هل تخيلت يوماً أن تستوقف سيارة أجرة بالسعودية وتجد من يقودها سيدة؟.. استمع إلى ما قالته أول سائقة بـ"كريم"

وكالات 

تساعد أول سائقة في شركة كريم المنافسة لأوبر في الشرق الأوسط في فتح طريقٍ جديد لانضمام النساء إلى قوة العمل بالسعودية بعد رفع الحظر على قيادة المرأة. «وصلتُ للتو، أين أنت تحديداً؟»، كانت هذه الكلمات التي قالتها عبر الهاتف آمال فرحات، البالغة من العمر 45 عاماً والأم لطفلين، بينما كانت تقود سيارتها الرياضية متجهةً نحو أحد الأسواق التجارية الشهيرة في جدة. وقالت وهي تضبط نظام تحديد المواقع في سيارتها: «إنَّها المرة الأولى التي أصطحب فيها ركاباً من سوقٍ تجاري». آمال هي واحدة من ألفي امرأة سعودية تقدمن للعمل كسائقاتٍ في شركة كريم، صاحبة تطبيق سيارات الأجرة الشهير، وفق ما أشارت صحيفة The Wall Street Journal الأميركية، التي التقت بها.

آمال فرحات

  تبدو قيادة المرأة السعودية للسيارة أبرز إشارةٍ على التغير الاجتماعي في بلدٍ طالما هيمن فيه النمط الإسلامي المحافظ والتقاليد القبلية على الحياة العامة، لكن امتهانها يفتح باباً جديداً عنوانه الاختلاط والاحتكاك بالغرباء.

امتهان المرأة القيادة يحرك العجلة الاقتصادية بعدما كانت حكراً على الأجانب

ولكن لرفع الحظر أيضاً فائدةً اقتصادية كبيرة؛ إذ يجعل انضمام النساء إلى سوق العمل أرخص وأسهل، بل ويسمح لهن بانتهاج مسلكٍ وظيفي باعتبارهن سائقاتٍ مهنيات، في ظل جهود المملكة لتعديد مواردها بعيداً عن النفط من خلال الارتقاء بالقطاع الخاص. رحَّب كثيرٌ من السعوديين، ولا سيما من الشباب، بهذه التغييرات، التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي يبلغ من العمر 32 عاماً، لكنَّها اجتذبت موجات النقد من المحافظين والجيل الأكبر، الذين استفادوا من نظام الرفاه السعودي من المهد إلى اللحد.

والنظرة إلى مهنة السائق «المخزية» تتغير مع تغيير اللفظ إلى «كابتن»

حتى فترةٍ قريبة، كان من النادر رؤية سعوديين يعملون سائقين؛ لأنَّ كثيراً من السعوديين كانوا يعتبرونها مدعاةً للخزي، وكان المعتاد أنَّ يكون السائقون من الأجانب، وبأجورٍ منخفضة. لكن يبدو أنَّ السلوكيات على وشك التغير بشدة بسبب الضغوطات الاقتصادية، ونظراً إلى أن الحكومة تدفع القطاع الخاص لتعيين السعوديين، الذين يشكلون الآن خمس قوة العمل تقريباً في هذا القطاع. والآن، أصبح أغلب سائقي كريم وأوبر من السعوديين. تأهبت الشركتان كريم وأوبر لاستقبال السائقات من النساء بعد الإعلان عن رفع الحظر منذ عام. وخرجت بعض سائقات الأجرة مثل آمال إلى الطرق لقيادة سياراتهن في أكبر ثلاث مدن بالمملكة: وهي الرياض، وجدة، والدمام. ومن أجل تجاوز العار الذي يلحق بمهنة قيادة السيارات، حظرت شركة كريم استخدام كلمة «سائق»، ووصفتهم بـ «الكباتن»، أو «كابتنات» للنساء الآن. وقال هاشم لاري، المدير العام لشركة كريم في السعودية: «إنَّها إشارة على الاحترام. ليست مجرد قيادة للسيارة وحسب، بل تتعلق برعاية العميل ومعرفة معالم المدينة».

أوبر تخصص ربع مليون دولار لدعم النساء ولكن لا إقبال

وتقول شركة أوبر إنَّها تعهدت بتخصيص أكثر من ربع مليون دولار منذ مارس/آذار لدعم النساء المهتمات بالحصول على رخص القيادة، من خلال دعمهن عبر التكفل بمصروفات مدارس تعليم قيادة السيارات. لكن حتى هذه اللحظة، لم تبدأ أي امرأة سعودية في قيادة السيارة على الطرقات لصالح شركة أوبر. وقالت آمال إنَّ تحدي وصمة العار الاجتماعية ومساعدة النساء في التنقل هما السببان الرئيسيان اللذان دفعاها لأن تكون سائقة لدى شركة كريم، بالرغم من أنَّها تعمل استشارية إدارة جودة بدوام كامل إضافةً إلى الالتزامات الأسرية.

بينما نجح إعلان شركة «كريم» في التحفيز

ظهر أمام عينيها إعلان شركة كريم خلال ساعة من الإعلان عن قرار السماح للنساء بالقيادة في العام الماضي. دعا الإعلان النساء كي «يأخذن زمام المبادرة»، وأنَّه «حان دورهن». أثار ذلك ذكرى من الطفولة لها عن فيلمٍ سوري يحكي قصة امرأة تعمل سائقة أجرة، ووصمة العار التي تلحق بالنساء اللائي يعملن بهذه المهنة. وقالت آمال عن بطلة الفيلم: «أذكر أنَّني كنتُ معجبةً بقوتها. وقلتُ لنفسي: هذا ما أريد أن أكون عليه عندما أكبر». ونظراً إلى البطء الذي يتسم به موسم الصيف، تكرس آمال أغلب وقتها للعمل لدى شركة كريم. حصلت على رخصة القيادة الخاصة بها وهي في الثامنة عشرة من عمرها عندما كانت تدرس في كاليفورنيا، ثم حوَّلتها إلى رخصةٍ سعودية قبل أسبوعين من رفع الحظر. والآن تقود سيارةً من طراز فولكس فاغن طوارق بنية اللون، ابتاعتها منذ ثلاثة أعوام ليقودها لها سائقها. دعمتها عائلتها، بل إنَّ أختها انضمت إليها من أجل العمل لدى شركة كريم.

والبعض يفضل سائقة أنثى بدلاً من رجل

انتابت مزنة أحمد، وهي أم تصحب طفلها، مفاجأة سارة عندما وصلت إليها آمال لتصطحبها بعد أن طلبت توصيلةً عبر تطبيق كريم.   وقالت عن التجربة: «إنَّه شيءٌ رائع. أهل زوجي يعيشون على بعد 45 دقيقة من هنا وعليّ أن أقطع هذه الرحلة باستخدام تطبيق كريم يومياً تقريباً. أشعر بمزيدٍ من الراحة عند ركوب السيارة مع امرأةٍ أخرى».

إذاً غالبية عملاء أوبر وكريم من النساء

وتبلغ نسبة النساء من عملاء كريم في السعودية 60%، فيما يشكلن أيضاً نسبةً كبيرة من عملاء أوبر، حسبما تقول الشركتان. إلا أنَّ كلتا الشركتين لا تريان أنَّ قيادة النساء لسياراتهن تشكل خطورة على نموذج الأعمال الخاص بهما، بل تتوقعان أنَّ انضمام المزيد من النساء إلى قوة العمل سيرفع من إجمالي الطلب على الخدمات.

ولكن الصوت المعارض يخشى من الاختلاط

ومع ذلك، لا يحظى جلوس المرأة في مقعد السائق بقبولٍ كلي من جانب بعض أهل البلد، الذين يتذرعون عادةً بالفساد الأخلاقي وضرورة الفصل بين الجنسين. إذ قال عزيز أحمد، وهو طالب جامعي من جدة: «إنَّني أدعم قيادة النساء للسيارات، ولكن إذا طلبتُ أوبر ورأيتُ أنَّ السائق امرأة، سوف ألغي الطلب. لا أعتقد أنَّه من الصواب لأي امرأة أن تكون وحدها مع رجلٍ أجنبي (لا صلة له بها) داخل السيارة». وتعهد بعض الرجال صراحةً بمضايقة السائقات، مما دفع الحكومة السعودية لإصدار قانون جديد لمكافحة التحرش بدأ سريانه في يونيو/حزيران. وأُلقي القبض هذا الشهر على رجلين في مكة بتهمة إشعال النار في سيارة امرأة. 

والبوادر تشير إلى بداية إيجابية حتى الآن

 

في نهاية الرحلة

وقالت آمال إنَّها لم تواجه أي مشاكل في مدينتها جدة، وهي واحدة من المدن السعودية الأكثر تحرراً. وقالت معلقةً على عمل النساء سائقات: «المجتمع مستعد لهذا». منذ أن بدأت قيادة السيارات لصالح شركة كريم بدءاً من أول يوم من رفع الحظر، أتمَّت آمال 30 توصيلة، وتعاملت مع مجموعةٍ متنوعة من العملاء، بدءاً من العائلات، ومروراً بالمجموعات النسائية من الركاب، ووصولاً إلى العملاء الذين يركبون بمفردهم، وتصف ردود أفعالهم بأنَّها كانت مزيجاً من المفاجأة والإثارة والدعم القوي. وفي أول يوم لها، لم تتمكن إحدى النساء اللائي ركبن معها من احتواء إثارتها، وخرجت من السيارة وعانقتها. وقالت آمال بابتسامة: «حتى الآن، لم أحظَ سوى بتجارب إيجابية».