بالإفصاح وحرية التعبير والمعلومات نحارب الفساد

 

وليد حسني

 

حسنا فعلت الحكومة بمخاطبة الشعب ببعض تفاصيل قضية تزوير السجائر والتحقيق مع عدد من المتهمين، بالرغم من ان رائحة هذه القضية كانت على طاولة الإعلام، بل وقمت انا شخصيا بالكتابة عنها والكشف عن بعض حيثياتها في مقالة لي نشرتها جريدة الانباط في عددها الصادر بتاريخ 22 / 3 / 2018 تحت عنوان" الملايين الضائعة من صناعة السجائر وتهريبها".

 

في تلك المقالة دعوت الحكومة للتحرك سريعا لمحاصرة القضية والتحقيق فيها، إلا أن شيئا من هذا لم يحدث أبدا، لقد ظلت المصانع تعمل في الخفاء، ويتم تسويق منتوجها داخل السوق المحلي دون أن تخضع تلك المنتجات لأية رقابة جمركية او ضريبية.

 

اسوق هذا الكلام تعليقا على ما طفحت به عشرات الصفحات على منصات التواصل الاجتماعي التي تحمل الحكومة والإعلام جزءا من المسؤولية، ولا اظنني هنا بقادر على عدم تحميل المسؤولية للحكومة السابقة، لكنني لا اميل بالمطلق لتقبل هذا النقد الجارح للإعلام، فقد كانت المعلومات غائبة تماما، وحين امتلكنا بعضا منها وكتبنا ونشرنا لم يقرأنا احد، ولم تحرك الحكومة ساكنا، فقد كان مفهوم الحماية غير القانونية للخارجين على ضفاف القانون هي التي تحكم منظومة الفساد في بلدنا.

 

قبل بضعة أيام انهيت قراءة كتاب أراه في غاية الأهمية وضعه عدد من الباحثين المتخصصين يحمل عنوان ( دور الإعلام في إخضاع الحكومات للمساءلة ) يؤكدون فيه على الواقع الجديد الذي بدأ يفرض نفسه على الكون الأممي المفتوح، فلم يعد وبوجود منصات التواصل الاجتماعي ما يمكن إخفاؤه عن الناس والجمهور، لقد اصبح بامكان أي كان نشر اسماء فاسدين، وقضايا فساد والكشف عنها، إنه الدور الجديد لأممية الإعلام المفتوح الذي لم تعد الحكومات قادرة على اي نحو كان ضبطه ومحاصرته.

 

لقد انعتق الجمهور من قيود الدولة في الكون المفتوح، وهنا يركز المؤلفون على أهمية ان تطور الدولة من قوانينها وتشريعاتها لمنح المزيد من الحريات، وخاصة حرية التعبير، والتخلص من اية قيود يمكن فرضها على وسائل الاعلام، وفي مقدمتها بالتاكيد حق الحصول على المعلومات، إذ يرى مؤلفو الكتاب أن القانون الجيد للحصول على المعلومات يفترض فيه ان كل المعلومات التي بحوزة الحكومة خاصعة لمبدأ الافصاح العام، فضلا عن ان إتاحة المعلومات سيساعد في محاربة الفساد.

 

وبالمقابل فإن على الدولة"أي دولة" أن تطور من تشريعاتها التي تبقيها تعيش  بعقلية القلعة، وتتيح نشر المعلومات الصادقة والصحيحة أولا باول للجمهور، وأعتقد جازما هنا أن إتاحة المعلومات الصحيحة وفي اسرع وقت للجمهور سيساعد الناس على فهم ما يجري، وسيجد الجمهور نفسه تلقائيا يحدد مواقفه بناء على ما بحوزته من معلومات يثق بها تماما، وستختفي مأساة بناء الإشاعات والاتهامات والتكهنات باهظة الثمن.

 

بالأمس أسعدني الموقف الحكومي وعبر الناطق الرسمي من وضع بعض النقاط الرئيسية في قضية تزوير الدخان وتهريبه، وبالرغم من ان الرواية الرسمية لا يزال يعوزها الكثير من التفاصيل إلا انها خطوة أراها جيدة في هذا المضمار الذي ندعو فيه الى إعادة تهذيب قانون ضمان حق الحصول على المعلومات، ثم إعادة النظر كلية في التعديلات التي أدخلتها الحكومة السابقة على قانون الجرائم الالكترونية.

 

قبيل ايام واثناء مناقشة مجلس النواب للبيان الوزاري زارتنا في مكتب الصحفيين تحت قبة مجلس الامة وزيرة الدولة لشؤون الاعلام جمانه غنيمات، تحدثت معها باقتضاب حكمته الظروف تحت القبة عن أهمية مراجعة قانوني ضمان حق الحصول على المعلومات، والجرائم الالكترونية، في ظل تاكيداتها لي ولزملائي الصحفيين بان الحكومة ستدفع بتعديلات القانونين لمجلس النواب سريعا إلا أنني حذرتها من ذلك قائلا إن على الحكومة ان تعيد قراءة القانونين وتعديلاتهما المقترحة التي لا ترقى وبالضرورة للمعايير الدولية قبل إرسالهما لمجلس النواب.

 

لا ادري إن كان احد سيأخذ بوجهة نظري، لكنني مع ذلك شعرت ان ثمة أداء حكوميا جيدا في وضع الحد الأدنى من المعلومات حول قضية "تزوير السجائر" أمام الجمهور..

 

وبالنتيجة فان محاربة الفساد لا تتم أبدا إلا بحرية مفتوحة للإعلام وضمانات كافية لحرية الرأي والتعبير، وفي مقدمة ذلك إتاحة المعلومات وانتهاج سياسة الإفصاح عن المعلومات، فالفساد يترعرع في بيئة السرية والكتمان، وهذا ما يجب على الحكومة الوعي عليه، وتسليط الضوء المبهر على تفاصيله من خلال مبدأ الإفصاح التلقائي لكل مؤسسات الدولة.//