اغتيال المفكر لا الفكرة
وليد حسني
صادفت في الثامن عشر من الشهر الجاري ذكرى اغتيال المفكر اللبناني الماركسي مهدي عامل الذي اغتيل سنة 1987 وبعد مرور اقل من ثلاثة اشهر على اغتيال رفيقه المفكر الماركسي اللبناني د. حسين مروة.
مروة وعامل من مدرسة فكرية واحدة، عملا سويا في مجلة الطريق، وارتبطا في مشروعهما الثوري والتنويري ، وكأن يد القدر وحدها أرادت أن ترسم النهاية المشتركة لهما بفارق اشهر قليلة لا تتعدى الثلاثة أشهر، على اغتيال كل منهما فقد اغتيل مروة في شهر شباط من ذات السنة.
واستذكر ذكرى اغتيال مهدي عامل هذه الأيام للتأكيد على أن الفكر لا يموت ولا ينتهي بموت صاحبه أو باغتياله، وهذا ما اكدته الاف الحوادث التي أراد القاتل فيها إسكات صوت الفكرة وقتل المفكر، إلا انه لا يدرك أن قتل حامل الفكرة وصاحبها لا يقتل الفكرة، خاصة إذا وجدت لها من يحملها ويدافع عنها ويشيعها بين الناس.
فكر حسين مروة ومهدي عامل لم يمت أبدا باغتيال الاثنين في بواكير سنة 1987، بل بالعكس من ذلك فقد كانت حادثتا اغتيالهما بوابة أكثر اتساعا مما كانت عليه لخلودهما وديمومة فكرهما، وبالرغم من عدم توفر نظام سياسي مسيطر ومهيمن ومالك للسلطة ليحمل أفكارهما فإن من تأثر بمروة وعامل أضعاف ما يمكن أن يتأثروا بهما لو كانت ثمة سلطة سياسية حاكمة تتخذ من فكرهما أيديولوجية في الحكم.
اقول ذلك للتاكيد على ان الأفكار التنويرية والثورية الكبرى لا تموت بموت أصحابها، والقاتل بالنتيجة يريد كتم الصوت، لكنه يدرك تماما أنه لا يستطيع كتم رجع الصوت، وهذه هي معضلة القاتل مع القتيل.
ولدينا آلاف الشواهد على ما نذهب إليه، وقد بدا ذلك مبكرا ومنذ فجر البشرية وصولا الى اليوم الذي تقرأ الجريدة فيه هذا الأوان، فقد فشلت كل عمليات الاغتيال الثقافي والسياسي في إسكات صوت الفكرة التي تعود لتنتصر.
الاغتيال من أبشع الجرائم اللا إنسانية خاصة إذا كان الاغتيال لمفكر او مثقف تختلف معه في الكلمة وفي الرأي والموقف ولا تتواجهان بالسلاح والنار، وللأسف فإن العقل البشري لا يزال محكوما للنمطية الهمجية في طريقة التعاطي مع من يخالفك الرأي، فهو بالنتيجة كافر، وملحد ومباح الدم...الخ.
في حكاية مهدي عامل واغتياله ثمة ما يقال عن المجهول الذي أطلق الرصاص وغاب في زحام بيروت، وكذلك الذي اغتال حسين مروة، وقبلهم بقليل الشيخ صبحي الصالح، والحبل على غاربه، فالقاتل مجهول دائما إذا كان الأمر يتعلق بالمفكر وصاحب الرؤية، بما في ذلك السياسي الذي يبدو أنه الأكثر استهدافا حين يصل الصراع السياسي إلى مرحلة التخاطب بلغة السلاح بدلا من لغة الحوار والدبلوماسية.
وبالنتيجة فان ذكرى اغتيال مروة وعامل فرصة لإستذكار كل الذين دفعوا حيواتهم رخيصة في سبيل فكرهم وفي سبيل خدمة الإنسانية، وهم من الكثرة ما لا يمكننا عدهم، فكل شعب في هذا العالم وعلى مدى تاريخه لديه عشرات المفكرين الأبطال الذين استشهدوا اغتيالا لأن فكرهم لم يعجب أحدهم.//