الباشا نوري السعيد

أحد أهم الشخصيات في التاريخ العربي المعاصر رغم انه ليس عربيا، واهميته متعددة الابعاد، فهو رئيس للوزراء في
بلد محوري كالعراق وفي حقبة زمنية فارقة كان العراق فيهاقلب الشرق العربي وعقله،'ابو صباح'استلم رئاسة الوزراء في العراق لاول مرة في اكتوبر من عام 1932 واستمر وعلى فترات زمنية يتولى ذات المنصب حتى الانقلاب المشبوه على الحكم الهاشمي في العراق في عام 1958 زمن حكم الملك فيصل الثاني الصديق الصدوق للملك الحسين بن طلال طيب االله ثراه، والانقلاب المشبوه كان يراد منه ابادة العرش الهاشمي سواء اكان في العراق او الاردن الا ان حكمة وحنكة 'الحسين'وطريقة تعامله قللت حجم الكارثة وجعلت الاردن خارج مشروع الالغاء والشطب رغم قناعتي ان
المشروع لم يدفن وهو متجدد في الكثير من دوائر صنع القرار تحديدا في واشنطن وتل ابيب.

'الخطيئة الاكبر' للباشا نوري السعيد في نظر اعداء الهاشميين كانت مشروع الاتحاد الهاشمي بين المملكتين 'العراقية والاردنية'، ودفع الباشا نوري السعيد حياته ثمنا لهذا المشروع، وتم قتله وسحله في شوارع بغداد بصورة همجية تؤكد غياب الرحمة والاخلاق في ضمائرالانقلابيين.

لا اود الاستفاضة في حيثيات ما جرى في تلك الحقبة من جراح وألم، وتحديدا لدى الراحل الكبير'الحسين بن طلال'، فمقالي هذا اردت منه تسليط الضوء على شخصية ادعي انها من الشخصيات السياسية الابرز في التاريخ العربي الحديث مع عدم التقليل من شأن شخصيات كثيرة زامنته او اعقبته.

ما يهمني في هذا الاستحضار التاريخي لدولة الباشا نوري السعيد، ليس ادارة الدولة وعلاقاتها الخارجية التى ادارها بمنتهي الذكاء والدهاء، وليس صلابته العجيبة في التعامل مع بريطانيا العظمى التى طالما اتهم بانه مجرد عميل لها، ولا عنفوانه في رفض التبعية لمصر في ظل حكم الرئيس جمال عبد الناصر ذي الشخصية 'المؤثرة والشعبية'، ولا تعنته في التعامل مع المشروع الاميركي للسيطرة على نفط العراق، كان'ابو صباح'، وصباح هو ولده الوحيد وكان يطرب لمناداته بهذا اللقب، كان انتحاريا بحكم ادراكه للظروف الخطيرة الداخلية والاقليمية التى كانت توثر على العراق، الا انه لم يكن يعيرها ذلك الاهتمام المطلوب.

الميزة الابرز في'نموذج نوري السعيد' انه لم يكن فاسدا في ظل ولاية عامة مارسها على مدى 28 عاما.

ولابد لي في هذا المقام من سرد واحدة من تلك القصص الكثيرة التى كان فيها نوري السعيد يمارس دوره كرجل دولة يحترم القانون ويمارس الولاية العامة، القصة وهي منقولة من عدة مراجع تاريخية تتحدث عن ان الملك غازي طلب من صباح ابن نوري السعيد خلال احتفال عسكري اقيم عام 1936 المشاركة بالاحتفال من خلال بعض الالعاب الجوية كونه من امهر الطيارين العراقيين الا ان الملك اشترط على صباح اصطحاب احد خدم القصر الملكي المعروف عنهم خفة الدم والفكاهة والخوف من الطيران، وخلال العرض امسك الخادم ونتيجة للهلع بيدى صباح ومنعه من الحركة مما افقده القدرة على التوازن فسقطت الطائرة وتوفى الخادم واصيب صباح نوري السعيد بجروح بالغة نقل على اثرها للعلاج في لندن وهناك تماثل للشفاء وكانت كلفة العلاج وقتذاك قرابة 400 دينار عراقي وهو مبلغ باهظ بارقام وقيمة ذلك الوقت، دفعها نوري السعيد من جيبه الخاص، وبعد فترة قدم نوري السعيد مطالبة مالية بالمبلغ كون المتسبب بالحادث هو الملك غازي الذي اقترح اصطحاب الخادم في عرض الطيران، فقام وزير المالية برفض المطالبة والذي هو وزير لدى نوري السعيد وتفجر خلاف داخل مجلس الوزراء بسبب القضية، استقال على اثره عدد من الوزراء وسقطت الحكومة برمتها كون وزير المالية وعدد من زملائه كانوا على قناعة ان الخلاف المالي محصور بين صباح نوري السعيد والملك ولا علاقة للمالية العامة للدولة به.

والسؤال.. اين العراق اليوم من عراق نوري السعيد؟، واين حكوماتنا في الاردن من نموذج نوري السعيد الذي كان اول رئيس وزراء للاتحاد الهاشمي؟

الرأي