أقباط يتحدثون عن "ثورة تصحيح" داخل الكنيسة المصرية

"الرهبنة فقدت جوهرها وأصبحت وسيلة للترقي الاجتماعي والثراء المادي" 

 «نحن أمام ثورة تصحيح في الكنسية المصرية» بهذه الكلمات القليلة في العدد، لكنها كبيرة في المعنى، يصف مينا حبيب، الباحث في الملف القبطي، القرارات الأخيرة التي أعلنت عنها الكنيسة القبطية بمصر، في أعقاب مقتل الأنبا إبيفانيوس الأسقف ورئيس دير وادي النطرون 

وأضاف لـ «عربي بوست» شارحاً خلفية تلك القرارات: «الأمور خرجت مؤخراً عن سيطرة البابا إلى حدٍّ بعيد، فكثير من الأديرة تشهد مخالفات إدارية ومالية، وهذا يفسر لماذا اتخذ قرار حظر القيام بأي تعاملات مالية».

وفي صباح يوم الخميس 2 أغسطس/آب، عقدت لجنة الرهبنة وشؤون الأديرة بالمجمع المقدس، اجتماعاً طارئاً برئاسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، لمناقشة انضباط الحياة الرهبانية والديرية.

الاجتماع الذي حضره السكرتير العام للمجمع المقدس و19 من الآباء المطارنة، أسفر عن إصدار حزمة قرارات تعكس عمق الصدام الجاري بين أقطاب الكنيسة.

ومن أبرز تلك القرارات التي اتخذت، كان وقف قبول أي راهب جديد لمدة عام، وإيقاف تعيين الرهبان في الدرجات الكهنوتية (القسيسية والقمصية) لمدة 3 سنوات، وتحديد عدد الرهبان في كل دير حسب ظروفه وإمكاناته، وعدم تجاوز هذا العدد لضبط الحياة الرهبانية وتجويد العمل الرهباني.

كما شملت القرارات إعطاء الرهبان فرصة لمدة شهر لغلق أي صفحات أو حسابات على شبكات التواصل الاجتماعي، ومنع الرهبان والقساوسة من التورط في أي تعاملات مالية.

الرهبنة خرجت عن جوهرها

قرارات وقف قبول رهبان جدد لمدة عام، وجعل مدة طالب الرهبنة 3 سنوات، تحمل في طياتها تفسيراً لما وصلت له حياة الراهب من حالة لا تلائم الجوهر الذي أوجدت له.

فقد ذكر حبيب، أن الأصل في الرهبنة هو قرار بالزهد والترك «أنت مت، وتركت تلك الحياة بمتعها وزخرفها، ووهبت نفسك للرب، هذا هو الأصل والهدف من الرهبنة».

لكن -والحديث ما زال لحبيب- الذي حدث مؤخراً، وتحديداً في السنوات العشر الأخيرة من عهد البابا شنودة، البابا السابق للكنيسة، هو أن الرهبنة أصبحت «خطوه للترقي الاجتماعي والثراء المادي».

وأضاف أن فلان الفلاني الذي لا يملك شهادة أو صنعة ولا مهارة حياتية، وجد أن الرهبنة، وخصوصاً في الأديرة الثرية، تعد فرصة للترقي والرفعة «ومَن يدري ربما يرقى إلى أسقف، وهو ما يجعل له مكانه لم يكن يحلم بها اجتماعياً ومادياً»، على حد تعبيره.

وأوضح أن الإشكالية هي أن ما يحدث هو العكس تماماً من هدف الرهبنة، التي أفرغت من محتواها في كثير من الأديرة، وخصوصاً الأديرة الغنية، «بالطبع العشر سنوات الأخيرة من حياة البابا شنودة كانت فرصة كبيرة لرجاله لترسيم أكبر عدد ممكن من الأساقفة، سعياً لإحكام سيطرته هو ورجاله من بعده على الكنيسة».

ورغم حرص البابا تواضروس الثاني على وضع لوائح منظمة لكل أعمال الكنيسة وإدخال النظام المؤسسي داخلها، فإنه لم توضع لائحة بنظام محاسبي.

وبحسب صحف محلية، فإن النظام المحاسبي داخل الكنيسة يعتمد على اللامركزية، وتنظم الأمور المالية اللوائح الكنسية الخاصة بشؤون الكهنة والرهبان والأديرة والقرارات الصادرة بتشكيل الإدارات المختلفة داخل الكنيسة.

وتقع مراقبة والتصرف في أموال كل كنيسة على مجالس الكنائس، التي أدخلت لأول مرة انتخاب 70% من أعضاء المجلس من الأقباط وإشراك المرأة والشباب داخله، على أن يعين البابا أو من ينوب عنه من الأساقفة الـ30% من أعضاء المجلس.

كما نصَّت اللائحة على تعيين مراقب للحسابات من خارج مجلس الكنيسة، لمراجعة القوائم المالية السنوية لكل كنيسة وإعطاء تقرير عنها للرئاسة الكنسية كل عام.

ورغم تحديد الكنيسة مدة كل مجلس بأربع سنوات، فإن كثيراً من الكنائس لم تجر عملية الانتخاب لتلك المجالس، ولم تطبق اللائحة، واكتفي بتعيين المجالس الكنسية.

صراع كبير داخل الكنيسة

وكان «عربي بوست» تواصل مع أحد رهبان دير «أبومقار»، الذي شهد قبل أيام مقتل أسقف ورئيس الدير الأنبا إبيفانيوس، حيث عُثر على جثته داخل الدير، في واقعة نادرة يشوبها غموض.

وأعلنت مديرية أمن محافظة البحيرة، أن جثة إبيفانيوس بها إصابة وتهشم في مؤخرة الرأس، وأكدت وجود شبهة جنائية. كما كشفت المعاينة الأولية استخدام مرتكب الجريمة أداة حادة لقتل المجني عليه أثناء خروجه من حجرته.

الراهب القبطي يجزم بكل ثقة أن ما حدث للأنبا أبيفانيوس هو «اغتيال بأيدٍ قبطية، وليست عملية إرهابية».

واستطرد شارحاً أن هناك انقساماً عنيفاً جداً داخل الكنيسة، بين مَن يُطلَق عليهم الحرس القديم (رجال البابا السابق شنودة)، وبين التيار المجدد (تلامذة الأب متّى المسكين) «نتحدث هنا عن صراع حقيقي، لا أستبعد أن يفضي إلى ارتكاب جريمة»، على حد تعبيره.

يلخص الراهب لنا أسباب الصراع قائلاً، إن الحرس القديم يمكن وصفهم بالمحافظين أو الراديكاليين، ومواقفهم «أكثر تزمتاً وتشدداً» حيال كثير من القضايا الدينية والسياسية إلى حدٍّ بعيد، خصوصاً ملف المصالحة والتقارب مع الكنائس الأخرى.

وتابع: «أما الفريق الآخر فهم مع المصالحات والتقارب».

وأوضح أن البابا تواضروس هو من رجال متّى المسكين، وقد تحرَّك الرجل فعلاً صوب الاعتراف بالكنائس الأخرى، وذلك في اللقاء التاريخي الذي جمعه ببابا الفاتيكان بالقاهرة، «الرجل كان يسعى لوقف تاريخ طويل من التكفير بين الكنائس المختلفة، والمصالحة التامة، وهو ما لم يعجب رجال الحرس القديم الذين يرون ذلك هرطقة (كُفر)».

وقد شُنّت معركة شرسة عليه حينها دفعته للتراجع قليلاً، وإن كان لم يتوقف نهائياً