اليوم.... الأردنيون يحتفلون بالعيد الـ72 لاستقلال المملكة
اليوم.... الأردنيون يحتفلون بالعيد الـ72 لاستقلال المملكة
عمان – بترا
بالفخر والاعتزاز، وبعزيمة وثقة نحو مستقبل أفضل، يحتفل الأردنيون الجمعة 25 أيار، بالعيد 72 لاستقلال المملكة الأردنية الهاشمية، هذا اليوم الوطني الأغر الذي نستذكر فيه أسمى معاني التضحية والوفاء والانتماء والعطاء لوطننا الغالي، بما تحقق من منجزات أعلت شأن الوطن ورسّخت مكانته.
ويواصل الأبناء والأحفاد مسيرة البناء والإنجاز والريادة والإبداع، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، متطلعين للمستقبل بتفاؤل وأمل وعزيمة وإصرار لتحقيق التقدم والازدهار، ومتحملين مسؤولياتهم تجاه وطنهم والذود عن حماه، وصون مكتسبات استقلاله بعزم وثقة واقتدار.
ومنذ فجر هذا اليوم الخالد من تاريخ الوطن قبل 72 عاماً، سطر الأردنيون والأردنيات، عناوين حريتهم ومجدهم وفخرهم، وعاهدوا قيادتهم الهاشمية الحكيمة على مواصلة الإنجاز تلو الإنجاز، والبقاء أنموذجا للدولة الحضارية الناهضة التي تستمد قوتها من تعاضد أبناء شعبها الوفي، والثوابت الوطنية والمبادئ والقيم الراسخة التي حملتها الثورة العربية الكبرى، التي كان الأردن وما يزال وسيبقى وريثها السياسي وحامل مبادئها.
وفي هذا اليوم المكلل بالعز والمجد، التأم المجلس التشريعي الأردني في 25 أيار عام 1946، وتُلي فيه قراره التاريخي بإعلان استقلال المملكة بما يلي: "وبمقتضى اختصاص المجلس الدستوري، تقرر بالإجماع إعلان البلاد الأردنية دولة مستقلة استقلالاً تاماً وذات حكومة ملكية وراثية نيابية، والبيعة بالملك لسيد البلاد ومؤسس كيانها وريث النهضة العربية عبدالله بن الحسين المعظم بوصفه ملكاً دستورياً على رأس الدولة الأردنية بلقب حضرة صاحب الجلالة ملك المملكة الأردنية الهاشمية"، لتبقى هذه اللحظات عالقة في ذاكرة التاريخ، كمحطات عز وفخر ومجد لا تمحو الأيام عبيرها، وستبقى في الوجدان أنشودة وطن يتغنى بها المخلصون من أبنائه وبناته.
وعلى مدى سبعة عقود، استند الأردن الى قواعد راسخة في الإصلاح والعدالة والعيش المشترك وقبول الآخر والتكاتف والعمل والعطاء، لتحقيق التنمية الشاملة والعيش الكريم لأبنائه، كما أرسى المغفور له الملك المؤسس قواعد إنشاء دولة المؤسسات القوية، وأسندها المغفور له الملك طلال بن عبدالله بدستور حضاري، ورفع بنيانها وزاد من شأنها باني الأردن الحديث، جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراهم.
وبين العهد الأول والرابع للمملكة، تسلم جلالة الملك عبدالله الثاني سلطاته الدستورية، ملكاً للمملكة الأردنية الهاشمية، في السابع من شهر شباط عام 1999، ليغدو الأردن أنموذجاً في العمل الجاد نحو حل القضايا التي تواجه الوطن والمنطقة، فضلاً عن عمل جلالته الدؤوب على الساحة المحلية، لتطوير مختلف النواحي السياسية والثقافية والاقتصادية والأمنية وبناء القوات المسلحة على أسس عصرية وعلى قدر من المهنية والاحتراف العالي، إلى جانب تجذير الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية، وتعزيز سيادة القانون، وتحقيق الأمن والأمان لكل المواطنين.
وحظي الدور الكبير الذي يقوم به جلالة الملك عبدالله الثاني، منذ أن تبوأ سدة الحكم، بتقدير الأوساط السياسية العربية والدولية، لما لجلالته من إسهامات بارزة في دعم التعاون العربي وإزالة الخلافات بين الدول الشقيقة، للوصول إلى استراتيجية تكفل للأمة العربية تعاونها وتضامنها وبلوغ أهدافها القومية، حيث تتسم سياسة جلالته الخارجية بالصراحة والوضوح والدبلوماسية التي تعمل على تعزيز البناء مع جميع الدول، على أسس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وحل النـزاعات بالطرق السلمية.
كما تصدر الهم الوطني والعربي وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والإدارية، والاستقرار السياسي في المنطقة، ومكافحة الإرهاب والتطرف، ونشر السِلم والأمن الدوليين، وإيجاد حلول شاملة لمختلف قضايا المنطقة ولا سيما القضية الفلسطينية باعتبارها "قضية الأردن الأولى"، والدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، ومواجهة القرار الأميركي الأحادي الجانب المتمثل بنقل سفارتهم إلى القدس، باعتباره قرار يخالف القانون والشرعية، أولويات جلالة الملك عبد الله الثاني خلال الآونة الأخيرة.
وعمل جلالته من خلال جهود مكثفة ودؤوبة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وعلى مختلف المستويات المحلية والإقليمية والدولية، لتحقيق الأفضل للمواطن الأردني ولمستوى دخله ومعيشته، وتحسين نوعية الخدمات المقدمة له، والتخفيف من معاناته في مختلف الظروف، وتوضيح المفاهيم السمحة التي ينطلق منها الدين الإسلامي الحنيف، وتحقيق استقرار المنطقة برمتها، وتعزيز آفاق التعاون بين مختلف الثقافات والشعوب بوجه عام.
قصة الاستقلال بدأت مع مطلع عشرينيات القرن الماضي، بقدوم الأمير العربي الهاشمي عبدالله بن الحسين، حين التف الأردنيون حوله لتكون البداية المؤزرة في بناء الدولة الأردنية الحديثة، وخلال الفترة الممتدة من عام 1923- 1946 نهضوا بمسؤولياتهم نحو تحقيق الاستقلال التام بثقة وإيمان عميق بالمستقبل ليتم وضع أول قانون أساسي للبلاد في 16 نيسان 1928، والتي تناولت فصوله السبعة حقوق وواجبات الشعب والتشريع والقضاء والإدارة ونفاذ القوانين والأحكام.
وجرت بعدها أول انتخابات تشريعية، تبعها افتتاح الدورة الأولى للمجلس التشريعي الأول المنعقد في شرق الأردن في 2 تشرين الثاني 1929، وشهدت ثلاثينيات القرن الماضي تأكيدا لنهج الديمقراطية والتي رافقت بدايات تأسيس الدولة، من خلال انعقاد مؤتمرات وطنية تمسكت بحق الأردنيين في التخلص من الاستعمار الأجنبي وبناء الدولة بسواعد رجالاتها.
ووقعت آنذاك سلسلة معاهدات بين انجلترا وشرق الأردن، آخرها كان المعاهدة البريطانية-الأردنية في 22 آذار 1946، والتي أنهت الانتداب البريطاني ونصت على الاعتراف بالأردن دولة مستقلة ذات سيادة والأمير عبدالله ملكاً عليها، لتلعب المملكة بعدها أدواراً متقدمة وبارزة على مختلف المستويات العربية والدولية، وتتبوأ مكانة على الخارطة العالمية بعد أن وظفت استقلالها في الدفاع عن قضايا الأمتين العربية والإسلامية.
ولم تغب القضية الفلسطينية بصفتها قضية الأردن الأولى وأولويتها الرئيسية عن فكر الهاشميين، بل كانت وما زالت حاضرة في جهودهم وأولوياتهم حيث طافوا بها في مختلف المحافل الدولية، ووضعوها على جدول الاهتمام الدولي، فبعد إعلان الاستقلال بأيام وفي مؤتمر قمة انشاص بمصر، أعلن ملوك ورؤساء الدول العربية وفي مقدمتهم جلالة الملك المؤسس أن القضية الفلسطينية تهم سائر العرب وليس الفلسطينيين وحدهم.
وأنجز الأردن دستورا جديداً للدولة، والذي صادق عليه المجلس التشريعي في 28 تشرين الثاني 1946، وفي 4 آذار 1947 تم تشكيل أول حكومة في عهد الاستقلال، وجرت في 20 تشرين الأول 1947 أول انتخابات برلمانية على أساس الدستور الجديد.
وفي حرب النكبة عام 1948، سطر الجيش العربي المصطفوي أروع بطولات التضحية والفداء في الدفاع عن فلسطين والقدس وقدم مئات الشهداء على أرضها.
وفي كانون الثاني (يناير) 1948 وافق مجلس الأمة على قرارات مؤتمر أريحا الذي نادى بالوحدة الأردنية الفلسطينية، وتشكل المجلس النيابي الأول بعد الوحدة في نيسان 1950، ثم تشكلت أول وزارة موحدة للضفتين برئاسة سعيد المفتي، وصادق الملك المؤسس على قرار الوحدة الصادر عن المجلس بتاريخ 24 نيسان من العام ذاته.
وبقي المغفور له الملك المؤسس يذود عن حمى الأمة العربية حتى اللحظات الأخيرة من حياته إلى أن أقدمت يد غادرة على اغتياله على عتبات المسجد الأقصى في القدس واستشهد، طيب الله ثراه، الجمعة في 20 تموز 1951 لينضم إلى قافلة الشهداء الذين بذلوا أرواحهم في سبيل مبادئهم وقيمهم وثوابتهم العربية النبيلة الأصيلة.
واعتلى المغفور له جلالة الملك طلال، عرش المملكة العام 1951 وحتى 1952، وكان أول ضابط عربي يتخرج من كلية ساند هيرست البريطانية، ورغم حقبة حكمه القصيرة، فقد كان من انجازاته العظيمة التي تعزز الاستقلال ودعائم المجتمع القائم على الحرية المسؤولة أمام القانون، إصدار الدستور الاردني في 8 كانون الثاني 1952 كأول دستور وحدوي عربي، حيث نص على اعلان ارتباط الأردن عضوياً بالأمة العربية وتجسيد الفكر القومي للثورة العربية الكبرى، ملبياً آمال وتطلعات الشعب الأردني كونه جاء منسجما مع التطورات الهامة خاصة بعد وحدة الضفتين العام 1950 وتنامي الشعور الوطني والوعي القومي في الوطن العربي.
كما اتخذ الأردن في عهده قراراً يقضي بجعل التعليم إلزامياً ومجانياً، فكان له الأثر الكبير في النهضة التعليمية فيما بعد، وتم في عهده إبرام اتفاقية الضمان الجماعي العربي وتأليف مجلس الدفاع المشترك، وانشئ في عهده ديوان المحاسبة.
ومنذ أن تسلم المغفور له بإذن الله الملك الحسين سلطاته الدستورية في 2 أيار 1953، بدأ عهد البناء والتقدم والنهضة الشاملة.
وفي لحظات حاسمة من تاريخ الأردن الحديث، اتخذ الملك الحسين قراراً تاريخياً عام 1956 بتعريب قيادة الجيش العربي، وعزل الجنرال كلوب بعد ان تكوّنت قناعة أكيدة لجلالته بأن بقاء قائد انجليزي للجيش العربي الأردني سيحد من دور الضباط العرب ويؤثر على الاستراتيجية الدفاعية للبلاد، وخلال الأعوام 1961 وقبيل حرب حزيران 1967 وبعد أن تجاوز الأردن فترة بالغة من الاضطراب داخلياً وعربياً، بدأ الاقتصاد الأردني يشق طريقه بتطور لافت ضمن خطط تنموية مدروسة.
ورأت النور صناعات كان لها تأثير بتأمين العمل لعشرات الآلاف من العمال وظهر جيل جديد من رجال الأعمال والتجار وأصحاب المهن الحرة، كما وضع حجر الأساس للجامعة الأردنية وضاعف ميناء العقبة من شحناته الصادرة والواردة وتطور قطاع النقل الجوي والسياحة.
وبعد حرب 1967 أدت الجهود الأردنية الدبلوماسية بقيادة الملك الحسين إلى استصدار القرار الأممي رقم 242 في تشرين الثاني 1967 واشتمل على معادلة انسحاب شامل مقابل سلام شامل والاعتراف بحق الجميع العيش بسلام في المنطقة.
وبعد نحو عام سجل الجيش الأردني أروع ملاحم البطولة والشرف، والذود عن حمى الوطن، إذ الحق أول هزيمة بالجيش الإسرائيلي في معركة الكرامة 1968 التي رفض جلالته وقف إطلاق النار فيها حتى انسحاب آخر جندي إسرائيلي من الأراضي الأردنية.
وفي العام 1988، اتخذ الأردن قرارا بفك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية، بعد أن كان قد اعترف العام 1974 وبناء على توصيات القمة العربية في الرباط بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، وفي الوقت ذاته استمر الأردن بواجباته القومية استنادا إلى ثوابته ورؤى قيادته الهاشمية خاصة في رعاية المقدسات الإسلامية والمسيحية التي تسكن في الوجدان الهاشمي.
وشهد العام 1989 أول انتخابات نيابية بعد قرار فك الارتباط واستؤنفت المسيرة الديمقراطية، وفي العام 1991 قام المغفور له الملك الحسين بدور جوهري في انعقاد مؤتمر مدريد للسلام، وفي توفير مظلة تمكن الفلسطينيين من التفاوض حول مستقبلهم كجزء من وفد أردني- فلسطيني مشترك، ووقع الأردن معاهدة سلام مع إسرائيل العام 1994، تضمنت الاعتراف بدور الأردن في محادثات المرحلة النهائية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل خاصة فيما يتعلق بالقدس واللاجئين والنازحين والعلاقة المستقبلية بين الأردن والدولة الفلسطينية، كما عززت موقف الجانب الفلسطيني في تفاوضه مع إسرائيل لاستعادة الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1967.
وكان السابع من شباط 1999 يوم حزن وأمل عند الأردنيين، الذين أسموه بيوم الوفاء والبيعة، الوفاء للملك الحسين باني الأردن الحديث والبيعة لجلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين معقل الأمل والرجاء، ووريث العرش الهاشمي ومعزز الإنجاز وحامي حمى الأردن العظيم، لتبدأ مرحلة جديدة من مواصلة البناء والإنجاز وتحقيق التنمية بمفهومها الشمولي والمستدام سياسياً واقتصادياً واجتماعياً بصورة عامة.
ولأن الإنسان هو العامل الرئيس في عملية التنمية وهدفها ووسيلتها، أكد جلالته ضرورة إعادة تأهيل المواطن بإعادة النظر في برامج ومناهج التعليم، ووضع برامج التأهيل والتدريب التي تؤهل الشباب لدخول سوق العمل والاستفادة من ثورة المعلومات والتكنولوجيا التي تميز هذا العصر بوجه عام.
وسار جلالته على خطى آبائه الهاشميين في بناء الدولة العصرية الحديثة، والتقدم في مجالات التنمية الشاملة والمستدامة، وإرساء أسس العلاقات المتينة مع الدول العربية والإسلامية والصديقة، ودعم وتعزيز مسيرة السلام العالمية.
واستحدث الأردن خلال السنوات الأخيرة، مؤسسات ديمقراطية جديدة لتعزيز سيادة القانون وتطبيق العدالة، أهمها المحكمة الدستورية والهيئة المستقلة للانتخاب وهيئة النزاهة ومكافحة الفساد، واللجنة الملكية لتطوير الجهاز القضائي وتعزيز سيادة القانون.
وشكّل المواطن الأردني، والارتقاء بمستوى معيشته، وتحسين نوعية الخدمات المقدمة له، والتخفيف من معاناته في مختلف الظروف، جوهر الأنشطة واللقاءات والمباحثات الملكية، فضلاً عن توجيهاته المستمرة لتوفير حياة كريمة ومستقبل أفضل للأردنيين.
كما شهد القضاء في عهد جلالته تطورات إصلاحية مهمة أسهمت في تعزيز دور القضاء النزيه والعادل، كما أعاد جلالته تأكيد أهمية دور القضاء في ترسيخ العدالة وسيادة القانون ومكافحة جميع أشكال الفساد وحماية المجتمع، وتعزيز النهج الإصلاحي وحرصه على دعم الجهاز القضائي واستقلاليته وتعزيز إمكاناته ورفده بالكفاءات المؤهلة.
وكان التطور الكبير في مجال التنمية الاقتصادية تمثل في انتقال الأردن لمرحلة تحرير التجارة واقتصاد السوق، وزيادة حجم الاستثمار والتطوير الصناعي والتكنولوجي وتوقيع العديد من اتفاقيات التجارة الحرة مع عدد من البلدان.
ووفق التوجيهات الملكية، تم إعداد رؤية الأردن 2025 لترسم طريقاً للمستقبل وتحدد الإطار العام المتكامل الذي سيحكم السياسات الاقتصادية والاجتماعية القائمة على إتاحة الفرص للجميع وتعزيز سيادة القانون، وزيادة التشاركية في صياغة السياسات، وتحقيق الاستدامة المالية وتقوية المؤسسات.
وتحظى جهود تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية التي تم إطلاقها تحت الرعاية الملكية في أيلول 2016، بمتابعة مستمرة من قبل جلالته ودعمه لتحقيق نتائج تنعكس إيجابا على رؤية ومسيرة التنمية والتطوير التي يصبو لها الجميع، حيث يحرص جلالته على حماية الفئات الأقل دخلا والطبقة الوسطى.
وعلى صعيد مسيرة الإصلاح التي تنتهجها المملكة، شهد العام الماضي خطوات هدفت لتعزيز الإصلاح وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية وإشراك المواطنين في عملية صنع القرار، عبر إقرار حزمة من القوانين والتشريعات الإصلاحية، إضافة إلى إجراء الانتخابات البلدية واللامركزية التي انتجت تمثيلاً شعبياً يعد الأكبر في تاريخ الأردن.
ولتحفيز الحوار الوطني حول مسيرة الإصلاح الشاملة وعملية التحول الديمقراطي التي يمر بها الأردن، نشر جلالته سبع أوراق نقاشية، حيث كانت الورقة النقاشية السابعة، التي نشرها جلالة الملك بعنوان "بناء قدراتنا البشرية وتطوير العملية التعليمية جوهر نهضة الأمة"، خارطة طريق لتعزيز مختلف الجهود الوطنية لتطوير العملية التعليمية وإصلاحها، انطلاقاً من أهمية التعليم في نهضة الأمم، وبناء قدرات مواردها البشرية لمواجهة مختلف التحديات المستقبلية.
وفي زيارات جلالته المتكررة لجميع محافظات وألوية وقرى المملكة، كان اللقاء بين القائد والشعب أنموذجاً نبيلاً في علاقة متميزة يؤطرها الحرص على تحقيق الأهداف الوطنية والمحافظة على مصالح الوطن العليا، ويحكمها الاتفاق على كل ما من شأنه أن يزيد من منعة الأردن ورفعته، ويعزز ويزيد الانجاز الذي تحقق بجهد الأردنيين والتفافهم حول قيادتهم الهاشمية الحكيمة.
وإذ يقود جلالة الملك مسيرة الإصلاح الشامل بأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يحرص على تعزيز المسيرة الديمقراطية وبناء الأردن الجديد، وصولا إلى مرحلة متميزة من الأداء السياسي لحماية الإنجاز الوطني، والدفاع عن قيم الحرية والعدل والمساواة والتسامح واحترام حقوق الإنسان، كما يؤمن جلالة الملك بأن الإصلاح الناجح ليس حدثاً، إنما هو عملية مستدامة تبنى على ما تحقق من نجاحات، وأنه دائرة مفصلية من التغيير، وهذا يعني برامج تربوية تزود اليافعين بوسائل النجاح في الاقتصاد الحديث، ومبادرات في مجال حقوق الإنسان تمكن المرأة والشباب من المشاركة بصورة تامة في الحياة العامة.
ومن منطلق اهتمامه بالشباب، أكد جلالته أن صوت الشباب يشكل قضية أساسية، فهم يمثلون أكثر من ثلاثة أرباع السكان في الأردن، وهم من يتوقعون ويستحقون فرصة لبناء مستقبل إيجابي ومزدهر للوطن والمواطن، كما بدأ في عهد جلالته الاستثمار الفعلي في التعليم، حيث وسّع الأردن إمكانية الوصول إلى التعليم النوعي، ورفع معايير المناهج المدرسية، وأحدث زيادة في تدريب المعلمين، وتوزعت أجهزة الكمبيوتر في غرف الصفوف في أرجاء البلاد، وبدأ تعليم اللغة الإنجليزية في مرحلة مبكرة.
وكانت رؤية جلالة الملك لجعل الأردن بوابة للمنطقة في مجالي تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتجارة الإلكترونية، الدافع والمحرك لإطلاق جلالته لمشروع تطوير التعليم نحو الاقتصاد المعرفي للارتقاء بمستوى النظام التعليمي في الأردن لمواكبة المتطلبات والاحتياجات المحلية والإقليمية والدولية، وإيجاد تنمية اقتصادية مستدامة من خلال طاقات أبنائه المتعلمين، والقادرين على المشاركة الفعالة في الاقتصاد المعرفي محلياً وإقليمياً وعالمياً بوجه عام.
ووضع جلالة الملك خلال استضافة الأردن للقمة العربية في دورتها 28، في 29 آذار للعام الماضي، أمام ملوك ورؤساء الدول العربية مجمل التحديات والقضايا التي تواجهها المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية والأزمة السورية وتداعيات اللجوء السوري، ومكافحة الإرهاب والتطرف، والقضايا العربية الساخنة الأخرى كاليمن وليبيا وغيرها، حيث أكد جلالته أهمية تعزيز ومأسسة العمل العربي المشترك، على النحو الذي يمكّن من تجاوز مختلف التحديات التي تواجه المنطقة بما يخدم قضايا الأمة العربية.
وعلى المستوى الدولي، رسمت لقاءات ومباحثات جلالة الملك في مختلف المحافل الدولية نهجاً واضحاً في التعاطي مع مختلف قضايا وأزمات المنطقة والعالم، حيث كان لمشاركات جلالته في مختلف المحافل الدولية، عربياً وإقليمياً وعالمياً الصدى البارز، والأثر الواضح، في توضيح صورة الإسلام السمحة، والعمل بتنسيق مستمر مع مختلف الأطراف الفاعلة لمكافحة الإرهاب والتصدي لعصاباته المتطرفة، حفظاً للأمن والسلم العالميين، إضافة إلى الجهود والمساعي التي بذلها جلالته مؤخراً على كافة الصعد والمستويات لوضع المجتمع الدولي بصورة مخاطر قرار الإدارة الأميركية اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، والتداعيات السلبية لهذا القرار على حالة الأمن والاستقرار في المنطقة، واستفزاز مشاعر المسلمين والمسيحيين في العالم، وتعارض القرار مع قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية ومدينة القدس بشكل خاص، ومع إطار الحل النهائي للقضية الفلسطينية.
وفي اتفاق تاريخي وقعه الملك عبدالله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس في عمان في آذار 2013، أعيد فيه التأكيد على الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة، وأن جلالته هو صاحب الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس الشريف، وله الحق في بذل جميع الجهود القانونية للحفاظ عليها، خصوصا المسجد الأقصى، المعرف في الاتفاقية على أنه كامل الحرم القدسي الشريف.
وشملت مشاريع الإعمار للمقدسات في عهد جلالة الملك، إعادة بناء منبر "الأقصى"، "منبر صلاح الدين"، وتركيبه في مكانه الطبيعي في المسجد في العام 2006، وترميم الحائط الجنوبي والشرقي للمسجد الأقصى، و11 مشروع ترميم وصيانة لمختلف مرافق وأقسام "الأقصى" وقبة الصخرة، كما يواصل الأردن بقيادة جلالته، دوره التاريخي في رعاية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف، والحفاظ على عروبة القدس وهويتها بدعم وتثبيت أهلها وتعزيز وجودهم، حيث شكل الاهتمام الكبير بالمقدسات الإسلامية في القدس من قبل جلالته، استمرارية للنهج الهاشمي في رعاية المقدسات، وأخذت تلك الرعاية إطارا مؤسسياً تمثل في إنشاء الصندوق الهاشمي لإعمار المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة.
واتخذ جلالته مبادئ الإسلام في العدالة والسلام والتناغم والانسجام الاجتماعي والتسامح، مرتكزات أساسية في الأجندة التي تحمل رؤيته لواقع الأردن ومستقبله، والتزم جلالته في كل المحافل الدولية بالدفاع عن الإسلام بصورته السمحة كأحد واجباته كعربي هاشمي واعٍ لخطورة ما ينال حقيقة الإسلام من تشويه، بسبب موجات الطائفية والتطرف والانغلاق التي باتت تشكل خطرا على العالم بأسره.
واليوم، ينظر الأردنيون والأردنيات لدولتهم، في العيد 72 لاستقلال المملكة، بكل فخر واعتزاز لما تحقق من منجزات أعلت شأن الوطن، ورسّخت مكانته على الساحة الإقليمية والدولية، وطناً عزيزاً بجهود أبنائه وبناته، ومتقدماً برؤية قيادته الحكيمة، وحصيناً محصناً بتضحيات جنوده البواسل، متطلعين بقيادة راعي المسيرة جلالة الملك عبدالله الثاني وسمو ولي عهده، إلى مستقبل طموح، طريقه البناء والعطاء، ومنهجه العمل الدؤوب القائم على التكاتف والتعاون والعيش المشترك، وصورته بحجم حبهم لوطنهم وانتمائهم له، وصونه بزنود الأشاوس في القوات المسلحة الأردنية - الجيش العربي، وإخوانهم في الأجهزة الأمنية الباسلة.
وسيشيّد أبناء وبنات هذا الوطن، ويراكمون على إنجازات الرعيل الأول ممن سبقوهم في مسيرة العطاء والبناء والتضحية، التي لا تعيقها التحديات والظروف، ولا تتوقف عند زمن محدد، ديدنها الاستمرار وهدفها التقدم والازدهار والإبداع في مختلف مناحي الحياة.