المصري.. محاضرة صعبة عن  مسرح جريح

المصري.. محاضرة صعبة عن  مسرح جريح

 

وليد حسني

 

 قرأت باهتمام شديد النص الكامل لمحاضرة طاهر المصري، رجل الدولة الرفيع، وقرأت عشرات التعليقات على منصة الفيس بوك بعضها يذهب الى حد اغتيال الرجل بالاتهام وتحميله مسؤولية ما نحن فيه، والبعض الآخر لا يتحرج ابدا في إبداء كامل احترامه لفكر الرجل وعقله ومواقفه.

 

وشتان بين من يتهم ويجرح دون تحرج أو عفة، وبين من يمدح ويعرب عن اعجابه واحترامه، وبين هذين الخندقين لا تبدو المسافة بحاجة لكبير شرح وتحليل وتعليل، فلكل مشاربه ومسطرته التي يحكم بها على عقول الناس وافكارهم قبل ان يحكم على تاريخهم.

 

ما قاله المصري في محاضرته امام جمعية الشؤون الدولية قبل يومين تحت عنوان"الحراك الوطني والتحديات المستقبلية" يصدق تماما على الواقع الذي نعيشه هذا الاوان تحديدا ونحن لا زلنا بانتظار نتائج احتجاجات 30 ايار الماضي، ثمة فسحة من الوقت والأمل منحها المواطنون للحكومة الوريثة التي يقودها الرئيس المكلف د. عمر الرزاز، وهو الأمل الذي يحذر المصري من اغتياله وإفشاله، يقول المصري هنا وبكل وضوح ان الاردنيين عرفوا طريقهم الجديد في الإحتجاج والدولة اليوم امام ظاهرة جديدة عليها التعامل معها بكل جدية واحترام..

 

هذا عنوان بعض ما قاله في سياق مبادرة المصري لتحليل واقعنا السياسي والإجتماعي والاقتصادي والشعبي بعد 30 ايار، وكأنه يقول إن الأردن الشعبي بعد احتجاج" الأربعاءين" ليس هو الأردن نفسه قبلهما.

 

ويجمل المصري ثلاثة تحديات استراتيجية امام الاردن هي تداعيات صفقة القرن التي يؤكد المصري على ان الاردن سيكون فيها الخاسر الثاني الأكبر بعد الفلسطينيين، وبعد ان لم يعد الأردن يملك حزمة المفاتيح التي كان  يملكها سابقاً ، فالقضايا الجوهرية الكبرى أصبحت مفاتيحها في أيدي لاعبين آخرين".

 

ويضيف المصري ان خيارات الأردن تجاه صفقة القرن ضيقة لأنه يتعرض منذ مدة إلى ضغوط هائلة لكي يسير فــي ركب الحل أو بالأحرى التصفية التي سوف تعرضها إدارة ترامب، داعيا هنا لشد أزر جلالة الملك في مواقفه المعلنة حول حل القضية الفلسطينية وإظهار دعمنا له أمام العالم .

 

والتحدي الثاني الذي يواجه الأردن هو التحدي الإقتصادي قائلا إننا في الأردن لم تعد لدينا مفاتيح كافيــة لإدارة خزانتنا الاقتصادية والمالية بالسيادة التي يتوجب توفرها فينا، فقد سيطر البنك الدولى وصندوق النقد الدولي على توجهاتنا وخياراتنا وأصبحنا أكثر ارتهانا لنصائحه وتوجيهاته دون ان نملك السيادة في حرية الإختيار..).

 

والتحدي الثالث يتشعب ما بين دعوته لأن تتخلص الدولة والحكومة والمسؤولين من عقيدة النكران والإعتراف بمشاكلنا التي نواجهها بكل جرأة، وان تعمل الدولة والحكومة معا على التوقف مطولا أمام استحقاقات احتجاجات 30 ايار، وهو تحد حقيقي سيعبر عن نفسه لاحقا بطرق أخرى اكثر تنظيما وتأثيرا في حال لم تستطع الحكومة الوريثة الحالية من تحقيق مطالب المحتجين وفي مقدمتها تغيير النهج واجتراج الحلول الناجعة للملف الإقتصادي وفي مقدمته بالطبع مشروع قانون ضريبة الدخل.

 

ويدعو المصري هنا لأن تضع الحكومة كامل المعلومات والحقائق امام المواطنين في وجوه صرف تلك الضرائب ومن خلال رقابة صارمة وواضحة الى جانب ضرورة انعكاس عوائد تلك الضرائب على تحسين الخدمات التي يتلقاها المواطن خاصة في التعليم والصحة والنقل العام.

 

محاضرة الرئيس المصري بدت كاشفة تماما، وربما صادمة للكثيرين لكن هذا هو فكر الرجل وجرأته ومساهمته في إحداث حراك فكري ونقاشي حول جملة التحديات التي تواجه الأردن.

 

منذ اشهر عديدة مضت وانا اتابع ما يصدر عن الرجل من مقالات وحوارات ومحاضرات وأظنه اول من توقع نزول الناس الى الشوارع احتجاجا على السياسات الاقتصادية والمالية للحكومة، كما حذر مطولا من التغيرات الجذرية التي تضرب في عمق السلوك الاجتماعي والثقافي والفكري في المجتمع الأردني وهو اول من اعلن ان الشعب تغير الا ان الدولة لم تتغير، وهو أول من صك مقولة أن السياسات الأردنية المتعاقبة عملت على تقوية الحكومات على حساب إضعاف الدولة وسيادتها..

 

الطاهر المصري لم يجاف الصواب في كل ما قاله في محاضرته الصعبة، فقد كان يتلمس مهمته في توصيف حالة المسرح السياسي الجريح في وطن بات مكشوفا لكل مطامع وطموحات الآخرين، وهي مهمة شاقة بالتأكيد لرجل دولة تعرضت حكومته سنة 1991 لإغتيال مبكر في الوقت الذي انجز فيه الكثير من تعبيد الطريق أمام الديمقراطية الأردنية الوليدة في حينه//..