امتحان حكومة الرزاز هنا .. !

الآن(بعد احتجاجات الاردنيين التي اسقطت الحكومة وأتت بحكومة جديدة بشرت بنهضة وطنية قادمة) بوسعنا ان نسأل حكومة الدكتور الرزاز بصراحة: هل لدينا الرغبة والارادة باخراج ملف الاصلاح السياسي من دائرة الكلام والوعود والاجراءات البطيئة الى التنفيذ العاجل والمدروس، هل دقت ساعة الحقيقة فعلا لنباشر تنفيذ مشروعه دون ابطاء، وقبل ذلك، ما هو الاصلاح السياسي الذي نريده، وهل سيختزل في قانون الانتخاب فقط، ام في احياء الحزبية وفق رؤية عابرة للمخاوف والتحفظات ومقررات الوجوه المتناقضة، ثم ماذا عن مجالات الحريات العامة وتشريعاتها، وماذا عن آليات تشكيل الحكومات ومحاسبتها، وعن الفساد وجذوره الممتدة في الاعماق وغير ذلك من العناوين التي تتعلق بصناعة القرار؟

قبل ان نجيب على هذه التساؤلات بصراحة لا بد ان نعترف ان مسيرة الديمقراطية في بلادنا،على امتداد السنوات الماضية، تراجعت، وتراوحت دعوات الاصلاح السياسي بين مد وجزر، وارتبطت غالبا بالمتغير الخارجي اكثر من ارتباطها بالضرورة او الدافعية الوطنية، وبدلا من ان نتوجه الى الفعل الذي لم يكن بحاجة لاكثر من ارادة وقرار، توجهنا الى التغطية عليه بانشاء وزارة للتنمية السياسية وكأن السياسة في بلادنا بعد سبعين عاما بحاجة الى تنمية تأخذها الى الرشد والنضج، مع اننا ندرك تماما ان الدخول في التجربة، وتصويب اخطائها، وتمكينها من ارساء قوانين وتقاليد، هو مفتاح التنمية الحقيقية، باعتبار ان الكلام الطويل عن التنمية والاصلاح، هذا الذي استغرقنا طويلا فيه، شيء يختلف تماما عن مباشرة التنمية في الميدان.. وعن مباشرة الاصلاح بالعمل والانتاج، لا بوضع التصورات والخطط وتوزيع الوعود وتزاحم الحوارات والورش وجلسات العصف الفكري وتعليق التأخير على مخاوف تغيير المعادلات القائمة، او على هواجس الظروف الطارئة.

حتى الآن ما نزال - نحن - نتمسك بآمالنا المشفوعة برجاء التطوير والخروج من محنة الجمود والتعطيل والتعويل على ما يريده الاخر لنا، لكن ذلك لا يمنعنا من التنبيه الى عدم الانشغال بما يجري اذا كان الهدف منه الاستهلاك فقط، او استباق ما ينتظر ان يأتي من الخارج، او عادة السجالات التي شهدناها في مواسم الفزعات الى الصدارة مرة اخرى، او غير ذلك من المبررات التي لا تخفى على المواطن الذكي، ومعيار اهتمامنا - هنا - هو حركة حكومة الدكتور الرزاز نحو الفعل والمبادرة، وما يصدر من مقررات وقرارات، وما يعتمد من ضرورات داخلية وخصوصيات محلية، واعتبارات وطنية، لا ما يقال من تكييفات او رسائل او محاولات للتغطية وتزيين الصورة.. او اشغال الصالونات والاعلام والنخب العاطلة عن العمل.. بالكلام فقط.

للرد على «لعنة الفرن» وكل الاخطار التي تحدق ببلدنا لا بد - بدهيا - ان نفكر «خارج الصندوق»، وان نبدأ بالاصلاح السياسي الذي يفترض ان يكون مشروعا للنهضة والتحديث لا مجرد محاولة للتحسين والتزيين وطلاء الجدران، ويجب ان يؤسس لمرحلة من التقويم والنقد والحراك المجتمعي لا للتسليم بالواقع والمحاصصة وتقليب المصالح والمواقع وفق المعادلات القائمة، وهو لذلك يحتاج الى مصلحين و سياسيين جدد ونخب حقيقية ومناهج وبرامج سياسية، والى قيم وطنية وسياسية واجتماعية تتجاوز ما ألفناه من قيم الشطارة وأعراف البزنس ومقولات الجغرافيا واعتبارات المكافأة والترضية ومبررات تقديم اصحاب الحظوة على اصحاب الكفاءة.

إذا إرادت الحكومة أن تبعث برسالة صحيحة ومقنعة تؤكد جديتها في تدشين تحول ديمقراطي حقيقي لا مجرد اصلاحات عاجلة فإن المطلوب منها ان تمسك بزمام المبادرة، وأن تمسك هي بها دون لجان ودون حوارات وطنية طويلة ودون تسويف، وان تبدأ بلا تردد بعمليات جراحية لا عمليات تجميلية، بل عمليات خاطفة وعميقة ومؤثرة وسريعة، تستهدف اهم العناوين التي تشكل اليوم اطارا لمطالب الناس، ولا أعتقد أنها لا تعرفها، واذا كانت تريد ان ندلها عليها فهي تتلخص في: تقديم مشروع قانون انتخابي عصري، واحالة رؤوس الفساد الى القضاء، وفتح ملفات بيع الشركات الوطنية والأراضي، وفتح ملف الخصخصة والمديونية ومحاسبة كل الذين تجرأوا على أموالنا وممتلكاتنا... إلخ الخ.

هذه كلها كما قلنا لا تحتاج - اذا كنا نريد التحول الديمقراطي - الى مشاورات او حوارات او لجان، إنما تحتاج الى ارادة ورؤية وشجاعة في اتخاذ القرار.

لكن اذا استمرت الحكومة باستخدام الوقت واضاعة الفرصة التي بين يديها الآن، فإننا للأسف سنظل ندور في ذات الحلقة التي دارت بها حكوماتنا السابقة وسنظل نتحدث باستفاضة عن الإصلاح والديمقراطية دون أن نرى من ثمارها أي شيء وهو ما يستدعي الحذر والانتباه في هذا الوقت الذي نعرف جميعا استحقاقاته وعواصفه.

اذا، امتحان حكومة الرزاز هنا وليس في اي مكان آخر، اتمنى ان تنجح في الامتحان، قولوا معي : آآآمين.

الدستور