توثيق "الفساد" صعب.. أين واجب الحكومة؟
توثيق "الفساد" صعب.. أين واجب الحكومة؟
بلال العبويني
من المؤكد أن الكثير من الغث انتشر في فترة سابقة تحت مسمى "الفساد" وكان يهدف بعض ناشريه إلى التشهير أو اغتيال الشخصية أو "الابتزاز" من أجل الحصول على منفعة مالية أو وظيفية أو غير ذلك.
لكن، ذلك تراجع كثيرا بعد أن أصبحت المواقع الإخبارية والتواصل الاجتماعي محكومة بقوانين مثل "العقوبات" و"المطبوعات والنشر" و"الجرائم الإلكترونية" والاقتصادية، وغيرها لأن الناشر بات يخشى من العقوبة سواء الحبس أو الغرامات المرتفعة.
من هذه الزاوية تحديدا، ربما كان لتعديلات القوانين والقوانين المستحدثة إيجابية، في حماية الأبرياء من استهداف المبتزين وأصحاب الأجندات الخاصة الهادفة إلى اغتيال شخصية بعينها والنيل من سمعتها أمام الجمهور.
غير أن لها في ذات الوقت، سلبيات كثيرة، منها أن قضايا الفساد باتت شبه غائبة عن التناول الإعلامي بشكل ملحوظ، خوفا من الوقوع تحت سيف العقوبة.
يعلم الصحافيون المهنيون أن أبسط قواعد النشر تتمثل بالتوثيق وإسناد كل قول لصاحبه أو وثيقته، غير أن الصعوبة تتمثل لدينا في الوصول إلى وثائق تؤكد كل ما يتحدث به العامة والخاصة عن ملفات فساد كبيرة وبأموال طائلة، لأن الحصول على المعلومة ليس بالأمر الهين فهي محمية بسلاسل فولاذية لا تظهر للعلن إلا في حالة حدوث خلاف بين أطراف قضية ما مرتبطة بالفساد.
حق الحصول على المعلومة لدينا ليس مقدسا، بل إن إجراءاته معقده ولا يمكن أن يحصل المعني على المعلومة التي يريدها في الوقت المناسب، هذا فضلا عن أن ليس كل المعلومات يستطيع صاحب الحاجة الاطلاع عليها لا من قريب أو بعيد إلا في حالة وجود شخص يمتلك تلك المعلومة ولديه مصلحة في نشرها لغاية ما في نفسه وحده دون غيره.
وما يدلل على أن المعلومة محمية وليست مقدسة لدينا، ما نسمعه من إجابات المسؤولين الحكوميين من وزراء وغيرهم على أسئلة النواب، وردة فعل بعض النواب على تلك الإجابات والتي في الكثير من الأحيان لا تكون شافية بل تكون عامة ولا تُصيب الهدف المراد من السؤال، لكن الطامة الكبرى أن هناك ضعفا لدى الكثير من النواب الذين لا ينجحون في تحويل أسئلتهم إلى استجوابات ومن ثم التصويت على سحب الثقة بهذا المسؤول أو ذاك.
الرئيس الرزاز تحدث عن ضرورة تطوير قانون حق الحصول على المعلومة، وهذا أمر إيجابي بحد ذاته إن تم تطبيق ما جاء به الرئيس ووزير الدولة لشؤون الإعلام جمانة غنيمات على أرض الواقع، لأن غير ذلك سنظل نراوح مكاننا في تمكين العامة من المعلومات التي هي حق لهم بالأساس.
لكن، في البال سؤال يتمثل في هل من واجب الصحافيين أو المهتمين أن يوفروا الوثائق التي تؤكد فساد فلان أو علان وحدهم دون الحكومة أو أجهزتها الرقابية؟.
أليس من واجب الحكومة أيضا توفير تلك الوثائق تحديدا في "قضايا الفساد الكبيرة" التي يتداولها الناس فيما بينهم سواء على وسائل التواصل الاجتماعي أو في جلساتهم الخاصة؟.
توثيق قضايا الفساد صعب، وربما سيظل كذلك حتى في حال تطوير قانون حق الحصول على المعلومات، لذا؛ فإن أي قضية فساد يتداولها الناس علناً لها مؤشرات قد تؤكدها، ما يعني أن الحاجة ماسة عندئذ لتتحرك الحكومة وأجهزتها من تلقاء نفسها للحصول على الوثائق التي تؤكدها أو تُبطلها إن كانت جادة في مكافحة الفساد بمختلف أشكاله.
وإلا "كأنك يا أبو زيد ما غزيت".//