دولار في نهاية ١٩٨٩ عند مستوى ٤٠ %للناتج الاجمالي. على سبيل المقارنة، نسبة الدين الخارجي للولايات المتحدة ٢٥ %من الناتج المحلي الاجمالي. مثل حال الدول النامية التي لا تستطيع إلا أن تستدين بعملات أجنبية، فإنها تدخل في مشاكل حرجة عندما يتغير سعر الصرف ، خاصة عندما يستحوذ القطاع الخاص على٧٠ ٪من الدين الخارجي لتركيا فانخفاض سعر صرف الليرة زاد من مستوى المطلوبات على قطاع الاعمال التركي مما قلص من قدرتهم على الاستدانة. باختصار، ان الدين الخارجي لتركيا في حالة 'دولرة المطلوبات'

.’Liability Dollarization‘.

ان عدم تطابق العملة و تذبذب تدفق رأس المال في تركيا يمر في حالة مخاطر هيكلية مع مشكلة خطيرة قد توصله الى مرحلة لا يستطيع الاقتصاد فيها الاقتراض. ارتفاع الفوائد في الولايات المتحدة أدت الى اعادة توزيع الأموال خارج عدة دول نامية ، لذا هناك ضعف هيكلي يبدو واضحا في دول الشرق الأوسط و شمال افريقيا و تركيا. الاقتصاد التركي قد يواجه توقفا مفاجئا ’Stop Sudden ’و الذي يعد مشكلة خطيرة يتألف من مراحل هادئة يتبعها انخفاضات كبيرة و مفاجئة في الانتاج و الاستهلاك. سلوك سوق الأسهم التركي يعكس وصول الاقتصاد إلى حافة التوقف المفاجىء حيث انخفض سوق الأسهم بأكثر من ٢٠ ٪منذ بداية

الحكومة التركية مستمرة في التأكيد على معدلات النمو القوية بنسبة ٤،٧ %في عام ٢٠١٧ مع انخفاض نسب البطالة الى ١٠ ،%الا أن التضخم ذا الرقم المزدوج في نفس العام بنسبة ١٠ %يرسل دلالات خطيرة. في عام ٢٠١٨ ،من المتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي الى ٧،٤ %في حين يبقى التضخم مرتفعا عند ٤،١٠ .%شهر حزيران الفائت وصل التضخم الى ١٥ %مع انخفاض العملة التركية الى ما يعادل خُمس قيمة الدولار أي انتقاص بنسبة ٦٠% منذ ٢٠١٥. مثل حال الحكومات الشعبية التي تتبع سياسات اقتصادية توسعية قُبيل الانتخابات، قامت الحكومة التركية بإظهار جانب واحد من العملة من خلال تعظيم أرقام النمو مخفية مشاكل اقتصادية عميقة و خطيرة، حيث جاءت نسب النمو الاقتصادي العالية على حساب توسيع اختلالات التوازن. عجز الحساب الجاري وصل عند مستوى -٧،٥ %بينما يشير ميزان المدفوعات إلى تدفقات خارجة للاستثمار الاجنبي المباشر علماً بأن عجز الحساب الجاري التركي لطالما اعتمد في تمويله تاريخيا على الاستثمار الاجنبي المباشر، ليس الحال الان.

تركيا تعاني في ميزان مدفوعاتها بعجزين في الحساب الجاري و الحساب المالي. الاقتصاد التركي المعتمد على الطلب الكلي تم تغذيته بسياسات نقدية وضعت أعباء على ليرة ضعيفة. دولرة المطلوبات تقود الى توقف مفاجىء لن يمكّن الشركات من الاستدانة بعد ذلك. و بالتالي، يحصل اختلال في العرض الكلي و الذي يؤدي الى حالة ركود تضخمي ، مثل البرازيل بعد الأزمة المالية العالمية و هو سيناريو معقد. على تركيا اتخاذ سياسات رقابية على رأس المال خصوصا الحد من الأموال الساخنة. احتياط النقد الأجنبي لدى البنك المركزي التركي والذي يغطي المستوردات لمدة ستة أشهر بدأ بالتراجع مما يشير الى بيع جزء من احتياطي الدولار لشراء عملة محلية، المشكلة ستنشأ عندما ينتهي الاحتياطي كما حدث في تركيا نفسها عام ٢٠٠٠. على تركيا اتخاذ قرارات صعبة و ذلك بإدخال اقتصادها في حالة انكماشية لمعالجة التضخم العالي ، و الحد من من تدفقات رأس المال الخارجة. لذا على البنك المركزي أن يبدأ برفع أسعار الفائدة مما 2018 سيكون له آثارا سلبية على الطلب الكلي من الاقتصاد لكنه سيعمل على معالجة الاقتصاد التركي في المدى المتوسط و البعيد.//

*رئيس غرفة صناعة الزرقاء

فارس حمودة