بين الخامس والثالث

 د. أيّوب أبو ديّة

 

عندما يتجاوز الإنسان سن الستين ينصح الأطباء أن يواظب على المشي، فكثيراً ما أسير على الرصيف الواقع بين الدوار الخامس والدوار الثالث ليلا، وهي منطقة راقية ورصيفها جيد ولكن في كل مرة أقطع هذه المسافة على الأقدام أكتشف غرائب وعجائب من ثقافة السائقين وأحوال الطريق أرغب في أن أشارككم بها.

في أثناء سيري من الدوار الخامس باتجاه الرابع مثلاً لا تنفك مركبات التاكسي تطلق أبواقها ظناً أنني أبحث عن مركبة أجرة. وهذا مزعج للغاية لمن يرغب في السير ويرغب في التأمل بأحوال الدنيا.

كذلك لا تنفك المركبات عن تجاوز بعضها بعضاً وإطلاق أبواقها نتيجة عدم التزام المسارب والخروج المتسرع من الشوارع الفرعية وكأن الأولويات وأنظمة السير لا معنى لها.

مؤخراً، وجدت شاباً يسير في الاتجاه المعاكس على دراجة، فأوقفته وسألته لماذا يفعل ذلك بالرغم من المخاطر، فضحك واعتبر سؤالي نكتة وقال إن الشرطة لا تنتبه إلى الدراجات الهوائية. وعندما حذرته أن دراجته ليس عليها إنارة، ضحك وقال "مين سائل"؟ هذا الاستهتار أزعجني للغاية لأنه من السهولة بمكان أن يصدمه سائق ما ويبتلي به ويصيب البلاء أهله المساكين.

وكثيراً ما يتوقف سائق ما في عرض الشارع المزدحم وبدون استخدام إشارات تحذيرية ليسأل عن مكان ما، وغالباً ما أطلب منهم أن يتوقفوا عند أقرب فتحة مخرج حتى يبتعدوا عن الشارع الرئيسي، ومعظمهم لا يعجبهم ذلك فهم مستعدون أن يوقفوا السير ويحدثوا اختناقا في انسياب الشارع حتى يأخذوا الجواب عن سؤالهم. فمن الواضح أنهم يعطون لأنفسهم حرية عريضة على حساب حريات الآخرين.

وذات مرة وجدت شجرة زينة مائلة بشكل خطير، فقررت أن أحضر معي حبلاً في المرة القادمة لربطها وتقويمها. وهكذا فعلت بعد أيام، وطبعاً كانت الشجرة على حالها ولم يسعفها أحد، فقمت بربطها بمساعدة عامل وطن وهي الآن بأحسن حال.

ومن الملاحظ أن صوت المركبات مزعج جداً للسكان على جانبي الطريق، ويمكن رؤية محاولات لحجب الأصوات عن الشقق التي بنيت حديثاً برفع الأسوار وزراعة الأشجار واستخدام نوافذ غائرة وألواح زجاج إضافية وما إلى ذلك. ومن حظ السكان هناك أن كاميرا مراقبة السرعة وضعت أمام السفارة الكندية فأحدثت تغييراً إيجابياً كبيراً في المنطقة، ولكن من المحير أنه لا يوجد مقطع واحد للمشاة على ذلك الشارع الحيوي والرئيسي إلا قبيل الدوار الثالث، حتى أمام السفارة الكندية تم تعليم خطوط للمشاة من جهة واحدة من الشارع وغفلوا عن الجهة الثانية.

وبالقرب من الدوار الرابع رفع سور ضخم على أرض خلاء، ربما لمنع حشود المتظاهرين من التجمع فيها أمام رئاسة الوزراء، وخلال عملية البناء كانت توجد مواد بناء على الرصيف كنت أتعثر بها في كل مرة أسير بمحاذاتها، فاضطررت أن أوهم الحارس أنني من أمانة عمّان وهددته بمخالفة، وفعلاً أصبح أنظف في المرات اللاحقة.

ورمي النفايات من المركبات أمر عجيب غريب حتى على ذلك الشارع الحيوي فالمار من هناك يعرف ماذا يشرب السائقون سواء القهوة أو الشاي أو غيره، علماً بأنني شاهدت عامل وطن مرة واحدة فقط عندما ساعدني في دعم الشجرة (ربما لأنني أسير ليلاً) وأخبرني أن وظيفته على ذلك الشارع وكان يلتقط ما يعجبه من النفايات ويترك البعض الآخر.

القصص تطول ولكن خلاصة الموضوع أننا بحاجة إلى رفع وعي الناس بالقضايا البيئية والنظافة والسلامة العامة، كذلك نحن بحاجة إلى فرض القانون فلا يجوز أن نظل تحت رحمة سائق باص المؤسسة كي يقف لنا في الشارع أين ومتى يطيب له، أو نظل تحت رحمة السائقين إذا رغبنا في عبور الشارع أو تحت رحمة إزعاج مكبرات صوت لمركبات بيع الخضار والسكراب والباعة المتجولين. نحن بحاجة إلى إعادة تأهيل جميع الكوادر الخدمية في أمانة عمان والادارة الملكية لحماية البيئة ورجال السير وغيرهم، بما في ذلك أنفسنا.//