ثلاثة شروط لإجراء محادثات أميركية- إيرانية

انقلاب  ترمب في الموقف من ايران

 

عواصم – وكالات – رصد للانباط  مامون العمري

 

فاجأ  الرئيس الامريكي دونالد ترامب الجميع عن استعداده لإجراء محادثات مع المسؤولين الإيرانيين، وهو ما يمكن وصفه بالانقلاب المستمر في السياسشية الخارجية للرئيس الامريكي ترمب والذي كان قد اعلن مواقفه تجاه ايران وكوريا الشمالية في الحملة الانتخابية له قبل نحو ثلاث سنوات  ، بل واكد على  ذلك بالمضي في   تجميد الاتفاق النووي 5+ واحد ،  اسرار الانقلاب  وما الذي دفع ترامب لمثل هذا الموقف تجاه العدو اللدود ، وما هو الموقف الايراني  من العرض الامريكي ، هنا الانباط تقدم لقراءها  جوانب الاعلان وردود الفعل في الموقف الامريكي بل وكيف يجمع بين هذه الدعوة وحث الدول على استمرار ضغوطها عليها، وتبحث ان كان هناك تعديل بشروط قال ترمب في التصريح الصاعقة ان المفاوضات بلا  شروط .

هناك تناقض فيما نسمعه  ونطالعه من تصريحات البيت الأبيض  اذ قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اليوم الاثنين إنه مستعد للاجتماع مع الزعماء الإيرانيين بدون شروط مسبقة لبحث سبل تحسين العلاقات بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني وقال “إذا كانوا يريدون اللقاء فسوف نلتقي”.

وعندما سئل في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض عما إذا كان مستعدا للاجتماع مع الرئيس الإيراني حسن روحاني قال ترامب “سألتقي مع أي شخص. أنا مؤمن بالاجتماعات” خاصة في الحالات التي يكون فيها خطر الحرب قائما.

وأضاف الرئيس الأمريكي “سأجتمع بالتأكيد مع (المسؤولين في) إيران إذا أرادوا الاجتماع” وقال إنه سيطلب “عدم وجود شروط مسبقة”.

فيما قالت وزارة الخارجية الأمريكية اليوم ان وزير الخارجية مايك بومبيو يؤيد ما قاله الرئيس دونالد ترامب عن استعداده لإجراء محادثات مع المسؤولين الإيرانيين.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية هيذر ناورت في مؤتمر صحفي مقتضب ان "بومبيو قال في السابق إن ترامب يرغب في الاجتماع مع زعماء دوليين لحل المشكلات بما في ذلك مع المسؤولين الإيرانيين".

ولكن عندما سئلت عما إذا كان بومبيو يؤيد على وجه التحديد التحدث مع الإيرانيين بدون شروط مسبقة تجنبت ناورت استخدام تلك العبارة وقالت إن واشنطن تود أن ترى تغييرات في السلوك الإيراني ولكن "المهم هو أننا سنكون مستعدين للجلوس وإجراء هذه المحادثات".

أعلن مستشار الرئيس الإيراني حميد أبو طالبي، اشتراط بلاده على الولايات المتحدة الأمريكية، العودة إلى الاتفاق النووي قبل الجلوس على طاولة الحوار معها.

جاء ذلك في معرض رد "أبو طالبي"، على تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول استعداده للقاء نظيره الإيراني حسن روحاني دون شروط مسبقة.

وذكر "أبو طالبي" في تغريدة نشرت على موقع التواصل الاجتماعي " تويتر" :" أن احترام حقوق الأمة الإيرانية وخفض حدة الأعمال العدائية وعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، من شأنه ان يمهد الطريق لاجراء مباحثات بين الطرفين". 

واعرب ترامب خلال المؤتمر الصحفي المنعقد امس مع رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبه كونتي في البيت الأبيض، عن استعداده للاجتماع مع الرئيس الإيراني حسن روحاني "في أي وقت أرادوا بدون شروط مسبقة ".

وقال ترامب :" بالطبع يمكننا اجراء لقاءات مع المسؤولين الإيرانيين. لا شيء خاطئ في أن نجتمع. وخصوصا مع الأشخاص الذين من المحتمل ان ندخل في حرب معها. ولقد اجتمعنا مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين".

وكان ترامب قد أعلن في 8 أيار الماضي، الانسحاب من الاتفاق االنووي المبرم عام 2015 بين ايران ودول 5+ 1 (الولايات المتحدة الامريكية، والصين، وروسيا، وبريطانيا، وفرنسا فضلا عن المانيا) في العاصمة النمساوية فينا فضلا عن فرض عقوبات جديدة على طهران.

هذا وكان الاتفاق النووي الإيراني الذي دخل حيز التنفيذ في 16 كانون الثاني 2016، يقيد البرنامج النووي الإيراني في الاستخدامات السلمية مقابل رفع العقوبات المفروضة من قبل الدول الغربية عن طهران.

في تقرير لجويس كرم، كشفت مجلة "ذا ناشونال" الإماراتية الناطقة باللغة الإنكليزية، أنّ العقوبات المصرفية التي ستعيد الولايات المتحدة الأميركية فرضها على إيران ابتداء من الأسبوع المقبل بعد انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي في 8 أيار الفائت، ستطال المعاملات التجارية الإيرانية في أوروبا ومناطق أخرى، إلى جانب الأنشطة الحكومية الإيرانية.

وفي التفاصيل فإنّ العقوبات الأميركية "الجديدة-القديمة" ستشمل المشتريات الحكومية الإيرانية بالدولار الأميركي والتعاملات الإيرانية بالذهب والمعادن النفيسة والغرافيت والفحم ومعادن أخرى، بالإضافة إلى مبيعات الريال الإيراني، وإصدارات الديون الإيرانية وقطاع السيارات.

وستفرض وزارة الخزانة الأميركية "عقوبات ثانوية" تستهدف المعاملات التي تمر عبر الولايات المتحدة وتُعدّ خرقاً للقيود الجديدة، علماً أنّ التدابير أجبرت عدداً من الشركات والمصارف على الانسحاب من إيران استباقاً للعقوبات التي سيُعاد فرضها.

ومن جهته، اعتبر مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في "معهد واشنطن" ماثيو ليفيت، أنّ العقوبات بدأت تفعل فعلها، مستشهداً بانخفاض قيمة الريال الإيراني (إذ بلغ سعر الدولار، الثلاثاء، 119 ألف ريال إيراني في السوق الموازية، أي أنّه تراجع 18 بالمئة بالمقارنة مع يوم الأحد عندما كان سعر صرف الدولار 100 ألف ريال)، وانسحاب الشركات الكبرى من طهران.

وعلى الرغم من أنّ ليفيت توقّع أن تتفادى الشركات الأوروبية المخاطرة والتعاملات مع إيران التي من شأنها أن تحرمها من الوصول إلى النظام المالي الأميركي، قال: "قد لا تشهد إيران انفجاراً داخلياً إلاّ أنّ وضع اقتصادها سيكون حرجاً".

ونبّه ليفيت من أنّ "العقوبات ليست سياسة بل وسيلة لتحقيق ما طلبه مايك بومبيو (وزير الخارجية الأميركي) من إيران"، في خطابه في أيار، وذلك حين عرض 12 مطلباً من شأنها أن تحدث تغييراً كبيراً ومفاجئاً في سلوكها الإقليمي والداخلي.

من ناحيته، شكك نائب منسق سياسة العقوبات السابق في وزارة الخارجية الأميركية السابق، ريتشارد نيفيو، بتأثير العقوبات الجديدة، موضحاً أنّ المؤسسات الكبرى تتفادى التحويلات بالدولار، ومرجحاً أن تتم المعاملات الصغرى سراً.

وشرح نيفيو بأنّ الشركات الكبرى قطعت علاقاتها مع إيران في الأشهر الـ3 الفائتة أو تجنّبت طهران بشكل كامل، علماً أنّ شركات مثل "توتال" و"بيجو" و"بوينغ" غادرت إيران أو طلبت من وكلائها مغادرتها قبل فرض العقوبات الأميركية.

اعتبر رئيس مجلس العلاقات الخارجية الإيراني أنه من الطبيعي رفض بلاده لعرض أمريكا للتفاوض، وقال سيد كمال خرازي، رئيس المجلس الإيراني، "من الطبيعي رفض العرض الأمريكي للتفاوض بناء على تجربتنا المريرة في التفاوض معهم والانتهاكات المتكررة لالتزاماتها".

 

وأضاف خرازي، في رده على اقتراح للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالتفاوض مع إيران، "الرئيس الأمريكي يحب عقد الاجتماعات ولا يفكر أبدا في نتائج اجتماعاته، وكلامه دائما يأتي بشكل متناقض".

وتابع "بناء على التجربة المريرة التي لدينا فيالتفاوض مع الولايات المتحدة والانتهاكات المتكررة لالتزاماتها من الطبيعي ألا نقبل عرضها"، لافتا إلى أنه "يجب على ترامب قبل كل شيء أن يعوض انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي  ويظهر احتراما لالتزامات أسلافه وإلى القانون الدولي".

 

 

يُذكر أنّ العقوبات الأميركية على إيران ستُفرض على مرحلتيْن الأولى في 6 آب الجاري والثانية في 4 تشرين الثاني، على أن تشمل قطاعات الطاقة والشحن والتأمين والمصرف المركزي الإيراني.

 

الحرس الثوري يهدد باستهداف

المصالح الأمريكية بالمنطقة

 

هدد الحرس الثوري الإيراني، السبت، باستهداف المصالح الأمريكية في المنطقة إذا أقدمت على تهديد مصالح بلاده، مشددا على أن إيران هي الضامن لتأمين أمن الممرات المائية بالخليج.

ونقلت وكالة "تسنيم" الإيراني عن المساعد السياسي لقائد الحرس الثوري العميد يد الله جواني قوله: "إن هددوا مصالحنا فسوف نهدد مصالحهم وليأخذوا تهديدنا على محمل الجد".

وأكد جواني أن "إيران قادرة على إغلاق مضيق هرمز وإمكانية انعدام الأمن في البحر الأحمر، وإن أراد  الأمريكيون أن يمارسوا بلطجتهم ضدنا فإنه من الطبيعي أن تقوم القوات المسلحة الإيرانية بما يلزم مستخدمة كل ما لديها من قدرة وجهوزية من أجل الحفاظ على المصالح القومية الإيرانية، ولذلك إن هددوا مصالحنا فسوف نهدد مصالحهم".

وأوضح أن "الوضع الجيوسياسي لإيران وحضورها الحساس في المنطقة هو الضامن لتأمين أمن الممرات المائية"، لافتا إلى أن "هذا الأمن يتأثر بشكل مباشر بإرادة النظام السياسي في إيران، وبناء عليه فإنها عندما تلجأ دولة ما إلى تهديدنا بمنع صادراتنا من النفط فلتنتظر منا تهديدا متبادلا، تهديدا موثوقا".

وتابع العميد جواني: "لقد أظهرت الحقائق في العقود الأخيرة أن من أهم أسباب انعدام الاستقرار في المنطقة كانت التدخلات الخارجية والمجموعات المرتبطة بالخارج وبدول من خارج المنطقة".

وأردف: "لقد شاهدنا نماذج عن هذا الانفلات الأمني في كل من سوريا وباكستان والعراق وأفغانستان، واليوم يتمتع الممر المائي في الخليج ومضيق هرمز بالأمن المناسب من أجل نقل الطاقة والنفط ولقد أكد العديد من الخبراء في العالم على الدور المحوري الذي تلعبه إيران من أجل إرساء الأمن في هذه المنطقة".

واختتم العميد جواني حديثه بالقول: "ويرجع تحقق هذا الأمر إلى الموقف الإستراتيجي لإيران وإشرافها على الممرات المائية في هذه النقطة من العالم وما تمتلك من القدرات، وإلى إرادة نظامها السياسي المستقر".

وسلط موقع "ذا كونفرزيشن" الأفريقي المُستقل الضوء على لمحة من تاريخ العلاقات بين البلدين، مُوضحًا أنها بدأت في القرن التاسع عشر، عندما قام المبشرون الأمريكيون برحلة إلى ما كان يُطلق عليه بلاد الفرس.

ويقول الموقع إن المبشرين الأمريكيين ساعدوا على بناء العديد من المؤسسات الهامة في إيران، من المدارس والكليات والمشافي والمراكز الطبية، والتي ما يزال بعضها موجود حتى الآن.

تعثر الاقتصاد الإيراني بعد الحرب العالمية الأولى، ومع غياب الأقطاب الأوروبية العُظمى تمكنت الولايات المتحدة من ملء الفراغ، ما جعل إيران تنظر إليها باعتبارها الطرف الوحيد الذي يستطيع مساعدتها وإخراجها من هذا المأزق.

ورغم الانسجام الواضح بين البلدين، إلا أن واقعة مقتل روبرت إمبيري، نائب القنصل الأمريكي في طهران عام 1924، عكرت صفو العلاقات إلى حد ما، ولكن سرعان ما عادت المياه إلى مجاريها.

يُذكر أن المتمردين الإيرانيين قتلوا امبيري بوحشية بعد اتهامه بأنه بهائي قام بتسميم أحد الآبار التي يعتمد عليها أهالي البلده كمصدر رئيسي للماء، واستغل الشاه الإيراني رضا شاه هذه الأحداث وفرض عقوبات صارمة على المنشقين والمعارضين.

وكانت العلاقات الإيرانية الأمريكية في أبهى صورها خلال فترة حكم الشاه محمد رضا بهلوي، والذي ساهم في تحسين علاقات طهران بالدول الغربية.

وسمح الشاه الإيراني للولايات المتحدة بإقامة قواعد لها في شمال بلاده من أجل التجسس على الاتحاد السوفيتي سابقًا، كما أنه وافق على تواجد مستشارين عسكريين أمريكيين في أراضيه.

وامتد النفوذ الأمريكي في إيران، وقتذاك، ليصل إلى تدخل واشنطن في تعيين نواب البرلمان وتحديد أدوارهم.

 

"نقطة تحول"

 

تغيرت صورة أمريكا لدى الإيرانيين إلى الأبد في عام 1953، عندما تعاون جهاز الاستخبارات الأمريكية مع جهاز الاستخبارات البريطاني لتخطيط انقلاب بين رئيس الوزراء المُنتخب ديمقراطيا محمد مصدّق، الذي ساهم في تأسيس شركة النفط الأنجلو الإيرانية.

وبعد عامين من الانقلاب، تم توقيع معاهدة الصداقة والعلاقات الاقتصادية والحقوق القنصلية وبين البلدين عام 1955، خلال فترة حكم الرئيس الأمريكي السابق دوايت إيزنهاور، وبالتزامن مع محاولات طهران لجذب المستثمرين الأجانب، حسب ما نقلته مجلة ذا ناشيونال إنترست في تقرير نشرته على موقعها الإلكتروني عام 2016.

ورغم تأثير عزل مصدّق على العلاقة بين البلدين، يقول الموقع الأفريقي إن السنوات التي أعقبت الثورة الإيرانية التي اندلعت عام 1979 شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في عدد الطلاب الإيرانيين في الولايات المتحدة.

أكثر من ثلث الطلاب الإيرانيين الذين بلغ عددهم حوالي 100 ألف طالب في عام 1977 كانوا يتلقون تعليمهم الجامعي في الولايات المتحدة، وقفز هذا الرقم بعد عامين فقط ليصل عدد الطلاب الإيرانيين في الولايات المتحدة إلى حوالي 51.310 ألف طالب.

وتعليقًا على هذه المسألة، قال الباحث ستيفن ديتو، الذي كتب مقالاً في صحيفة واشنطن بوست عام 2017، إن الطلاب الإيرانيين يتواجدون في الولايات المتحدة منذ حوالي قرن من الزمان.

وتابع: "هناك صلات قوية ومتينة تكشف عن نفسها بمجرد النظر في التاريخ".

تأتي تصريحات ترامب وسط أجواء من تصاعد منحنيات التوتر في العلاقات بين البلدين، حيث بلغت الحرب الكلامية والتصريحات العدائية بين طهران وواشنطن خلال الأسابيع الماضية  أعلى مستوياتها، وصلت في بعضها بالتهديد بشن هجمات على المصالح الأمريكية في المنطقة قابلها رد أمريكي تحذيري.

أبرز مشاهد الحرب الكلامية بين الطرفين تلك الصادرة عن قائد فيلق القدس بالحرس الثوري قاسم سليماني الذي حذر الرئيس الأمريكي من الدخول في أي حرب مع إيران، مخاطبًا إياه "قد تبدأ أنت الحرب لكننا سننهيها"، ومضيفًا "البحر الأحمر كان بحرًا آمنًا، حولتموه إلى بحر غير آمن، الرياض كانت مدينة آمنة الآن تسقط فيها القذائف".

سليماني وجه حديثه بشكل مباشر لترامب قائلًا: "أنا ندكم وقوات القدس هي ندكم وليس إيران كدولة، ليس هناك ليلة ننام فيها ولا نفكر بكم"، وأضاف "واجبي كعسكري يحتم علي الرد على تهديدات ترامب، وعليه أن يعي أنه إذا كان يريد استخدام لغة التهديد فعليه أن يوجه كلامه لي وليس للرئيس روحاني".

تصاعد وتيرة التصريحات العدائية لم تتوقف عند سليماني فقط، بل إن الرئيسين ترامب وروحاني تبادلا بدورها التهديدات والتحذيرات خلال الأيام الماضية بصورة غير مسبوقة، حيث حذر الرئيس الإيراني نظيره الأمريكي من أن الحرب مع إيران سوف تكون أم كل الحروب، ليرد عليه بقوله: "سوف تعاني عواقب وخيمة لم يشهد التاريخ مثلها إلا القليل إذا هددت الولايات المتحدة".

يذكر أنه في الأسبوع الماضي استهدف المتمردون الحوثيون الموالون لإيران في اليمن ناقلة نفط سعودية بالقرب من مضيق باب المندب، وبعدها اتخذت الرياض قرارًا بوقف تصدير النفط عبر المضيق الذي يحاذي اليمن، وهو ما أثار حفيظة الولايات المتحدة حينها وإن لم تتخذ رد الفعل المتوقع منها سعوديًا على وجه التحديد.

تميز ترامب منذ تنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة بالشذوذ عن الخط العام لتوجهات إدارته ومساراتها التقليدية، فالرجل يمكنه الانتقال وبشكل مفاجئ من موقع الخصم الذاهب للحرب المعلنة ليل نهار، إلى موقع المفاوض المحاور على طاولة القمم والاجتماعات، وهو ما جعله شخصية غير مفهومة البوصلة لدى كثير من المحللين والمقربين من دوائر صنع القرار، سواء داخل أمريكا أم خارجها.

ففي الوقت الذي شحذت فيه واشنطن طاقاتها كافة لشن حرب ضد كوريا الشمالية لممارساتها النووية التي تراها إدارة ترامب خطرًا على العالم، إذ بالرئيس الأمريكي يبادر لعقد قمة تاريخية مع نظيره الكوري كيم جونغ أون، في مشهد نسف كل التحليلات السياسية والرؤى الموضوعة سلفًا لتقييم مسارات العلاقات بين البلدين.

ذات الأمر تكرر مع الحرب التجارية التي شنها مع دول أوروبا، فبعد التصعيد الكبير في العداء وفرض رسوم على السلع الأوروبية الواردة، فضلًا عن التصريحات العدائية والساخرة التي أطلقها ضد بعض قادة القارة العجوز، إذ به يتراجع بين ليلة وضحاها بعد جرهم إلى التفاوض مرة أخرى.

الملفت للنظر أن مواقف ترامب تنسف الخطوط السياسية التي رسمها وزير خارجيته مايك بومبيو،حيال إيران، فالأخير وعبر خطابين سابقين في آيار الماضي اشترط على طهران قبولها المسبق بـ12 مطلبًا كشرط أساسي للحوار معها، وهو نفس ما حدث قبل ذلك مع الوزير السابق ريكس تيلرسون، ليثبت الرئيس الأمريكي أنه المتحكم في السياسة الخارجية لبلاده وهو من يضع توجهاتها بنفسه بعيدًا عن مسارات وزراء الخارجية.

البعض ذهب هنا إلى احتمالية أن يعيد ترامب نفس السيناريو مرة أخرى مع إيران، كما حدث مع كوريا الشمالية وأوروبا، وهو ما قد يضع علاقته بحلفائه الخليجيين على المحك - السعودية على وجه التحديد - خاصة بعد مئات المليارات التي حصل عليها في مقابل الاستمرار في خطه العدائي مع طهران الذي بات الدجاجة التي تبيض ذهبًا للرئيس الأمريكي وإدارته خلال الفترة الماضية.

 

سيناريوهان

 

أثارت تصريحات ترامب المفاجئة عددًا من التساؤلات بشأن دوافعها الحقيقية في ظل ضبابية الأجواء بين البلدين في الأسابيع الأخيرة والتي كانت - وفق قراءة الواقع - تستبعد هذا التحول في الموقف، إن لم يكن تصعيدًا،  بعد المستجدات الطارئة التي أحدثتها استهداف ناقلة نفط سعودية في باب المندب من جانب، وتصاعد التصريحات العدائية بين زعيمي البلدين من ناحية أخرى.

سيناريوهان طرحهما خبراء تفسيرًا لقنبلة الرئيس الأمريكي، الأول: وضع طهران في موقف حرج أمام أوروبا، فترامب في المقام الأول وبحسب تفسير البعض يخاطب بتصريحاته أمس الأوروبيين، من خلال عرض يقدمه لإيران يحملها على الرفض، ومن ثم يصبح تسويق العقوبات المفروضة عليها التي من المفترض تنفيذ شقها الأول آواخر هذا الأسبوع أمرًا سهلًا.

عرض ترامب يضع دول أوروبا المعترضة على قرار انسحابه من الاتفاق النووي في موقف الضامن والشاهد في نفس الوقت على رفض طهران حتى فتح باب التحاور مع أمريكا، فالرجل عرض اللقاء دون شروط مسبقة بينما الجانب الإيراني وضع شروطًا، وهو ما يحرج إيران وأوروبا في نفس الوقت.

أما السيناريو الثاني فيرى البعض أن تلك التصريحات إنما جاءت في سياق التفاهم مع موسكو بشأن الوضع السوري والترتيبات التي تعد داخل مطبخي الكريملين والبيت الأبيض لاحتواء إيران، في مقابل إبعادها عن منطقة الجولان وتخفيف التوتر مع الكيان الصهيوني.

المغازلة الأمريكية لإيران أو كما يحلو للبعض أن يصفها بـ"الترضية" تقتضي فتح حوار أمريكي مع الإيرانيين دون شروط مسبقة أو مقدمات لتشجيعها على تسهيل ترجمة الخطة الروسية في سوريا التي تأتي بمباركة أمريكية بلا شك وفق ما تشير إليه الدلائل الأخيرة.

التساؤل الذي يفرض نفسه الآن: ما مصير الاتفاق النووي الذي انسحبت منه أمريكا؟ هل من الممكن أن تعيد واشنطن النظر في قرارها مرة أخرى؟ غالبية المؤشرات تذهب إلى صعوبة تراجع ترامب عن هذا القرار، على الأقل في الوقت الراهن، إلا أنه في المقابل من الممكن أن يطرح اتفاقًا جديدًا على الطاولة برعاية ومباركة أوروبية، لا تعترض عليه واشنطن، وهو ما تم كشف بعض ملامحه خلال الفترة الماضية.