شبكة مطيع .. لا دخان بدون نار!
يمضي التحقيق في فصول قضية التبغ على النحو المرسوم له. وتظهر طواقم المحققين في محكمة أمن الدولة فعالية عالية في إدارة الملف والإمساك بخيوطه.
بعيدا عن مجريات التحقيق، يقول مسؤول حكومي على معرفة بتفاصيل القضية إن نحو 50 % من السجائر التي كانت متداولة في الأسواق ولسنوات طويلة هي إما مهربة أو تحمل علامات تجارية مزورة.
والحقيقة أن هذا الأمر لم يكن مستغربا، لا بل كان بديهيا ومعلوما لعامة الناس؛ إذ إن عشرات المحال التجارية التي تبيع سجائر بزعم أنها من الأسواق الحرة في المطار، هي في الواقع مهربة أو مزورة، وتنتجها معامل داخل وخارج المنطقة الحرة، وتباع بضعفي سعر السجائر المرخصة في الأسواق.
ومن الواضح، في ضوء ما هو متداول من معلومات مؤكدة، أن تجارة السجائر المهربة لا تقتصر على مجموعة الأشخاص المتهمين في القضية، وأبرزهم عوني مطيع وأفراد من عائلته، بل تشمل مجموعات أخرى من التجار قد تكشف المداهمات الجارية حاليا هويتهم.
لكن تبقى شبكة عوني مطيع هي الأكبر والأوسع انتشارا، فقد تمكنت على مدار سنوات طويلة من نسج علاقات واسعة مع أصحاب نفوذ في الدوائر الرسمية، وشخصيات نافذة في الحياة العامة، واستقطبت جلسات و'سهرات' الرجل العشرات وربما المئات من الشخصيات العامة، التي لا تتردد في تلبية دعوات رجال الأعمال وتعشق صحبتهم، من دون أدنى شعور بالمسؤولية العامة وما يترتب عليها من التزامات قانونية وأخلاقية.
ومما توفر من معلومات عن شخصية مطيع، يبدو أنه كان محترفا في اصطياد الشخصيات العامة وإغوائها بوسائل شتى، وكسب الحلفاء والمحاسيب في حلقات ودوائر العمل الرسمي، وفي أوساط المؤثرين بالمؤسسات المختصة بمجال عمله في التصنيع والتهريب.
إنه يشبه إلى حد كبير نظام عمل رجال المافيا الذين نقرأ عنهم، ونشاهد قصصهم في الأفلام، يظهرون وهم محاطون بحراس مفتولي العضلات، ويتحركون بمواكب مهيبة. حياة من عرف بطل الفيلم الأردني الأخير كانت على هذه الشاكلة، على ما يؤكد أشخاص عرفوه عن قرب.
القضاء الأردني سيتولى تفكيك شبكة مطيع وإيقاع العقوبات المنصوص عليها في القانون على أفرادها. لكن شبكة النفوذ العام للرجل تحتاج لتفكيك سياسي، ومساءلة سياسية، لأنها ضيعت على الخزينة العامة حقوقا مالية تقدر بمئات الملايين على مدار سنوات طويلة، ووفرت غطاء اجتماعيا وسياسيا لأعمال مخالفة للقانون ومنافية للأخلاق.
يشعر المرء بالدهشة حقا من هذا 'الاندلاق' الذي يظهره ساسة كبار وصغار على رجال الأعمال من دون تدقيق في هوياتهم، متجاهلين تماما مكانتهم كرجال محسوبين على الدولة، تفرض عليهم مواقعهم الحالية أو السابقة أن يحافظوا على هيبتهم وهيبة المناصب التي تسلموها.
صدق المثل الذي قال 'لا دخان بدون نار'. الأردن اليوم ليس له قصة سوى الدخان المتصاعد من نار الفضيحة.
الغد