شركاء في «الورطة» .. !
نا نسأل باستمرارعن «سر» تراجع هيبة الدولة وهيبة المجتمع وهيبة القانون، وكنا نعرف الاجابة الصحيحة وهي: انحدار الثقة بين الناس والمسؤولين عن ادارة شؤونهم العامة، لكن الامتحان الذي اعاد تذكيرنا بهذه الاجابة هو امتحان ملفات «الفساد».
لا يهم هنا الحديث عن عجز الحكومات وضخامة الملفات وغياب الادلة عن بعضها ودور مجلس النواب الاسبق في طي هذه «الملفات»... لا يهم التذكير ايضا بالادوار التي تنهض بها مؤسسات المحاسبة ومكافحة الفساد، ولا عن التشريعات التي تتعلق بالذمة المالية ومن اين لك هذا؟.. المهم هو اقناع المواطن العادي قبل السياسي بأن ثمة ارادة سياسية لمواجهة هذا الغول والاطاحة به علنا وبلا اي اعتذارات، لأن عين المواطن –بعد ذلك- هي التي ستقرر تسليف الثقة للمسؤول، واستقبال مقرراته وتصريحاته ومشروعاته على لواقط الفهم وربما التصديق، لا على لواقط الشك والتشكيك وعدم الثقة.
اعتقد ان هذا ما يفكر به الدكتور الرزاز وحكومته، فقد سبق وقال : انه من غير الممكن ان نطالب الناس بدفع ما عليهم من ضرائب ونحن لم نتقدم لمواجهة الفساد بصورة جدية، وها قد جاءته الفرصة سريعا، وربما من دون ان يتوقع، والسؤال هنا ليس فيما اذا سينجح في هذه المهمة ام لا؟ وانما فيما اذا كانت الدولة بكافة مؤسساتها، والمجتمع بكافة فئاته سيجتازون هذا الامتحان الصعب بنجاح؟
للاسف، ما زلت اسمع جلجلة ضحكات الفاسدين «الكبار» وهم يتابعون آخر مسلسل من مسلسلات الفساد التي يتم توزيع اسماء «النواطير» فيها على نظام « الفزعة « بين الحين والاخر، واكاد اسمع «شماتتهم» بنا جميعا حين تصدر قوائم المتورطين بالفساد ولا تضم اي واحد منهم، لانهم دائما فوق الشبهات.
اذا، مشكلتنا مع الفساد لا تتعلق فقط «برهط»من الفاسدين الذين استغلوا صلاحياتهم فامتدت ايديهم الى المال العام، وتورطوا في النهب والكسب غير المشروع، وانما ايضا مع حالة الافساد التي مارسوها لشراء ذمم الآخرين، واشاعة ثقافة الفساد في مجتمعنا وصناعة «طبقة» جديدة من الاتباع والمريدين الذين وظفوهم واستخدموهم لتلميع صورهم والتغطية على تجاوزاتهم واقناع الرأي العام بأنهم الاحرص على مصلحة الوطن.. والأكثر اخلاصاً وانتماء اليه.
هنا اسجل نقطة نظام : حين يصبح الفساد سافرا لدرجة «الوقاحة»، ويتحول «الهوامير» الذين يجلسون خلف «الستارة» الى ضحايا او ابطال احيانا، وناسكين او واعظين احيانا اخرى، فإنه لا يجوز لضمائرنا أن تصمت أو تنام، كما لا يمكن لأقلامنا أن تنكسر، حتى لو كان الثمن ان يتم اقصاؤنا من الملة الوطنية، أو أن تشهر ضدنا اتهامات التحريض «والاساءة» وربما العمالة ايضا.
أبسط ما يمكن أن نقوله هنا لكل الذين يحاولون التغطية على اخطائهم او للآخرين الذين يتعامون عن الخطأ ويصفقون له هو: إن مصلحة بلدنا أهم من الجميع، وأكبر من أن تختزل في «ذمة» مسؤول، أي مسؤول، وأسمى من أن تختطفها تصريحات مغشوشة بات أصحابها يعرفون «من أين تؤكل الكتف».
لا أتحدث -فقط- عن فضيحة «الدخان» وما افرزته من « وقائع» فاجأتنا وصدمتنا ايضا، وانما اتحدث عن ملفات يحاول البعض العبث في نواميسها، من خلال التهوين او التهويل مما حدث، وأهمها ملف هيبة الدولة والقانون، وملف المؤسسات وثقة الناس بها، وملف موقع «المسؤول» الذي تحول الى هدف للتشويه والتندر والابتزاز، كل هذه الملفات التي جرحها تراجع موازين العدالة والانصاف، والمصداقية أصبحت تدق امامنا نواقيس الخطر؛ ما لم نفتح عيوننا على ما جرى من تجاوزات، فنوقفها على الفور، وعلى ما حدث من استرخاء في مفاصل الادارة العامة فنعيد ربطها وتمكينها من جديد.
في وقت مضى كانت الشخصيات الوطنية التي تعمل في ادارة الشأن العام تمثل نماذج ملهمة للشباب والاجيال في النظافة والاستقامة والنزاهة والثقة والاعتزاز، وهو نموذج الدولة الاردنية نفسها، فلماذا تراجعت هذه النماذج واختفت تلك الشخصيات وافتقدنا ما ألفناه في مجتمعنا من قيم واخلاقيات؟
بصراحة الاجابة نعرفها جميعا، لاننا شركاء في «الورطة» حتى لو تصورنا اننا سنخرج منها ابرياء او اننا سننجوا من كوارثها سالمين.
الدستور