حجاب مريم بوخيتو يعيد الجدل حول الرموز الدينية في فرنسا

صورة اخبارية

 باريس – د ب ا

 

قبل عشرة أيام من الآن لم تكن "مريم بوجيتو" معروفة سوى في الأوساط الطلابية باعتبارها رئيسة للاتحاد الوطني لطلبة فرنسا بجامعة السوربون، لكن اسمها اليوم صار سيرة تلوكها الألسن داخل فرنسا وخارجها أيضا. حجابها سلط عليها الضوء وجعلها قضية رأي عام، ونقطة يختلف حولها الكثيرون. الطالبة الفرنسية لم تتجاوز 19 عاما وهي اليوم في مواجهة مع ساسة فرنسيين رأوا في ظهورها على قناة "إم 6" الفرنسية في 12 مايو/أيار الجاري، "صدمة"، وربما "ترويجا لإسلام سياسي".

مريم تابعها المشاهدون في برنامج وثائقي وهي تتحدث عن إصلاح جامعي تعارضه نقابتها "الاتحاد للوطني لطلبة فرنسا"، والمزعوم أنها مقربة إيديولوجيا من اليسار الفرنسي. وعلى ما يبدو فإن مريم لم تنجح في الدفاع عن قضيتها بقدر ما نجحت في خلق جدل جديد حول مسألة ارتداء الحجاب و إظهار الرموز الدينية في الأماكن العامة بالإضافة إلى العلمانية .

DWعربية، حاولت الاتصال بالطالبة الفرنسية، لكنها عرفت، من مكتب الاتحاد الوطني لطلبة فرنسا، أنها ممتنعة عن التصريح لكل المنابر الإعلامية.

بداية الجدل "حجاب"

ظهرت مريم أمام العلن بثوب يغطي جبينها وأذنيها ورقبتها، وهو ما أثار ضجة على الواقع وفي مواقع التواصل الاجتماعي. رئيسة نقابة الاتحاد الوطني للطلبة تعرضت للكثير من الانتقادات، بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي اعتبروا في "حجابها" رسالة سياسية أكثر من دينية. البعض الآخر استهزأ بشكلها، ونشر صورا لفتيات أخريات من نفس النقابة في وقت سابق. وفي نفس السياق ربط مغردون شكلها بقضايا مؤرقة كالتطرف وتنظيم "الدولة الإسلامية". حتى أن البعض شتمها ونشر رقم هاتفها على الإنترنت.

"صدمة الوزير وخوف الرئيسة"

مظهر الطالبة الفرنسية لم يقف عند حدود العالم الأزرق، وإنما تطور إلى قضية يخوض فيها الساسة والوزراء الفرنسيون كذلك. وبالرغم من التزام الطالبة الفرنسية بالصمت في البداية إلا أنها أدلت بتصريح لموقع "بوزفيد نيوز" في 20 مايو/أيار الجاري، ترد فيه على ما وُجه لها.

وزير الداخلية الفرنسي؛ جيرار كولومب، أعرب عن صدمته من رؤية فتاة ترتدي الحجاب على شاشة تلفزيون فرنسي، وقال في مقابلة تلفزيونية بثتها قناة "بي إف إم" الفرنسية، بتاريخ 19 مايو/أيار 2018، إنه "أمر صادم". جيرار تحدث في مقابلته عن الرموز الدينية "الحجاب"، وقال إنه: "من الظاهر أنه هنالك معركة ثقافية في نهاية المطاف لدى بعض الشباب المسلم، فمن الواضح أن هنالك عددا من الأشخاص يبحثون عن الاستفزاز عبر هذه الرموز".

الوزير الفرنسي ذهب بالموضوع في اتجاه الترويج للأفكار المتطرفة، وصرح: "لدي شكوك، أظن أن بعض الشباب قد يميلون للاقتناع بنظريات تنظيم الدولة، لا بد من حوار ثقافي موسع لكي نصل إلى إسلام عصري يتصدى للإسلام الرجعي".

مريم وفي حديثها الوحيد لموقع "بوزفيد نيوز"، عبرت هي الأخرى عن صدمتها، وشعورها بالـ"خوف"، وأنها اضطرت إلى توخي "الحذر" في الأماكن العامة، كما أنها "لا تدري ما سيحدث. وبخصوص خطاب الوزير قالت مريم: "من المقرف أن يوجه وزير الداخلية خطابا مماثلا يتضمن كل هذا القدر من العنف، خاصة أن ارتدائي للحجاب لا يتسم بأي بعد سياسي، فهذا إيماني". كما أكدت أن حجابها لا علاقة له بالسياسة وهو يتعلق بإيمانها الشخصي "حجابي ليس رمزا سياسيا".

وعن الضجة القائمة أضافت رئيسة نقابة الطلبة: "أنا مواطنة فرنسية، أزاول دراستي في مؤسسات لائكية وعامة، وحجابي هو اختيار شخصي ارتديته عن قناعة دينية، لكن في إطار احترامي للقانون الفرنسي وللآخرين، ومن هذا المنطق لم تكن هناك حاجة لطرح هذا النقاش".

أما فيما يخص ربط حجابها بالتطرف فقد عبرت مريم عن رفضها للأمر. ورأت أن المسألة تتعلق بتربية الشخص، "فكلما منحت الفرص للشباب كي يدرسوا ويذهبوا إلى الجامعة ويشكلوا آراءهم الشخصية، فلن يكون هناك مخاوف من وجود شباب يتجه نحو التطرف".

ترويج للإسلام السياسي؟

وزير الداخلية الفرنسي ليس الوحيد الذي تحدث عن ارتداء الطالبة الفرنسية للحجاب، بل وزيرة الدولة المكلفة بالمساواة بين الرجال والنساء في فرنسا؛ مارلين شيابا، عبرت أيضا عن استيائها من الأمر، حسب ما تناقلته مجموعة من المواقع الإخبارية. وقد رأت في الأمر تعبيرا عن "إسلام سياسي". وأوضحت شيابا: "نقابة الاتحاد الوطني لطلبة فرنسا من المفروض أن تكون نقابة تقدمية ومدافعة عن حقوق المرأة في حين أن الحجاب يعد دليلا على سيطرة الدين".

بالمقابل اعتبرت بوجيتو "مفهوم الإسلام السياسي قد يتضمن عدة أشياء حتى تلك التي تفتقد للمعنى"، كما تأسفت على تفسير نواياها بشكل مغاير، وقالت: "لم يكن حجابي أبدا في خدمة التوظيف السياسي".

قضية قديمة ونقاش جديد

وكان الاتحاد الوطني لطلبة فرنسا قد أصدر بيانا يرفض من خلاله خطاب الكراهية الذي يتحدث به بعض السياسيين الفرنسيين والشخصيات العامة. وقد حاولت DWعربية، الاتصال بالمكتب إلا أنه تعذر عليها الأمر بعد محاولات كثيرة. وجاء في البيان: "إذا كانت مريم تتعرض للانتقاد، فلأنها امرأة مسلمة ترتدي الحجاب ولأنها أيضا طالبة لها مسؤوليات نقابية".

وتجدر الإشارة إلى أن ارتداء الحجاب في فرنسا وعدمه، ليس بالشيء الجديد، فالنقاش حوله يتجدد كل مرة. ففي فبراير الماضي، كان النقاش محتدما بخصوص المغنية السورية المحجبة؛ منال مسكون، والتي ظهرت في أشهر برنامج غنائي فرنسي: ذا فويس، مرتدية الحجاب. وهو ما أثار غضب الكثير من منتقديها الذين اتهموها أيضا بأنها تحمل أفكار متطرفة وبأنها إهانة للدولة الفرنسية، قبل أن تنسحب من البرنامج وترد على هذه الاتهامات.

وبالرغم من أن الرئيس الفرنسي؛ إيمانويل ماكرون دعا في مقابلة له مع قناة "بي أف أم" وموقع "ميديا بارت"، بتاريخ 16 أبريل/نيسان الماضي، إلى احترام الحريات الدينية في بلاده للحفاظ على وحدة المجتمع، وقوله في اللقاء نفسه إنه يحترم كل امرأة ترتدي الحجاب، إلا أن هذا لم يمنع الوزيرين المذكورين من اتخاذ موقف مغاير من حجاب الطالبة الفرنسية اليوم.

يشار إلى أن فرنسا تمنع ارتداء الحجاب وأي رمز ديني "بارز" في المدارس الحكومية منذ عام 2004، بالرغم من أن عدد المسلمين في البلد يمثل أكبر أقلية مسلمة في دول غرب أوروبا.

شرح الصورة

ظهور رئيسة الاتحاد الوطني لطلبة فرنسا بجامعة السوربون على التلفزيون الفرنسي مرتدية للحجاب، أثار الجدل مجددا في فرنسا حول إظهار الرموز الدينية