نهاية الاخوان والاحزاب الشمولية
بهدوء
عمر كلاب
نهاية الاخوان والاحزاب الشمولية
هناك نزعة على شكل حُمّى اصابت الاحزاب الشمولية , بالتوجه نحو العمل الوطني الداخلي والتعامل مع اللحظة القائمة كحزب وطني دون اي ارتباط خارجي , ويتحدث منظرو هذه الاحزاب عن تلك الخطوة كاستحقاق فرضته اللحظة االعربية ومخرجاتها بُعيد الربيع العربي , لكن ذلك فيه تسطيح للفكرة وعجز عن قراءة سيرورة التاريخ ومنطق التحولات الكبرى التي يشهدها العالم العربي وجدلية الديالكتيك الحاكمة لمنطقه وفجاءاته , ويسجل لحزب النهضة التونسي , قراءته المبكرة لهذه الجدلية التي تعني اننا امام حالة افول للحركات والاحزاب العابرة للجغرافيا كشرط تاريخي لطبيعة ادوات الانتاج السياسية والاقتصادية في العالم العربي وانتقاله من مرحلة الى مرحلة جديدة عمادها افتقاد مقومات الصمود والمواجهة لادوات العصر الجديد وطبيعة اسواق العمل الناشئة والاقتصاديات السائدة .
هذه التحولات شهدتها دول اوروبا الشرقية في اوائل ثمانينيات القرن الماضي وعجزت تلك الدول المحكومة للسلفية الماركسية من التفاعل الحيوي مع اللحظة التاريخية وتغير سوق العمل وتحول ادوات الانتاج من الصناعي الى المعرفي والتقني , فخرجت الاحزاب الماركسية من المشهد وافلت المنظومة الاشتراكية ووقف العالم على ساق واحدة لفترة طويلة قبل ان تنهض روسيا القيصرية كدولة وليست كمنظومة وفكرة , من تحت الرماد لتحاول اعادة صياغة المشهد الكوني وضبط وقفته بالتعاون مع الصين واقطار امريكا الجنوبية والهند ولكن المحصلة كانت انتهاء زمن الاحزاب العابرة للجغرافيا ايضا .
اردنيا ما زالت الفكرة غامضة ومُلتبسة , فثمة احزاب محلية خرجت من رحم جماعة الاخوان المسلمين التاريخية , معلنة بداية افول ظاهرة جماعة الاخوان المسلمين كمنظومة فكرية عابرة للجغرافيا تحت قيادة مكتب الارشاد العالمي , فهزيمة الجماعة في الربيع العربي وافول نجمها في دول عربية كثيرة وصعود منظومة دينية جديدة يؤشر على ذلك تماما , فكما كانت افغانستان نهاية حقبة تاريخية في دول المنظومة الاشتراكية فإن الربيع العربي والانقلاب في مصر والخسارة في تونس والتراجع في المغرب وفشل المشروع في سوريا تقول ان الخسارة تعلن نهاية مرحلة والولوج في مرحلة جديدة , على امل ان تُعيد فيها الجماعة تفكيرها الوطني بأجندة وطنية لكل قطر على حدة وتنتقل الى العمل السياسي والبرامجي باستقلالية تامة فيما يبقى الدعوي شأنا منفصلا ومستقلا عن السياسي .
التاريخ لا يمكن معاندته او عكس مساره برغائبية , فالتاريخ يمكن تطوير مساره ونقله الى طور جديد بعد افول الطور السابق بوعي وقراءة للادوات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية , والاخوان كجماعة عابرة للجغرافيا انتهوا وعليهم اعادة التفكير واجراء المراجعة التاريخية اللازمة لبقاء وجودهم السياسي والاجتماعي , فكل ادواتهم تجاوزها التاريخ وباتت المعارف ملقاة على قارعة الطريق وسيرفرات الفضاء ورذاذه , وبات داعية واحد يملك نفوذا وتاثيرا يفوق نفوذ جماعة بأكملها على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى الواقع المُعاش فعلا , ولدينا من الدعاة ما يفيض عن حاجة المرحلة مقابل نقص مهول في السياسيين والبرامج السياسية وكانت الجماعة للانصاف مخزنا للساسة والرجال قبل ان تخسر معركة الربيع العربي لانها تتقن وبمهارة فن التأشير على الخلل ولا تتقن معالجته , فهي قادرة على اسقاط نظام لكنها لا تستطيع بناء نظام او دولة .
شعارات الوحدة العربية السابقة باتت خارج التاريخ والاحزاب العابرة للجغرافيا مجرد خيال وعلى الاحزاب مراجعة اجندتها سريعا , وعكس ذلك فإن مؤسسات المجتمع المدني وحواضن التمويل الاجنبي ستكون البديل الضال والمضلل للمجتمعات العربية التي تنشط فيها تلك المنظمات وبدعم سخي جدا .//
omarkallab@yahoo.com