حوارات بروتوكولية في مواجهة عصيبة

حوارات بروتوكولية في مواجهة عصيبة

 

وليد حسني

 

لا بد ان رئيس الوزراء المكلف د. عمر الرزاز قد تلقى بضع نصائح من مستشارين محتملين ومن جهات اخرى مؤثرة في عمق الدولة قالت له بوضوح لا مواربة فيه ان جولاته البروتوكولية على مجلس الامة والاحزاب هي مجرد حملة علاقات عامة لا تأثير لها في قائمة الوزراء الذين سيرافقونه الى الديوان الملكي لتأدية اليمين الدستورية بين يدي جلالة الملك.

 

وفي حال لم يتلق الرئيس المكلف مثل تلك النصائح فانني أتطوع بتقديمها هنا لكن هذه المرة ليست لشخص الرئيس المكلف وانما للآخرين من نواب واعيان واحزاب وربما نقابات ومؤسسات مجتمع مدني خدمها الظرف السياسي فطفت كفلينة على سطح الماء وظنت انها انتصرت على دوامات البحر وامواجه العاتية.

 

انهى دولة الرئيس المكلف بالامس جولة حوارات مركبة مع رؤساء الكتل النيابية واللجان وسبق ذلك لقاء صباحي مع الاحزاب وقبلها باقل من 12 ساعة كان يلتقي مع عدد من الكتل البرلمانية على حفل افطار لا بد ان منظمه كان يستهدف هو الآخر تاكيد حقيقة مدى قربه من الرئيس المكلف وما يمكنه ان يقدمه له من دعم لا يبدو حقيقيا تماما.

 

الرئيس المكلف يفتح هذه الايام سلسلة حوارات بروتوكولية مع العديد من ممثلي مؤسسات المجتمع المدني لغايات استكشاف مدى قدرته على التعامل مع تلك المؤسسات، ولتأكيد حقيقة سيركبها لاحقا حين يقول للجميع انه حاور الجميع والتقى الجميع وأخذ باراء الجميع، وهو في الحقيقة لم يفعل شيئا الان مما سيقول عنه لاحقا.

 

فور تكليفه بتشكيل الحكومة انتقدت تلكؤ الرئيس د. الرزاز بالتوجه سريعا الى مجلس الامة لتحقيق اللقاء البروتوكولي الذي درج عليه كل رؤساء الوزراء السابقين منذ أن قام رئيس الوزراء طاهر المصري بابتداع تلك الحركة بالمبادرة بزيارة رئيسي مجلسي النواب والاعيان حين شكل حكومته في شهر حزيران سنة 1991 ومنذ ذلك الوقت اصبحت تلك الزيارة واجبا بروتوكوليا ابتدعه المصري وجعله سنة حسنة فيمن خلفه من بعده من الرؤساء.

 

لكن الرزاز المكلف بحمل كل اثقال واوزار حكومة سلفه د. هاني الملقي وهو العضو الإشكالي فيها استدرك سريعا تراخيه في المبادرة بزيارة رئيسي الغرفتين التشريعيتين النواب والاعيان، مبديا الكثير من الاحترام والتقدير لهاتين المؤسستين وهو الهدف المراد أصلا من مثل تلك الزيارات البروتوكولية التي ابتدعها الرئيس طاهر المصري وجعلها سنة حميدة فيمن جاء بعده بهدف التاكيد على احترام اي رئيس وزراء للسلطة التشريعية وللبرلمان.

 

لا أجد ما يمكن توقعه في فنجان التوقعات المتسع والمثير الذي يرافق عادة تشكيل كل حكومة جديدة، لكن المثير أكثر أن حكومة د. الرزاز ولدت من رحم حراك اجتماعي وسياسي  تجاوز النقابات والاحزاب والحكومة ومجلس النواب وهو بالنتيجة من فرض أجندة مطالبه على عقل الدولة خدمة للدولة اولا وأخيرا.

 

ان الدولة الأردنية نفسها مدينة لارادة المحتجين أولا، ولتفهم عقل الدولة العميقة لعدم الاشتباك مع المحتجين ثانيا، وهو ما نتج عه تقديم صورة راقية لشعب يمكنه الارتقاء باحتجاجاته السياسية والاقتصادية الى أبعد مدى وبافضل اسلوب تعبير ديمقراطي.

 

الحكومة المكلفة عليها حمل كامل ملف احتجاجات "الدوار الرائع" ودراستها من كامل الزوايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعائلية والطبقية والثقافية .. الخ، وانا اثق بمقدرة د. الرزاز الشخصية على انجاز مثل هذه الدراسة شريطة ان لا يتركها لغيره بل يقوم بانجازها بنفسه، وله تجارب شخصية مهمة في هذا المجال.

 

والهدف من هذه الدراسة التي يتوجب عليه  انجازها سريعا هو تحديد خارطة طريقه لانجاز العقد الاجتماعي الجديد الذي تحدث عنه جلالة الملك في كتاب التكليف، وبكل ما يعنيه هذا المضمون من تغييرات جذرية قد تطال الدستور نفسه.

 

المهم أن جولات الرئيس المكلف ستبقى في اطار حراكه البروتوكولي الذي لن يؤثر كثيرا على بنية وتشكيلة حكومته المرتقبة، والمهم أن يستطيع د. الرزاز بناء علاقة مع الجمهور والشارع الذي كان سببا في وصوله الى موقعه الاول في الدوار الرابع بالرغم من انه لم يكن في وارد أحد من المحتجين والهاتفين باسقاط حكومة الملقي المطالبة بالرزاز باعتباره بديلا ثوريا لسلفه المقال.

 

امام د. الرزاز تحديات جسام أولها واخطرها ان الشارع الاردني لم يعد يرى أمامه اية حواجز يمكنها اعاقة طريقه في الإحتجاج والتمسك بمطالبه، وسيتعود الاردنيون على ذلك وسيفعلونها في وجه الرزاز وفي وجوه اخرين إذا تخطى أحد منهم خطوطه الحمراء واعتدى على حقوقهم..

 

وتلك معضلة المستقبل في وجه الرزاز، كما أنها معضلة الدولة الأردنية العميقة في الحاضر والمستقبل أيضا،..//