عن ابن خلدون... ورمضان والرزاز.. وأنا

عن ابن خلدون... ورمضان والرزاز.. وأنا

 

وليد حسني

 

أنا على الصعيد الشخصي منهك من ابن خلدون، ومتعبٌ وبي منه غصة، ومحبة، ونقد جارح، واتهام وصل الى حد انني قبل اقل من عام نشرت في صفحتي على الفيس بوك ما أردت منه ان يكون اختبارا أوليا لردات فعل الناس عما أحيكه من فرضية قوامها ان ابن خلدون لص سيىء لكنه محرر جيد.

 

قامت القيامة على رأسي في حينه، وضحكت في سرِّي" حسنا ها قد بدأت ردات الفعل تتخذ من اتهامي سبيلها إلى تحطيم ما اعتقده ، ولا اظن ان الناقدين الغاضبين لديهم متعة الإنتظار الى حينٍ لمعرفة ما إن كان لدي ما يثبت فرضيتي وافتراضاتي، أو ما ينقدها وينقضها، وبين هذا وذاك بدوت وكأنني احرث في البحر، فها قد لامست أقدام ابن خلدون، فكيف لو عبثت قليلا بغرته، وأعدت ترجيل شعره بما يتناسب وموضة القرن الحادي والعشرين".

 

ذات يوم وأنا في تونس كنت احرص الناس في هذا الكون على ان أول عمل أقوم به فور وصولي للفندق ان اذهب الى تمثال ابن خلدون الشهير وسط شارع الحبيب بورقيبة، فعلت ذلك تماما، ونظرت في قامته السامقة وقلت له" سأعود اليك..".

 

اسوق هذه المقدمة على المقدمة، فلي في ابن خلدون رأي لا أظنه يرضي أحدا من خلق الله، ولي فيه رأي اختبرت ردات الفعل في جزء منه فكانت قيامتي، فكيف لو نفلت الرجل، وأعدت نظريته في العمران البشري الى أصولها والى أبيها الأول وصانعها الرئيسي، وكيف لو قاربت هذا بذاك وعريت الناقل من منقوله، ورددت الفرع الى الأصل، فكيف ستكون ردات الفعل، وكيف سيكون حال مثلي وقد لامست مقدسا مهيبا، وتسللت الى حنجرته وعبثت قليلا بصوته وبلحيته؟؟.

 

وأنا منذ سنوات أعيش يومي مع ابن خلدون، ووالله لا يكاد يفارقني فكرا وتفكرا، وهذا ما دفعني للضحك حين سمعت امس الاول رئيس الوزراء د. عمر الرزاز وهو يستعير من ابن خلدون قوله في بيانه الوزاري" المُلك بالجند، والجُندُ بالمال، والمال بالخراج، والخراج بالعمارة، والعمارة بالعدل، والعدل باصلاح العُمَّال، وإصلاح العمال باستقامة الوزراء..".

 

ضحكت لأن ذات الفقرة التي استشهد بها الرئيس الرزاز من مقدمة ابن خلدون ( المقدمة ــ تحقيق د. علي عبد الواحد وافي ــ الجزء الاول ـ ص ٣٣٤ ــ دار نهضة مصر ــ الطبعة السابعة ــ مارس 2014) كان قد سبقه اليها النائب المهندس خالد رمضان في نهايات كلمته التي القاها في مناقشات الثقة بحكومة د. هاني الملقي.

 

بدا التناص مهيبا أمس الاول بين د. الرزاز من جهة، وبين النائب رمضان من جهة ثانية وبين ابن خلدون من جهة ثالثة، وتساءلت.. ما الذي يجري هنا تحت القبة، ولماذا كل هذا التوافق بين رئيس الوزراء وبين النائب وبفارق اكثر من سنة، ولماذا هذه الجملة بالذات وفي مقدمة ابن خلدون المئات من تلك الجمل التي يمكن لأي قارىء او باحث الاستشهاد بها في مثل المقام الذي قامه رمضان اولا والرزاز ثانيا؟

 

سؤال بدا بالنسبة لي عبثيا، لكنني أقنعت نفسي بأن قيمة الصدفة تكاد تكون صفرا هنا، هل ثمة تأثير للنائب رمضان على الرزاز؟ وهل سيمنح رمضان الثقة للرئيس الذي يتاقطع معه تماما في الموقف من الدولة المدنية، وكلاهما بحق من أشد المتحمسين لشكل ومضمون تلك الدولة.

 

كنت هممت بسؤال النائب رمضان إن كان لديه ما يقوله في هذا التوافق ، إلا أنني أحجمت، وقلت لربما ان الرئيس الرزاز اتصل برمضان واقترح الاخير عليه تضمين هذه الفقرة في بيانه.

 

بالنتيجة هذه هي المرة الأولى التي يحضر فيها ابن خلدون في بيان حكومي لنيل ثقة مجلس النواب منذ المجلس النيابي الأول سنة 1946 ، لكنها ليست المرة الأولى التي يحضر ابن خلدون فيها تحت القبة، لكنه يبقى حضورا معدودا على أصابع اليد الواحدة كان اخرها بالطبع كلمة النائب رمضان في مناقشات الثقة بحكومة د. الملقي.

 

والسؤال الأهم لماذا توقف د. الرزاز عند هذا الحد من مقولة ابن خلدون التي نقلها هو الآخر عن أنو شروان الفارسي، فهي بالنتيجة ليست مما اختلقه ابن خلدون وأصَّله في مقدمته..

 

حين سمعت الرئيس الرزاز يستعير ما استعاره من المرحوم ابن خلدون ضحكت، وفي نفسي تلمع فكرة واحدة فقط.. الرزاز يريد أن يقول شيئا هنا، يريد أن يقول لنا إن الخراج ( الضرائب والمكوس) هي التي تبني الدولة المدنية الحديثة، وهي التي تقوي السلطة والدولة والملك، وبغيرها لا يمكن للدولة ان تقوم وأن تصح..

 

والسؤال .. ما هو شكل ومضمون الخراج الذي سيفرضه الرزاز علينا في مقبلات الأيام..؟؟

 

سؤال لا أظن ان لابن خلدون علاقة به، وما عناه النائب رمضان في كلمته، لا يتوافق وبالضرورة ما عناه الرزاز في بيانه..

 

وتلك معضلة خنادق التفكير وما ينتج عنها من أفكار ومشاريع وخطط لن تكون الرعية بعيدة عن استحقاقاتها...//